الدين والحياة

عيد الغدير في اليمن جدل تاريخي وطقوس دينية

يقام عيد الغدير في اليمن عند الشيعة في اليمن مع حلول الثامن عشر من شهر ذي الحجة، ومع إقامته تقام حالة من الجدل الديني والاجتماعي المحتدم حول “عيد الغدير”. فبينما يعتبره البعض مناسبة دينية عظيمة وذات أهمية قصوى في الفكر الشيعي، ويحتفلون به بشتى الطرق، ينظر إليه آخرون، لاسيما من المذهب السني، على أنه بدعة لا أساس لها في السنة النبوية، بل وتوجيه من وزارة الأوقاف والإرشاد اليمنية لخطباء المساجد بتفنيد الاحتفال به.

هذا التباين في المواقف ليس بجديد، بل هو انعكاس لخلافات تاريخية وعقائدية عميقة حول هذا اليوم ومغزاه. في هذا المقال، سنستعرض الجدل الدائر حول عيد الغدير، مستعرضين وجهات النظر المختلفة، وأصول الاحتفال به، ومظاهر الاحتفال به في اليمن، محاولين إلقاء الضوء على الأبعاد التاريخية والدينية والسياسية لهذه المناسبة.

مواضيع ذات صلة: غدير خم تحليل شامل لمفهوم تاريخي وديني مثير للجدل

عيد الغدير بين السنة والشيعة خلاف في التفسير والتاريخ

يكمن جوهر الخلاف حول عيد الغدير في تفسير حادثة “غدير خم” التي وقعت بعد حجة الوداع للرسول محمد صلى الله عليه وسلم. فقد روى المسلمون من مختلف المذاهب أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في الناس في منطقة تسمى “غدير خم”، ورفع يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه قائلاً: “من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله”.

الرؤية السنية: يوم ليس عيدًا

يرى أهل السنة والجماعة أن هذا الحديث صحيح ومتواتر، وأنه يدل على فضل علي بن أبي طالب ومحبته، وأنه يجب على المسلمين موالاته ومحبته. ومع ذلك، لا يعتبرون هذا اليوم عيدًا شرعيًا يحتفل به. فهم يرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالاحتفال بهذا اليوم أو اتخاذه عيدًا، وأن الأعياد في الإسلام محددة بيومين فقط: عيد الفطر وعيد الأضحى.
يؤكد الفقيه والمحدّث اليمني محمد بن إسماعيل العمراني، رحمه الله، هذا الموقف بقوله: “يوم الغدير أو ما يُسمى [عيد الغدير] هو عيد باسم الدين، ولا وجود له في كتب السنة، وإنما أحدثه أبو الحسن علي بن بويه بعد مضي أكثر من ثلاثة قرون من الهجرة”. ويضيف العمراني أن أول من أحدثه في اليمن هو سيف الإسلام أحمد بن الحسن بن القاسم في أيام خلافة عمه المتوكل إسماعيل بن القاسم، وأقره عمه على ذلك، معتبرًا إياه “بدعة”. هذه الرؤية تعكس قناعة أهل السنة بأن إضافة أعياد دينية لم يأت بها الشرع تعتبر ابتداعًا في الدين.

الرؤية الشيعية: يوم الإمامة والكمال

في المقابل، يرى الشيعة أن حديث الغدير ليس مجرد إظهار لفضل علي، بل هو نص واضح وصريح على تنصيبه إمامًا وخليفة للمسلمين من بعد الرسول صلى الله عليه وسلم. هم يعتبرون كلمة “مولى” في هذا السياق تعني “الأولى بالتصرف” أو “الولي المتصرف”، أي الوصي والإمام. لذلك، يحتفلون بهذا اليوم باعتباره “عيد الغدير” أو “عيد الولاية”، وهو عندهم من أعظم الأعياد الدينية.
تذكر كتب الشيعة أقوالًا لعلي بن أبي طالب نفسه في يوم الغدير، مثل قوله: “إن هذا يوم عظيم الشأن، فيه وقع الفرج، ورفعت الدرج، ووضحت الحجج، وهو يوم الإيضاح والإفصاح من المقام الصراح، ويوم كمال الدين ويوم العهد المعهود”. هذا النص يوضح الأهمية العظمى التي يوليها الشيعة لهذا اليوم، فهم يرون فيه إكمال الدين وتعيين الوصي على الأمة.
كما جاء في كتاب “مصباح المجتهد” عن الإمام الصادق قوله: “والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم [يوم الغدير] بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل يوم عشر مرات، ما أعطى الله لمن عرفه ما لا يحصى بعدد”. وفي كتاب “الإقبال” لابن طاووس، قال أبو عبدالله عليه السلام: “إذا كان يوم القيامة زفت أربعة أيام إلى الله عز وجل كما تزف العروس إلى خدرها: يوم الفطر ويوم الأضحى ويوم الجمعة ويوم غدير خم”. هذه الأقوال تؤكد على المكانة المقدسة لعيد الغدير في العقيدة الشيعية.

عيد الغدير في اليمن صراع عقائدي وسياسي

لليمن تاريخ طويل مع عيد الغدير، خاصة في المناطق التي ينتشر فيها المذهب الزيدي الشيعي. فكما ذكر المؤرخ يحيى بن الحسين بن الإمام القاسم في كتابه “يوميات صنعاء في القرن الحادي عشر الهجري”، الذي حققه الأستاذ الحبشي، أن أحمد بن الحسن (من أئمة الزيدية) “ابتدأ بشعار يوم الغدير في يوم الثامن عشر من ذي الحجة بنشر الأعلام والألوية والحزبة” في عام 1073هـ/1663م، واقتدى به عمه المتوكل، وكان مسرورًا بما وصل إليه أحمد بن الحسن. هذا يدل على أن الاحتفال بالغدير كان له وجود في اليمن منذ قرون، وأنه كان مرتبطًا بالجانب السياسي والديني للأئمة الزيديين.

في الوقت الراهن، يتخذ الحوثيون، الذين يتبنون الفكر الزيدي، من يوم الغدير مناسبة دينية محورية لترويج فكرهم وحشد مؤيديهم. هم يستغلون هذه المناسبة لتأكيد أحقيتهم في الحكم، مستندين إلى مفهوم الولاية الذي يعتبرونه امتدادًا لولاية علي بن أبي طالب. هذا الاستغلال السياسي للمناسبة يزيد من حدة الخلاف، حيث ترى الحكومة الشرعية وقطاع واسع من اليمنيين أن هذه الاحتفالات ليست مجرد ممارسة دينية، بل هي أداة لترسيخ نيار سياسي معين وتجنيد المقاتلين.

مظاهر الاحتفال بعيد الغدير في اليمن

تتشابه طقوس الاحتفال بعيد الغدير في اليمن، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مع الطقوس التي أقيمت منذ قرون. هذه المظاهر تعكس بعدًا احتفاليًا ودينيًا وسياسيًا في آن واحد. ويمكن إيجاز أبرز هذه الطقوس فيما يلي:

  • الإعلان عن مكان الاحتفال: يتم تحديد والإعلان عن مكان الاحتفال، والذي غالبًا ما يكون أحد القيعان الفسيحة حول صنعاء أو بالقرب من الهضاب أو الجبال، ليتسع للحشود الرسمية والشعبية المشاركة، مثل منطقتي نقم أو الجراف. اختيار الأماكن المفتوحة والواسعة يؤكد على الطابع الجماهيري والاحتفالي للمناسبة.
  • المسيرات الرسمية والشعبية: يخرج الجيش بكامل أبهته وعتاده من مقر الحكم، يتبعه الحاكم وحاشيته الرسمية. ويرافقهم الأهالي والحشود وهم يهتفون بالأناشيد والزوامل (أشعار شعبية يمنية). في العصور اللاحقة، أضيفت الموسيقى النحاسية إلى هذه المسيرات، ما يضفي عليها طابعًا احتفاليًا مهيبًا. هذه المسيرات تعكس السلطة الدينية والسياسية للقائمين بالاحتفال.
  • المنافسات والألعاب: تتضمن الاحتفالات بعض المنافسات والألعاب مثل سباقات واستعراضات الخيول، بالإضافة إلى رياضة الرمي (الرماية). هذه الأنشطة تضيف جانبًا ترفيهيًا واحتفاليًا للمناسبة، وتجذب الجماهير للمشاركة.
  • الخطب والمواعظ: تتجمع الحشود لسماع الخطبة، والتي غالبًا ما يلقيها خطيب الجامع الكبير. تتناول الخطبة المواعظ والإرشادات، وتذكير بـ مناقب أمير المؤمنين الإمام علي وفضله وسابقته وأحقيته بالخلافة والإمامة. هذا الجانب هو الأكثر أهمية من الناحية الدينية، حيث يعزز العقيدة الشيعية في الإمامة والولاية.
  • القصائد والنشيد: بعد الخطبة، تُلقى بعض القصائد والأناشيد على مسامع الحاكم والحشود. هذه القصائد غالبًا ما تمجد الإمام علي وتتناول فضائله ومكانته. بعد ذلك، ينفض الحشد ويعودون إلى مقر الحكم وهم يرددون الزوامل والأناشيد، مختتمين بذلك الاحتفال.

عيد الغدير في اليمن نقطة محورية في الصراع

يظل عيد الغدير في اليمن نقطة محورية في الصراع الديني والسياسي. فبينما يرى فيه جزء من اليمنيين مناسبة للاحتفاء بذكرى عظيمة وتجديد الولاء للإمام علي، يراه آخرون بدعة ومحاولة لترسيخ فكر مذهبي معين. تعكس التوجيهات الحكومية بتفنيد الاحتفال والممارسات الحوثية في ترويج المناسبة عمق هذا الانقسام. يبقى فهم هذا الجدل ضروريًا لفهم التركيبة الاجتماعية والدينية المعقدة في اليمن، وكيف يمكن أن تتحول المناسبات الدينية إلى ساحات للصراع والتباين في وجهات النظر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock