يثير نسب الطوارق، وهم سكان الصحراء الكبرى، اهتمام المؤرخين والباحثين. يستعرض هذا المقال الأدلة التاريخية والأنثروبولوجية التي تشير إلى الأصول العربية للطوارق، وتحديدًا ارتباطهم بالقبائل الحميرية اليمنية التي هاجرت إلى شمال أفريقيا واستقرت في الصحراء الكبرى.
شهادات المؤرخين وذاكرة الطوارق
يستند الاعتقاد بأصول الطوارق العربية إلى شهادات تاريخية وأيضًا إلى الذاكرة الجمعية لدى كبار السن من الطوارق أنفسهم. فقد أشار المؤرخ الشهير ابن خلدون إلى أن قبيلتي صنهاجة وكتامة، اللتين ينتسب إليهما الطوارق، يشتهر بين نسابة العرب بأنهما من أصول يمنية، وأنهما استقرتا في أفريقيا إبان غزوات أفريقش.
ويؤكد كبار السن من الطوارق على هذا النسب العربي، موضحين أنهم ينحدرون من قبائل حمير التي كانت تستوطن مأرب، وأنهم نزحوا إلى شمال أفريقيا ثم إلى الصحراء الكبرى بعد انهيار سد مأرب الشهير. ويحتفظ العديد من أفراد الطوارق بشجرات أنسابهم التي غالبًا ما تربطهم بشخصيات بارزة في التاريخ الإسلامي المبكر، مثل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أو حتى بقادة الفتح الإسلامي لشمال أفريقيا كعقبة بن نافع.
قبائل طارقية ذات أصول عربية قريبة:
بالإضافة إلى هذا الأصل العام، توجد العديد من قبائل الطوارق الحالية التي ترجع أصولها إلى قبائل عربية حديثة نسبيًا، ومن أبرزها:
- كل أنصار: وهي قبيلة مستقرة حديثًا في تنبكتو بشمال مالي، وينسب مؤرخوها وكبار السن فيها أصولهم إلى قبيلة الأنصار الموجودة في المدينة المنورة. ويذكرون أن هجرتهم كانت من الحجاز خلال فترة فتنة علي ومعاوية، وأنهم اختاروا العزلة لتجنب الصراعات. يتميز أفراد هذه القبيلة بثقافتهم العالية في اللغة العربية، الدين، القرآن، والأدب، ويتحدثون العربية الفصحى إلى جانب لغتهم الطارقية. (كل تعني “أهل” بالطارقية، وأنصار تعني “أهل الأنصار”).
- الأشراف، كل الحرمه، إيفوغاس: وهي قبائل تنحدر من محمد المختار، وهو شريف عربي من المغرب ينتمي إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما. وصل إلى الصحراء خلال فترة الاضطهاد الذي تعرض له الهاشميون، وتزوج من امرأة طارقية، ليصبح أبناؤه نواة لهذه القبائل الطارقية.
- ريقناتن: وهي قبيلة كبيرة في مالي، يُقال إن جدها الأول جاء مع محمد المختار وكان تلميذه، واستقر معه في المنطقة وتزوج من طارقية، ليصبح نسله قبيلة ريقناتن.
- كل اغلال: قبيلة عربية كبيرة تقيم في شنقيط بموريتانيا، وقد هاجر فرع منها إلى النيجر واختلط بالطوارق عن طريق المصاهرة، ليصبحوا جزءًا منهم. يعرف أفراد “كل اغلال” بحملهم للقرآن الكريم ونشرهم للثقافة العربية في المنطقة.
- كل السوق: وهي مجموعة من الطوارق تعود أصولها إلى منطقة برقة في ليبيا.
بالإضافة إلى هذه الأمثلة، توجد عشرات القبائل الصغيرة الأخرى ذات الأصول واللسان العربي التي التحقت بالطوارق حديثًا وأصبحت جزءًا من نسيجهم الاجتماعي.
فخر الطوارق بنسبهم العربي في الشعر:
يعتز الطوارق، المعروفون بـ “الملثمين”، بنسبهم العربي القديم، ويتجلى هذا الفخر في أشعارهم. يقول أحد شعرائهم:
قوم لهم شرف العلا من حمير
وإذا دعوا لمتونة فهم هم
لما حووا علياء كل فضيلة
غلب الحياء عليهم فتلثموا
ويقول الشاعر محمد امبارك اللمتونى – رحمه الله – وهو من الطوارق:
ومن طالع الأنساب أيقن أنه
للمتون أصلا لا يفاوقه أصل
إذ الأصل أماحمير هامة العرب
وأما قريش المنتهي فيهم الفضل
وحمير ذو القرنين منهم ومالك
وتبع منهم تابع الحق من قبل
فيا عجبا و الدهر جم عجائب
وأنى ترى العمى الشموس التي تعلو
نظرة على أصول البربر:
يشير ابن خلدون إلى أن البربر هم قبائل متنوعة تنحدر من حمير ومضر ولقيط والعمالقة وكنعان وقريش، وأن تسميتهم بالبربر جاءت نتيجة اختلاطهم وتحدثهم بلغة غير مفهومة خلال تواجدهم في الشام. وتذكر مصادر تاريخية أخرى أسبابًا مختلفة لخروجهم من الشام واستقرارهم في شمال أفريقيا.
دلالات العادات والتقاليد:
يعد اللباس التقليدي للطوارق وعاداتهم وتقاليدهم من أهم الدلائل التي تشير إلى عروبتهم، حيث تحمل هذه الموروثات الكثير من الأصالة العربية.
خلاصة:
تؤكد المصادر التاريخية واللغوية والأنثروبولوجية على الأصول العربية للطوارق وانتمائهم إلى الجزيرة العربية وإلى أمة الضاد. وتتجلى هذه الروابط في لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم التي حافظوا عليها عبر الأجيال.
مواضيع ذات صلة:
فيديو عن الطوارق من قناة الجزيرة الوثائقية
