غدير خم تحليل شامل لمفهوم تاريخي وديني مثير للجدل

يشكل يوم غدير خم، أو ما يُعرف بيوم الولاية وعيد الغدير، في الثامن عشر من شهر ذي الحجة، نقطة محورية في النقاشات الدينية والتاريخية، لا سيما بين السنة والشيعة. هذا اليوم، الذي يتخذه الشيعة مناسبة للاحتفال، يثير العديد من التساؤلات حول أصوله، دلالاته، والاحتفالات المرتبطة به. في هذا المقال، سنقوم بتحليل معمق لـ غدير خم، مستعرضين آراء مختلفة، ودحض بعض المزاعم، مع التركيز على الجوانب التاريخية والدينية التي تحيط بهذا الحدث.

غدير خم المصطلح والموقع

لفهم جوهر النقاش حول غدير خم، لا بد من البدء بتعريف المصطلح ذاته وموقعه الجغرافي.
ما هو الغدير لغةً؟
في اللغة العربية، تشير مادة (غ د ر) إلى معنى “ترك الشيء”. ووفقًا لبعض التفسيرات، فإن المحتفلين بيوم الغدير يُقال إنهم “تركوا الدين والأخلاق والعهود والمواثيق والآداب والأعراف والعادات الحميدة”. أما مصطلح “الغدير” فيعني “مياه راكدة، قليلة العمق”. هذا التفسير اللغوي قد يُستخدم لدعم رؤى معينة حول دلالة هذا اليوم.

موقع غدير خم الجغرافي

يُنسب يوم الغدير إلى المكان الذي وقعت فيه الخطبة المزعومة، وهو موقع يُعرف بـ غدير خم. هذا الموقع يقع بالقرب من الجحفة، وهي منطقة تاريخية معروفة تقع بين مكة والمدينة المنورة. هذا القرب من الحرمين الشريفين يضفي على الموقع أهمية استراتيجية وتاريخية.

غدير خم بين السنة والشيعة: تباين الرؤى

تختلف النظرة إلى غدير خم بشكل جذري بين أهل السنة والجماعة والشيعة. هذه الاختلافات ليست مجرد تفاصيل بسيطة، بل هي محورية في تحديد العقائد والممارسات.

غدير خم عند الشيعة يوم الولاية والاحتفال

يتخذ الشيعة يوم غدير خم عيدًا لهم، ويسمونه “عيد الولاية”. يعتقدون أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قد أوصى بالخلافة والإمامة لعلي بن أبي طالب في هذا اليوم، وأن هذا التعيين كان بمثابة إكمال للدين وإتمام للنعمة. وبالتالي، يُعد هذا اليوم مناسبة عظيمة للاحتفال وإحياء ذكرى هذه “الولاية”.

غدير خم عند السنة البدعة والدحض

على النقيض، يرى أهل السنة والجماعة أن الاحتفال بيوم الغدير كعيد أو الإيمان بالوصية لعلي بن أبي طالب بالخلافة أمر لا أساس له في الشريعة الإسلامية. ويُعتبرون أن العديد من الممارسات المرتبطة بهذا اليوم من قبيل البدع والخرافات.
من بين هذه المزاعم التي يرى السنة أنها خرافات:

حكم عيد الغدير في الإسلام

وفقًا للرؤية السنية، فإن حكم الاحتفال بـ غدير خم كعيد هو حكم واضح:

مواضيغ ذات صلة: لماذا سميت ايام التشريق بهذا الاسم

لماذا الاحتفال بعيد الغدير؟ أسئلة حول الأصول

يثير الاحتفال بعيد الغدير تساؤلات حول أصوله التاريخية وهل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أو علي -رضي الله عنه- يحتفلان به.
يزعم الحوثيون أن يوم 18 من ذي الحجة هو يوم عيد غدير خم، ويخصصونه بعبادات واحتفالات، ويستحلون به أموال الناس ظلمًا. هنا، يطرح السؤال: هل احتفل النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا اليوم، وكذلك علي -رضي الله عنه-، أم لا؟

ماذا قال الرسول في غدير خم؟

تتجه الأنظار إلى ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غدير خم، والحديث المعروف في هذا السياق.
يؤكد أهل السنة أنه لا يوجد دليل في الكتاب أو السنة يدل على ولاية علي -رضي الله عنه- نصًا أو تلميحًا، أو أنه أحق بالخلافة بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم-. وغاية ما في الأحاديث ذكر فضائل لعلي بن أبي طالب، وهو أمر لا ينكره أهل السنة والجماعة، مثله مثل كثير من الصحابة الذين ذُكرت لهم فضائل وبُشر عدد منهم بالجنة.
حديث زيد بن أرقم في صحيح مسلم:
عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا فينا خطيبًا، بماء يُدعى “خمًا” بين مكة والمدينة. فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكَّر. ثم قال: “أما بعد، ألا أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب. وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به” فحث على كتاب الله ورغّب فيه. ثم قال: “وأهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي”. فقال له حصين: ومن أهل بيته؟ يا زيد! أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرِم الصدقة بعده. قال: وهم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حُرم الصدقة؟ قال: نعم. (رواه مسلم 2048)
هذا الحديث يُعد دليلاً على وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتمسك بكتاب الله وأهل بيته، ولكن لا يوجد فيه أي نص صريح على وصية بالخلافة لعلي.

حديث الغدير في كتب السنة: تحقيق في الصحة والدلالة

يتناول هذا القسم الزيادات التي وردت على حديث غدير خم في كتب السنة، ومدى صحتها ودلالتها.
الزيادات على الحديث خارج صحيح مسلم:

مواضيع قد تهمك : أسرار الحج ومقاصده

ما هي حقيقة قصة غدير خم؟ أسباب الحديث النبوي

يرى أهل السنة أن حديث غدير خم كان له أسباب وظروف معينة دفعت النبي -صلى الله عليه وسلم- لقوله، ولم يكن الهدف منه تعيين علي خليفة.

السببان الرئيسيان لحديث غدير خم

عيد الغدير عند السنة والشيعة: الممارسات والاختلافات

تعيش اليمن هذه الأيام معتركًا دينيًا مع قدوم يوم الثامن عشر من ذي الحجة، والذي يتخذه الشيعة عيدًا لهم. وقد أصدرت الحكومة الشرعية، عبر وزارة الأوقاف والإرشاد اليمنية، توجيهًا إلى خطباء المساجد ورواد المنابر بتفنيد الاحتفال بهذا اليوم، مع التأكيد على الدور التاريخي لليمنيين في نشر الإسلام ودحض الشبهات، ومنها يوم غدير خم.
على النقيض، يتخذ الحوثيون من يوم الغدير مناسبة دينية لترويج فكرهم وحشد مقاتليهم إلى الجبهات، مما يدل على استغلال المناسبة لأغراض سياسية وعسكرية.

يوم الغدير عند السنة: بدعة ومحدثة

عيد الغدير وأسباب تسميته

تذكر الروايات الإسلامية أن تسمية عيد الغدير تعود إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في غدير خم: “من كنت مولاه فعلي مولاه… اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله”. هذا الحديث، كما ذكرنا سابقًا، هو محل خلاف في صحته ودلالته.

عيد الغدير عند الشيعة : تقديس وعبادات

تُعلي كتب الشيعة من شأن يوم الغدير، وتنسب لعلي بن أبي طالب قوله: “إنَّ هذا يَوْمٌ عَظيمُ الشَّأْنِ، فيهِ وَقَعَ الْفَرَجُ، وَ رُفِعَتِ الدُّرَجُ وَ وُضِحَتِ الْحُجَجُ وَ هُوَ يَوْمُ الاْيضاحِ وَالاِْفْصاحِ مِنَ الْمَقامِ الصُّراحِ، وَ يَوْمُ كَمالِ الدّينِ وَ يَوْمُ الْعَهْدِ الْمَعْهُودِ…”.
كما جاء في كتاب “مصباح المجتهد” عن الإمام الصادق: “وَاللّهِ لَوْ عَرَفَ النّاسُ فَضْلَ هذَا الْيَوْمِ [يوم الغدير] بِحَقيقَتِهِ لَصافَحَتْهُمُ الْمَلائِكَةُ فِى كُلِّ يَوْمٍ عَشْرَ مَرّاتٍ… وَ مَا اَعْطَى اللّه ُ لِمَنْ عَرَفَهُ ما لايُحْصى بِعَدَدٍ”.
وفي كتاب “الإقبال” لابن طاووس قال أبو عبد اللّه -عليه السلام-: “اِذا كانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ زَفَّتْ اَرْبَعَةُ اَيّامٍ اِلَى اللّه ِ عز و جل كَما تَزِفُّ الْعَـرُوسُ اِلى خِـدْرِهـا: يَوْمَ الْفِطْرِ وَ يَوْمَ الاَْضْحى وَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَ يَـوْمَ غَـديرِ خُـمٍّ”.
هذه النصوص تُظهر مدى تقديس الشيعة ليوم غدير خم واعتباره يومًا ذا فضل عظيم، يُقارن بأعياد الفطر والأضحى ويوم الجمعة.

عيد الغدير في اليمن : تاريخ من الاحتفالات

تاريخيًا، تحول يوم غدير خم إلى عيد في اليمن، تهتم به الدولة الحاكمة وتحييه كل عام، وتُقام له طقوس معينة.
أورد الكاتب عرفات البهلولي ما يلي: “يوم الغدير أو يوم الولاية للإمام علي كرم الله وجهه مذكور في الكتب والمراجع الزيدية اليمنية وغيرها من المراجع الإسلامية، ولست هنا بصدد الحديث عن هذا اليوم وإنما بسرد تسجيل تاريخي متى تحول هذا اليوم إلى عيد في التاريخ اليمني تهتم به الدولة الحاكمة آنذاك وأصبحت تحييه كل عام وأصبح له طقوس معينة…”
وقال المؤرخ يحيى بن الحسين بن الإمام القاسم -رحمه الله- المتوفى في حدود 1100هـ في كتابه الذي حققه الأستاذ الحبشي وأطلق عليه عنوان “يوميات صنعاء في القرن الـ11 الهجري” ما نصه: “وفي هذه السنة [1073هـ/1663م]: ابتدأ أحمد بن الحسن بشعار يوم الغدير في يوم ثامن عشر يوم من ذي الحجة بنشر الأعلام والألوية والحزبة * والمتوكل اقتدى * به ففعله من بعد وهو بحبور لما وصل إليه أحمد بن الحسن كما سيأتي إن شاء الله” (صـ 119).
هذا يوضح أن الاحتفال بعيد الغدير في اليمن ليس ظاهرة حديثة، بل يعود إلى قرون مضت، ومرتبط بحكام معينين.

مظاهر الاحتفال بعيد الغدير

منذ أن أقيم أول عيد للغدير، تتشابه طقوس العيد في العموم. يمكن إيجازها في النقاط التالية:

خاتمة

يُعد غدير خم ظاهرة دينية وتاريخية معقدة، تختلف حولها الرؤى والمفاهيم بين المذاهب الإسلامية الرئيسية. فبينما يراه الشيعة يومًا عظيمًا لتعيين الإمام علي بالولاية والخلافة، ويحتفلون به بطقوس خاصة، ينظر إليه أهل السنة على أنه يوم حدث فيه موقف نبوي لفض النزاعات وتوضيح مكانة علي، ولكنه لا يحمل دلالة على الإمامة أو الخلافة، وأن الاحتفال به كعيد هو بدعة مستحدثة.
الخلاف حول غدير خم ليس مجرد خلاف تاريخي، بل هو يمس جوهر العقيدة والممارسة لدى كل من الطرفين. فهم هذا الخلاف يتطلب قراءة متأنية للأدلة من كلا الجانبين، والابتعاد عن التفسيرات المتطرفة، والسعي نحو الحوار المبني على العلم والاحترام المتبادل.

Exit mobile version