الدين والحياة

مناسبات شهر محرم : نافذةٌ على التاريخ الإسلامي وعمق التراث الديني

يعتبر شهر محرم الحرام، أول شهور السنة الهجرية، شهراً ذا أهميةٍ بالغةٍ وعمقٍ تاريخيٍ ودينيٍ لدى المسلمين على اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم. فبينما يكتسي هذا الشهر رداء الحزن والعزاء عند الشيعة الإمامية إحياءً لذكرى فاجعة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين عليه السلام، يُنظر إليه عند أهل السنة والجماعة كأحد الأشهر الحرم التي يُضاعف فيها الأجر والثواب، ويُسنّ فيه صيام يوم عاشوراء شكراً لله على نجاة نبيّه موسى عليه السلام. تتعدد مناسبات شهر محرم وتتنوع دلالاتها، لتُشكل بانوراما واسعة من الأحداث والتقاليد التي تُثري النسيج الثقافي والديني للأمة الإسلامية.

مناسبات شهر محرم عند الشيعة: حزنٌ متجددٌ وولاءٌ راسخٌ

يُعدّ شهر محرم محوراً أساسياً في التقويم الديني الشيعي، حيث يُنظر إليه كشهر عزاءٍ وحزنٍ عميقين. تتوالى فيه الذكريات الأليمة التي تُعيد إلى الأذهان فاجعة كربلاء وما تبعها من أحداث، وتتجسد هذه الذكريات في شعائر وطقوس تُقام في مختلف أنحاء العالم.

1 محرم: رأس السنة الهجرية وبداية الحزن

يصادف الأول من محرم بداية السنة الهجرية الجديدة، وهو اليوم الذي يُستقبل عند الشيعة بدموع الحزن والحداد على ما سيحلّ بالإمام الحسين وأهل بيته. وعلى الرغم من أنه يُعدّ رأس سنة جديدة، إلا أن أجواءه تُسيطر عليها مشاعر الحزن والأسى، بدلاً من الاحتفالات المعتادة في بداية السنوات.

2 محرم: وصول الإمام الحسين إلى كربلاء

في اليوم الثاني من محرم، تُحيي الشيعة ذكرى وصول الإمام الحسين عليه السلام وقافلته إلى أرض كربلاء. يُنظر إلى هذا اليوم كبدايةٍ لمأساةٍ كبرى، حيث تلوح في الأفق ملامح الفاجعة التي ستحلّ بهم. يُرمز لهذا اليوم بتزايد الحزن والاستعداد لأيام العزاء القادمة.

2-9 محرم: أيامٌ من العزاء والاستعداد للفاجعة الكبرى

تُكرس الأيام الممتدة من الثاني حتى التاسع من محرم لإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأنصاره. خلال هذه الأيام، تُقام مجالس العزاء والمآتم في الحسينيات والمنازل، وتُرفع الرايات السوداء، وتُوزع الأطعمة والمشروبات، إظهاراً للحزن والمواساة. تتزايد حدة الحزن يوماً بعد يوم، وتُروى تفاصيل الأحداث التي سبقت يوم عاشوراء، بما في ذلك عطش الإمام الحسين وعائلته، وحصارهم.

  • ليلة ويوم السابع من محرم: يُنسب هذا اليوم والليلة لأبي الفضل العباس بن علي، وتُكثر فيه المناسبات والعزاءات بحقه، تُروى فيه بطولاته وتضحيته من أجل إحضار الماء لخيام الإمام الحسين.
  • ليلة ويوم الثامن من محرم: تُنسب هذه الليلة واليوم للقاسم بن الحسن، ويُروى فيها استعداده للتضحية وشجاعته على الرغم من صغر سنه.
  • ليلة ويوم التاسع من محرم (تاسوعاء): يُنسب هذا اليوم والليلة لعلي الأكبر بن الحسين، ويُعرف هذا اليوم بالاستعداد للمعركة الحاسمة في اليوم التالي. تُشدّد فيه الحشود، وتُعقد العزائم.

10 محرم: يوم عاشوراء، ذروة المصيبة

يُعدّ العاشر من محرم، المعروف بـيوم عاشوراء، ذروة الحزن والألم لدى الشيعة. في هذا اليوم، وقعت معركة كربلاء التي استُشهد فيها الإمام الحسين بن علي، حفيد النبي محمد صلى الله عليه وآله، وعدد كبير من أهل بيته وأصحابه، على يد جيش يزيد بن معاوية بقيادة عبيد الله بن زياد. تُعلن العطلة الرسمية في العديد من الدول ذات الأغلبية الشيعية، وتُغلق المدارس والجامعات والمتاجر، وتُستبعد جميع مظاهر الفرح والزينة.

تتضمن شعائر يوم عاشوراء عند الشيعة العديد من الممارسات، منها:

  • المآتم والمواكب: يُجتمع الملايين في كربلاء لإحياء ذكرى الواقعة، وتُقام مجالس العزاء الضخمة. تُسيّر المواكب الحسينية التي تضج بالنياح واللطم على الصدور، وتُقدم الخدمات للزوار من مأكل ومشرب.
  • اللطم والتطبير: يُمارس البعض اللطم الشديد على الصدور والوجوه، وبعضهم يمارس التطبير (الضرب بالسيوف على الرأس) وضروب الظهور بالزناجيل، وهي ممارسات تُعبّر عن أقصى درجات الحزن والأسى.
  • قراءة مقتل الإمام الحسين: تُقرأ الروايات التفصيلية لمعركة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين، والتي تُعرف بـ”المقتل الحسيني”، لإبكاء الحضور وتجديد المصاب.
  • ركضة طويريج: تُعدّ ركضة طويريج من أبرز الشعائر في ظهر يوم عاشوراء، حيث يندفع مئات الآلاف من الزوار من منطقة طويريج نحو مرقد الإمام الحسين في كربلاء، وهم يلطمون صدورهم ويرددون الهتافات الحسينية، في مشهدٍ مهيبٍ يُجسد التضحية والوفاء.
  • حرق الخيام: تُنصب خيام مؤقتة في أماكن مخصصة خارج العتبة الحسينية، وتُحرق بعد ساعات من ظهر عاشوراء، تصويراً لحادثة حرق خيام أهل البيت بعد مقتل الإمام الحسين.
  • الامتناع عن الطبخ: يُستبعد الطبخ في البيوت في هذا اليوم، وتُقدم الوجبات التي تُعدّ في المواكب والحسينيات.
  • الصوم: يختلف الرأي في صوم يوم عاشوراء عند الشيعة؛ فالمشهور بين أكثر علمائهم هو عدم استحباب الصيام في هذا اليوم، لأن الحزن والصوم لا يجتمعان.

11 محرم: مسير قافلة السبايا إلى الكوفة

في ليلة الحادي عشر من محرم، تُعرف هذه الليلة بـليلة الوحشة والشموع والدموع. يتم إشعال الشموع في الطرقات وفي مرقد الإمام الحسين والعباس وغيرها من المراقد الدينية، وتُطفأ الأنوار تعبيراً عن وحشة شهداء كربلاء وغربة سبايا الإمام الحسين بعد الفاجعة. في هذا اليوم أيضاً، تُحيى ذكرى مسير قافلة السبايا من أهل الإمام الحسين من كربلاء إلى الكوفة، وهم مكبلون ومأسورون.

13 محرم: يوم بني أسد ودفن الشهداء

يُسمى اليوم الثالث عشر من محرم بـيوم بني أسد، حيث يُحتفل فيه بذكرى قيام قبيلة بني أسد بدفن أجساد شهداء معركة كربلاء، وذلك بإشراف أهل الإمام الحسين المتبقين من السبايا. تُكثر في هذا اليوم العزاءات وتُقام مجالس خاصة بهذه المناسبة.

19 محرم: دخول السبايا إلى الشام

في التاسع عشر من محرم، تُحيى ذكرى دخول سبايا أهل الإمام الحسين إلى الشام، حيث واجهوا المزيد من الذل والألم في بلاط يزيد.

25 محرم: وفاة الإمام زين العابدين

يصادف الخامس والعشرون من محرم ذكرى شهادة الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام، وهو الإمام الرابع من أئمة أهل البيت. يُعدّ هذا اليوم مقدساً لدى الشيعة، وتُقام فيه مجالس الحداد والعزاء وتُطبخ الأطعمة بنية الثواب.

استمرار العزاء حتى نهاية صفر ومسيرة الأربعين

لا تنتهي مظاهر الحداد والعزاء عند الشيعة بانتهاء شهر محرم، بل تستمر طيلة أيام شهر صفر أيضاً. يُعدّ هذا التمديد للحداد تأكيداً على عمق المصاب وأهمية إحياء الذكرى.

  • بداية شهر صفر: تُشكل بداية شهر صفر نقطة انطلاق لـمسيرة مشاية الأربعين، وهي مسيرةٌ ضخمةٌ تستمر لأسابيع. يتوافد خلالها عشرات الملايين من الشيعة من كافة أنحاء العالم سيراً على الأقدام نحو كربلاء لزيارة قبر الإمام الحسين. تُجهز الطرق بالمواكب التي تُقدم للزائرين المأكل والمبيت والخدمة. تُعدّ مسيرة الأربعين أكبر تجمع بشري سنوي سلمي في العالم، وتُولي الحكومة العراقية دوراً كبيراً في تأمين هذه الزيارة كل عام.
  • 20 صفر (يوم الأربعين): تُبلغ هذه المسيرة ذروتها في العشرين من صفر، الذي يُعرف بـيوم الأربعين، وهو مرور أربعين يوماً على استشهاد الإمام الحسين عليه السلام. في هذا اليوم، يتوافد مئات الآلاف من الزوار إلى أرض كربلاء لزيارة قبر الإمام الحسين.

تنتهي مراسيم العزاء وتُفكّ مظاهر الحداد بعد ذكرى وفاة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الثامن والعشرين من صفر، وفقاً للمصادر الشيعية، وذلك بعد شهرين متواصلين من مظاهر الحداد.

مناسبات شهر محرم عند أهل السنة والجماعة: فضل الصيام وحرمة القتال

على خلاف الشيعة، يُنظر إلى شهر محرم عند أهل السنة والجماعة كأحد الأشهر الحرم الأربعة (ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، ورجب) التي عظّمها الله تعالى في القرآن الكريم. يُستحب فيه الإكثار من الطاعات والعبادات، ويُحرم فيه القتال.

فضل الصيام في محرم

يُعتبر الصوم في شهر محرم من أفضل أنواع صوم النفل (التطوع). وقد ثبت في السنة النبوية الشريفة استحباب صيامه وبيان فضله. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: الصلاة في جوف الليل. قيل: ثم أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: شهر الله الذي تدعونه المحرم” (رواه مسلم).

يُوضح هذا الحديث أن الصيام في شهر المحرم هو الأفضل بعد صيام شهر رمضان المبارك. وقد تنازع العلماء في سبب إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من صيام شعبان أكثر من المحرم، وذكروا جوابين: أحدهما أنه ربما علم فضله في آخر حياته، والآخر أنه ربما كان يعرض فيه أعذار من سفر أو مرض.

يُستحب شرعاً الصوم في شهر الله المحرم في أوله ووسطه وآخره، لعموم الفضل. وتأتي أبرز مناسبات شهر محرم عند أهل السنة في يوم عاشوراء.

10 محرم: يوم عاشوراء ونجاة موسى عليه السلام

يوم العاشر من محرم (عاشوراء) له أهمية خاصة عند أهل السنة، فهو اليوم الذي نجّى الله فيه النبي موسى عليه السلام وقومه بني إسرائيل من فرعون وجنوده. وقد فلق النبي موسى البحر بعصاه، فخرج بنو إسرائيل سالمين، بينما غرق فرعون وجنوده.

يُصام هذا اليوم شكراً لله تعالى على هذه النعمة العظيمة، وإحياءً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم. فعندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وجد اليهود يصومونه، فسألهم عن السبب، فأخبروه بما حدث لموسى عليه السلام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “نحن أحق بموسى منكم“، فصامه وأمر بصيامه.

يُستحب أيضاً صيام اليوم التاسع من محرم (تاسوعاء) مع العاشر، مخالفةً لليهود الذين كانوا يُفردون صيام العاشر. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع“، لكنه توفي قبل أن يُدرك ذلك.

حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد عند أهل السنة

تُعدّ التهنئة بالعام الهجري الجديد مشروعة عند أهل السنة، وليست بدعة، كما أفتى عدد من العلماء المسلمين. فالتهنئة تُشرع عند حصول النعم وذهاب النقم، وبداية العام تتجدد فيها نعمة الحياة على كل إنسان. كما أنها تُحيي ذكرى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وما فيها من معانٍ سامية وعبرٍ نافعة.

مناسبات تاريخية أخرى في شهر محرم

بالإضافة إلى الأحداث الرئيسية المتعلقة بكربلاء وصيام عاشوراء، شهد شهر محرم العديد من الأحداث التاريخية الهامة في صدر الإسلام، والتي تُضاف إلى قائمة مناسبات شهر محرم البارزة.

غزوة ذات الرقاع 4 هجرية

قيل إنما سُمّيت هذه الغزوة بـ”ذات الرقاع” لأسباب عدة:

  • بقع الأرض: يُقال إن المسلمين مرّوا بأرضٍ ذات بقع سوداء وبيضاء، كأنها مرقعة برقاع مختلفة.
  • الخرق على الأرجل: يُرجح أيضاً أن الحجارة أوهنت أقدام المجاهدين، فكانوا يلفّون على أرجلهم الخرق والرقاع، ومن هنا جاءت التسمية.

جاءت هذه الغزوة لتقضي على تحركات واستعدادات عدائية كانت تقوم بها قبيلتا بنو محارب وبنو ثعلبة، وكلاهما من قبائل غطفان. وصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن القبيلتين تنويان جمع الأسلحة والرجال لاجتياح المدينة وغزوها. فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رأس مجموعة من رجاله وأصحابه. دفعت سوابق المسلمين الجهادية، وما سطروه في المعارك والمواقف من قصص المقاومة والصمود والبسالة والاستقامة، هذا العدوّ إلى الانسحاب واللجوء إلى رؤوس الجبال، خوفاً من أن يستأصلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمسلمين في هذه الغزوة صلاة الخوف، التي بيّن الله تعالى كيفيتها في القرآن الكريم، مما يُبرز أهمية هذه الغزوة في الفقه الإسلامي.

تطور شعائر إحياء محرم عبر التاريخ

مرت شعائر إحياء محرم عند الشيعة بمراحل مختلفة عبر التاريخ، وتأثرت بالظروف السياسية والاجتماعية لكل عصر.

في عهد البويهيين (القرن الرابع الهجري)

في مطلع القرن الرابع الهجري، وتحديداً في فترة حكم البويهيين وفي عهد معز الدولة، أخذ المأتم الحسيني طابعاً رسمياً. تم تحديد العشرة الأوائل من شهر محرم لإحياء ذكرى واقعة الطف، وتم تحديد يومي تاسوعاء وعاشوراء كأيام تعطل فيها الأسواق والبيع والشراء بصورة رسمية، وكانت تُمارس فيهما طقوس إحياء واقعة الطف علناً. وقد اتسع نطاق هذه المآتم بشكل كبير.

ومع ذلك، شهدت العقود الأخيرة من حكم البويهيين منعاً لإقامة المآتم بسبب الاشتباكات التي حدثت. لكن على الرغم من وجود عدد من الصعوبات، استمرت الشعائر حتى نهاية حكمهم، وإن كان ذلك في الخفاء أحياناً.

في عهد الفاطميين والأيوبيين والسلاجقة (مصر والعراق)

عندما استولى الفاطميون على الحكم في مصر، أصبحت المراسيم الشيعية رسمية، واستمرت حتى سقوط الدولة الفاطمية. وعندما تولت الدولة الأيوبية زمام الأمور، منعت جميع الشعائر الشيعية، فاضطر الشيعة إلى ممارسة طقوسهم في السر والخفاء.

وكذلك منعت دولة السلاجقة جميع الشعائر الشيعية عندما تولت زمام الأمور. لكن مع بداية القرن السادس، قللت من حدة مضايقاتها، مما أتاح للشيعة قدراً من الحرية لممارسة طقوسهم.

في العهد المغولي والخوارزمي (القرن السابع الهجري)

تزامن القرن السابع الهجري مع ظهور دولة خوارزم شاه في الشرق وسقوط السلاجقة في بغداد. وتشير التقارير التاريخية إلى استمرار المآتم الحسينية في هذه الفترة. وعندما استولت المغول على العراق، كان للشيعة الحرية في ممارسة شعائرهم، وهو ما يُشير إلى تحسن نسبي في الظروف التي سمحت لهم بإقامة طقوسهم علناً.

في عهد الصفويين والعثمانيين (إيران والعراق)

عندما استولت الدولة الصفوية على إيران، أصبح التشيع المذهب الرسمي، وقد اهتمت السلطة بنشر شعائره وتقاليده. أولى ملوك الصفوية اهتماماً بالغاً بالمآتم الحسينية في شهر محرم، حتى حين انشغالهم بالحروب. كانوا يُشاركون مع الناس في المآتم العامة المقامة في ساحات المدن مرتدين زي الحداد، وكانت مواكب العزاء تمر من أمامهم، مما يُبرز الدعم الرسمي لهذه الشعائر.

ولكن ما إن استلم العثمانيون مقاليد الحكم في العراق حتى أصدروا أوامرهم بمنع إقامة العزاء الحسيني، فاضطر الشيعة إلى إقامة مجالس العزاء في البيوت بصورة سرية، مما يُظهر التباين في التعامل مع هذه الشعائر بين الدول والمذاهب.

في عهد القاجاريين (إيران)

في الدولة القاجارية أيضاً، أولى الملوك اهتماماً بالغاً بالطقوس والشعائر الدينية. ومن بين الملوك، كان ناصر الدين شاه أكثرهم اهتماماً بها، وقد شاعت في عصره المآتم الحسينية، خاصة “التشابيه” (مسرحيات تمثيل واقعة كربلاء). يشير عبد الله المستوي إلى كثرة هذه المآتم، قائلاً: “كان يقام في مدينة طهران ما بين مائتين إلى ثلاثمائة مأتم، خلال العشرة الأولى من محرم، سواء المجالس التي يقيمها الأشراف أو عامة الناس. ومن الواضح أن هذا الأمر ما كان ليتحقق لولا مساعدة الحكومة.” هذا يُظهر عودة الدعم الرسمي والانتشار الواسع للشعائر في هذه الفترة.

مظاهر إحياء مناسبات شهر محرم عند الشيعة اليوم

تتنوع مظاهر إحياء محرم عند الشيعة اليوم وتُقام الشعائر المختلفة، التي تُجسد عمق الارتباط بالإمام الحسين وقضيته.

ارتداء الملابس السوداء ومجالس العزاء

  • السواد: يبدأ نشر السواد في اليوم الأول من محرم، حيث يرتدي الكثيرون الملابس السوداء تعبيراً عن الحزن والحداد.
  • المجالس الحسينية: تُقام مجالس العزاء في أغلب بيوت وحسينيات وقاعات الشيعة في العراق وخارجه. يجلس الخطيب الحسيني على المنبر ويُلقي التعزية على الحسين، ويتحدث بتفصيل عما جرى عليه وعلى أهل بيته من القتل والسبي، بهدف إبكاء الحضور.
  • الرادود الحسيني: يتم الاستماع إلى الأشعار المبكية التي يُنشدها شخص يُعرف باسم الرادود الحسيني.
  • اللطم على الصدر: تشهد تلك المجالس عادة اللطم على الصدر، تعبيراً عن الحزن والتفجع.

التشابيه والمواكب الحسينية

  • التشابيه: هي مسرحيات تُجسد ما وقع للحسين في كربلاء، وعادةً ما تُقام في أماكن مكشوفة للجمهور، وتُشكل وسيلةً لربط الأجيال الشابة بالحدث التاريخي.
  • المواكب: تُسيّر المواكب الحسينية لاستذكار تضحيات الإمام الحسين وأهل بيته، وتقدم هذه المواكب الخدمات المختلفة من مأكل ومشرب وما شابه للزوار والمشاركين.

عزاء بني عامر (ما بعد عاشوراء)

بعد يوم عاشوراء، يبدأ عزاء بني عامر القادم من البصرة إلى كربلاء، ويُعدّ من أكبر العزاءات العراقية في محرم. يتميز هذا العزاء بارتداء المشاركين زيًّا موحداً باللون الأبيض، ولا يأكلون من أي موكب آخر، ويُعدّ أكبر عزاء من حيث العدد والخدمات. يُخصص لهذا العزاء يومٌ خاصٌ لزيارة مرقدي الإمام الحسين والعباس.

خاتمة: شهرٌ بألفِ وجهٍ وقصةٍ

إن مناسبات شهر محرم تُعكس غنى وتنوع التراث الإسلامي، وتُظهر كيف يمكن ليوم واحد أن يحمل دلالاتٍ ومعانيَ مختلفةً تتشكل بفعل التاريخ والاعتقاد. فبين حزنٍ عميقٍ عند الشيعة على فاجعة كربلاء وتضحيات الإمام الحسين، وصيامٍ وشكرٍ عند أهل السنة على نجاة نبي الله موسى، يُظلّ هذا الشهر محفوراً في ذاكرة الأمة الإسلامية. إنه شهرٌ يدعو إلى التأمل في التضحية والوفاء، وإلى الصبر والاحتساب عند المصائب، وإلى تجديد العهد مع الله تعالى بالصيام والعبادة، مع الابتعاد عن كل ما يُحدث الفرقة والشقاق، والتمسك بالعدل والإحسان الذي أمر به الله ورسوله.

مواضيع ذات صلة:

دعاء الاستخارة للزواج دعاء شرب ماء زمزم 
دعاء السفر مكتوب كامل دعاء الاستخارة للخطوبة 
دعاء قضاء الحاجة ما افضل دعاء يوم عرفة 
دعاء الرزق والتوفيق أدعية العمرة دليل شامل للادعية
دعاء للوالدين المتوفيين يوم الجمعة دعاء للوالدين المتوفيين
أدعية مناسك العمرة دعاء التوبة الى الله من الذنب المتكرر
دعاء التوبة من الشهوات دعاء القلق والخوف 
استودعتك الله الذي لاتضيع ودائعهاللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعف عني
حسبي الله ونعم الوكيل اثرها وفائدتهااستغفر الله العظيم واتوب اليه 
دعاء العام الهجري الجديددعاء اول جمعة في السنة الهجرية
دعاء صلاة الحاجةدعاء لبس الثوب الجديد
دعاء شفاء المريض مكتوب قصيردعاء صفر إضاءات 
دعاء الدخول والخروج من المنزلدعاء المظلوم على الظالم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock