Site icon تداوين

قبيلة الرزيقات: امتداد جغرافي وتأثير تاريخي في الجزائر والسودان ومصر

القبائل العربية 4

الصورة تعبيرية

تُعد قبيلة الرزيقات من القبائل العربية الكبرى التي تتميز بامتدادها الواسع في قارة أفريقيا والوطن العربي عمومًا. يسعى هذا التقرير إلى تسليط الضوء على تواجد هذه القبيلة وأهميتها التاريخية والاجتماعية في كل من الجزائر والسودان ومصر.


قبيلة الرزيقات في الجزائر:
تُعتبر قبيلة الرزيقات من أكبر القبائل العربية في الجزائر، وتُعرف عمائرها الرئيسية، المنحدرة من عرب هلال، بتواجدها في الجنوب الغربي للجمهورية، في مناطق مثل الأغواط وإكسال (نسبة إلى جبل إكسال بالقرب من البيّض). يتميز أفراد القبيلة بنمط حياة البداوة، بما يشمله من حل وترحال، والإقامة في الخيام، وممارسة الرعي والفروسية ونظم الشعر. وقد ورد ذكرهم بشكل عابر في مؤلفات العلامة ابن خلدون.
تنتشر عمائر الرزيقات في مناطق واسعة غرب مدينة وهران، وفي زمر بمدينة المالح بالقرب من عين تيموشنت، ودواوير بمنطقة البيّض. وقد امتلكوا أراضٍ عرشية تمتد من منطقة بوعلام وسيد أعمر وصولًا إلى تخوم الصحراء، ويعتمد اقتصادهم بشكل أساسي على تربية الأغنام. من بين عمائرهم المعروفة: المناصير، والزغم، وأولاد حميدة، وأولاد داوود.
برز من بين أبناء الرزيقات شخصيات تاريخية هامة، مثل المجاهد والشاعر محمد بلخير، شاعر المقاومة في القرن الثامن عشر، الذي قاد العديد من المعارك ضد الاستعمار الفرنسي حتى توقيع صلح بريزينة عام 1883. وبعد رفضه لهذا الصلح، عاد لتنظيم الثوار حتى تم القبض عليه ونفيه إلى كالفى بجزيرة كوستاريكا عام 1886. وبعد وفاته، دُفن في “تيغست” ضواحي بوعلام، ثم نُقل رفاته بعد الاستقلال إلى مقبرة الشهداء في بوعلام تكريمًا لدوره الوطني والثقافي. يُذكر أن محمد بلخير ينتمي إلى فرع أولاد داوود من قبيلة الرزيقات. كما ظهرت أسماء أخرى في صفوف المقاومة والثورة الجزائرية.


قبيلة الرزيقات في مصر:
تُشير الروايات إلى أن قبائل الزريقات في جمهورية مصر العربية قدمت من منطقة نجران في اليمن بعد الفتوحات الإسلامية. استقروا أولًا في بلاد السودان غربًا، ثم انتقلت أعداد كبيرة منهم إلى مصر. وبسبب التنافس على المراعي مع القبائل الأخرى في مصر، وجههم سلاطين مصر في ذلك الوقت إلى بلاد المغرب بعد انتهاء الفتوحات الإسلامية.
يتواجد الرزيقات بشكل رئيسي في مركز أرمنت بمحافظة قنا في صعيد مصر، وعاصمته مدينة أرمنت الواقعة على الضفة الغربية للنيل جنوب مدينة الأقصر. وينقسم مركز أرمنت إداريًا إلى مدينة أرمنت وثلاث قرى رئيسية هي: أرمنت (التي أنجبت شخصيات بارزة مثل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد)، وقرية الرزيقات (التي أنجبت الشيخ أحمد الرزيقي وأحمد عبود باشا)، وقرية المحاميد (التي أنجبت الدكتور عبد الدائم نصير وضياء رشوان). وللرزيقات في مصر العديد من الجمعيات والأنشطة التي تهدف إلى التنمية وخدمة المجتمع.


قبيلة الرزيقات في السودان:
تُعتبر الرزيقات قبيلة كبيرة في غرب السودان، وتحديدًا في منطقة جنوب دارفور، حيث يحدهم من الجنوب بحر العرب ومن الشرق دار الحمر ومن الشمال البيقو والداجو والبرقد ومن الغرب الهبانية. يُذكر أنهم من أصول جهينية، وتشير بعض الروايات إلى أنهم من ثقيف. كما يوجد فرع منهم في شمال دارفور يُعرف بالرزيقات الشماليين (الأبالة).


تتمركز رئاسة القبيلة عمومًا في بيت آل مادبو ود علي وأسرة محمود موسى. ويُطلق عليهم لقب “تراب الهين” لكثرة عددهم. مركزهم الرئيسي هو شكا، وينقسمون إلى ثلاث عمائر رئيسية: الماهرية والنوايبة والمحاميد. وقد قاوموا سلاطين الفور ولم يخضعوا لهم بشكل كامل، ولهم تاريخ حافل بالأحداث مع الزبير باشا والثورة المهدية.
ينتشر الرزيقات الشماليون في مساحة واسعة بشمال شرق دارفور، ويعتمدون بشكل أساسي على تربية وبيع الإبل وتصديرها إلى مصر وليبيا، بالإضافة إلى الزراعة. وهم أيضًا ينتمون إلى عمائر المحاميد والماهرية، بالإضافة إلى فروع أخرى.
يُشير الباحث موسى المبارك الحسن في كتابه “تاريخ دارفور السياسي” إلى أن الرزيقات أغنى قبائل البقارة وأكثرها عددًا وأقواها مركزًا في دارفور. كما وصفهم الباحث الفحل الفكي الطاهر في كتابه بأنهم قبيلة ذات شجاعة وقوة، ويُطلق عليهم لقب “عيال رزيق هين التراب” دلالة على كثرة عددهم. وقد برزت قوتهم في مساندتهم للثورة المهدية ومحاربتهم ضد الاستعمار الإنجليزي.


على الرغم من تفرعاتهم الكثيرة، فإن جميع الرزيقات ينتمون إلى جد واحد هو رزيق بن رحال بن عطية بن راشد بن الشيخ الجنيد، الذي يُقال إنه كان إمام الحرم المكي الشريف.
أقسام الرزيقات في السودان:
تنقسم قبيلة الرزيقات في السودان إلى ثلاث عمائر كبيرة: النوايبة (جدّهم نايب بن رزيق)، والمحاميد (جدّهم محمود بن رزيق)، والماهرية (جدّهم ماهر بن رزيق). وتتفرع هذه العمائر إلى بطون وأفخاذ عديدة، ولكل عمارة إدارة خاصة بها في موقعها.
الرزيقات في جنوب وشمال السودان:
يتوزع الرزيقات في جنوب وشمال السودان، حيث توجد للنوايبة والمحاميد والماهرية فروع وبطون متعددة. ولهم تواجد كبير في العاصمة الخرطوم وولايات أخرى في شرق ووسط السودان، مما شجعهم على تأسيس إدارات أهلية خاصة بهم في هذه المناطق.
الوضع الحالي للرزيقات في السودان:
تُعتبر الرزيقات حاليًا أكبر القبائل تعدادًا في السودان بعد قبيلة الدينكا، والأكثر ثروة، خاصة فيما يتعلق بالثروة الحيوانية. وقد زار الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر منطقتهم “سبدو” تقديرًا لمكانتهم.


Exit mobile version