شؤون دولية

اعتراف ترامب بدعم اثيوبيا يفتح جبهة جديدة في أزمة سد النهضة

القاهرة (تداوين)- في كشفٍ يقلب موازين أطول أزمة مائية في الشرق الأوسط، اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علانية بأن الولايات المتحدة مولت بناء سد النهضة الإثيوبي – ذلك المشروع العملاق الذي يهدد بقطع شريان الحياة عن ملايين المصريين. جاءت التصريحات كالصاعقة أثناء لقاء ترامب مع أمين عام حلف الناتو في البيت الأبيض، ليفتح جرحاً دامياً في العلاقات المصرية الأمريكية ويُعيد إشعال فتيل أزمة يعتبرها المصريون مسألة حياة أو موت. لم يكتفِ ترامب بالكشف المزلزل عن التمويل الأمريكي، بل أتبعها بتصريحٍ مثيرٍ للاستفزاز: “لا أعلم لماذا لم يحلوا المشكلة قبل بناء السد” – كأنما يلام الضحية على جريمة الغريق.


قنبلة ترامب: التمويل الأمريكي للسد يضع واشنطن في قفص الاتهام

ألقى ترامب بقنبلة سياسية خلال مؤتمره الصحفي مساء الاثنين حين صرح: “لقد بنوا واحدا من أكبر السدود في العالم… وأعتقد أن الولايات المتحدة مولت السد”. هذه العبارة القصيرة مثلت زلزالاً دبلوماسياً يعيد رسم خريطة المسؤولية في أزمة استمرت 13 عاماً. لم تكن الصدمة في مجرد التمويل، بل في السردية الساخرة التي رافقتها: “هم جيران جيدون وأصدقاء لي، لكنهم بنوا السد وهو ما أدى لوقف تدفق المياه… لو كنت مكان مصر فسأرغب في وجود المياه في نهر النيل”.

مواضيع ذات صلة: ثروة ترامب تصل الى ثلاثة اضعاف خلال عام واحد

التفاصيل الأكثر إيلاماً للمصريين كانت في وصف ترامب الدقيق لعواقب السد: “أدى لوقف تدفق المياه إلى ما يعرف بنهر النيل” – اعترافٌ صريحٌ بما تنفيه إثيوبيا منذ سنوات. السؤال الذي يطن في أروقة القاهرة الآن: كيف مولت القوة العظمى الأكثر نفوذاً مشروعاً يهدد الأمن القومي لأقرب حلفائها العرب؟


رد فعل القاهرة: دبلوماسية الصقور تحت قناع المهادنة

في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء، دخل الرئيس السيسي على الخط عبر “إكس” (تويتر سابقاً) بردٍّ دبلوماسي محكم يحمل في طياته سكيناً من جليد. بدأ بتقدير “جدية الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب” في حل النزاعات – عبارةٌ تعكس رهان القاهرة على عودة ترامب للبيت الأبيض. لكن الجوهر الحقيقي كان في التصريحين اللاحقين:

  1. التأكيد على ضرورة “اتفاق عادل يحفظ مصالح الجميع” – إشارة واضحة أن مصر لن تقبل بحلٍّ على حساب حصتها التاريخية.
  2. توظيف عبارة ترامب نفسها ضدّه: “تأكيده على ما يمثله النيل لمصر كمصدر للحياة” – تحويل اعتراف الرئيس الأمريكي إلى سلاح في المعركة القانونية.

هذه الصياغة الذكية تكشف استراتيجية مصرية مزدوجة: استغلال التصريح الأمريكي كاعتراف قانوني دولي بأحقية مصر، مع الحفاظ على الباب مفتوحاً أمام إدارة محتملة لترامب.


جغرافيا الكارثة: لماذا يعتبر السد سكيناً على رقبة مصر؟

يقع سد النهضة الإثيوبي الكبير (ታላቁ የኢትዮጵያ ሕዳሴ ግድብ) على بعد 15 كم فقط من الحدود السودانية، يحبس خلفه 74 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق – الرافد الرئيسي لنهر النيل (يشكل 85% من مياهه). هذه الكميات المهولة ليست مجرد أرقام:

  • خزان عملاق يسع 3 أضعاف بحيرة ناصر المصرية
  • جدار إسمنتي بارتفاع 155 متراً (أعلى من برج القاهرة)
  • طاقة تدميرية تهدد بجفاف 30% من الأراضي الزراعية المصرية

المفارقة التاريخية تكمن في أن موقع السد نفسه حدده مكتب الاستصلاح الأمريكي بين 1956-1964 خلال حكم الإمبراطور هيلا سيلاسي. بعد نصف قرن، تحول التصميم النظري إلى كابوس مائي يجسد تناقض المصالح الأمريكية في المنطقة.


حروب المياه: اتفاقيات دموية وخرائط استعمارية

جذور الأزمة تمتد إلى عصر الاستعمار البريطاني حين رسمت اتفاقيات 1902 و1929 خريطة توزيع مياه النيل:

  • اتفاقية 1902: وقعتها بريطانيا (نيابة عن مصر والسودان) مع إثيوبيا – تمنع أديس أبابا من إقامة أي منشآت على النيل الأزرق.
  • اتفاقية 1929: منحت مصر حق الاعتراض على مشروعات دول الحوض – وهي الحقوق التي أقرتها دول المنبع لاحقاً.

لكن إثيوبيا تعتبر هذه الاتفاقيات “تركة استعمارية باطلة”، بينما تتمسك مصر بها كـ”شرعية دولية”. الحرب القانونية تخفي حقيقة مروعة: مصر تعتمد على النيل في 97% من مواردها المائية، بينما يسد السد عجز الطاقة الإثيوبي بالكامل.


لعبة الأمم: كيف تحول السد إلى رقعة شطرنج جيوسياسية؟

منذ وضع حجر الأساس عام 2011، تحول السد إلى ساحة صراع دولي:

الداعمون الخفيون لإثيوبيا

  • الصين: مولت خطوط نقل الطاقة من السد
  • إيطاليا: منحت شركة “وي بيلد” عقد البناء بقيمة 4.8 مليار دولار دون مناقصة
  • إسرائيل: زودت إثيوبيا بتقنيات المراقبة المائية

المناورات المصرية المضادة

  • تحالفات مع السودان (التي غيرت موقفها لاحقاً)
  • حملة دبلوماسية لعرقلة التمويل الدولي
  • تهديدات ضمنية بالخيار العسكري عام 2013

المفاوضات الفاشلة: 13 عاماً في متاهة مائية

مسار التفاوض يشبه سير أعمى في نفق مظلم:

  1. 2011: إثيوبيا تشارك مصر “تصميم السد” بعد ضغوط دولية
  2. 2015: توقيع إعلان مبادئ في الخرطوم (حبر على ورق)
  3. 2018: فشل 26 جولة مفاوضات في أديس أبابا
  4. 2020: إثيوبيا تبدأ الملء الأحادي رغم الاحتجاجات
  5. 2023: مصر ترفع ملف السد لمجلس الأمن
  6. 2024: محادثات واشنطن تنتهي بـ”طريق مسدود”

سيناريوهات الكارثة: ما الذي ينتظر 150 مليون نسمة؟

تقرير البنك الدولي يحذر من سيناريوهين مرعبين:

سيناريو الانهيار الجزئي

  • غرق الخرطوم تحت 20 متراً من المياه خلال 3 أيام
  • تدمير سد الروصيرص السوداني

سيناريو الجفاف المصري

  • فقدان 2 مليون فدان زراعي
  • نزوح 6 ملايين مزارع
  • شح مياه الشرب لـ 10 محافظات

ما بعد ترامب: خرائط جديدة لحرب المياه

اعتراف ترامب يخلق معادلات جديدة:

  1. ورقة ضغط مصرية: استخدام التصريح كدليل في المحكمة الدولية
  2. تغير الموقف السوداني: الخرطوم قد تعود لصف القاهرة خوفاً من الفيضان
  3. اختبار للتحالف الإثيوبي-الإسرائيلي: هل ستتدخل تل أبيب لإنقاذ السد؟
  4. رهان على الانتخابات الأمريكية: إدارة ترامب قد تفرض حلولاً على أديس أبابا

المصير المجهول: هل تنفجر الحرب الأخيرة على النيل؟

بين أرقام الطاقة الخضراء (6.45 جيجاواط) وأحلام التنمية الإثيوبية، تقف حقيقة إنسانية ثقيلة: النيل ليس مجرد نهر، بل هو شريان وجود لحضارة عمرها 7 آلاف عام. تصريحات ترامب كشفت أن السد لم يعد مشروعاً إثيوبياً خالصاً، بل أصبح أداة في صراع القوى العظمى على إفريقيا.

اليوم، بينما تواصل إثيوبيا ملء الخزان الثالث (2024-2025)، تمسك مصر بورقتين أخيرتين: الاعتراف الأمريكي التاريخي بحقها في “مصدر الحياة”، وصمود 110 ملايين مصري يعرفون أن معركة السد ليست معركة مياه فحسب، بل معركة بقاء. السؤال الذي ينتظر الإجابة: هل ستكون كلمة “العدل” التي ذكرها السيسي مجرد حبر في تدوينة، أم ستتحول إلى حقيقة على أرض أكثر صحاري العالم جفافاً؟ المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock