عيارة شمر : القاب تدل على الكرم والشهامة

من أبرز المسميات المتداولة بين القبائل الأخرى عن قبيلة شمر هو تعبير ” عيارة شمر “ أو “عويهرة شمر”. فما هو السر وراء هذا اللقب، وما الذي يعنيه بالنسبة لقبيلة شمّر؟
تعدّ قبيلة شمر من أعرق القبائل العربية وأكثرها انتشارًا، حيث تمتد جذورها العميقة في الجزيرة العربية، وتحديدًا في حائل بمنطقة نجد، وصولًا إلى العراق والشام والعديد من دول الخليج العربي. لم تقتصر شهرة شمّر على تاريخها الحافل بالبطولات والإنجازات فحسب، بل ارتبط اسمها أيضًا ببعض الألقاب والمسميات الفريدة التي تعكس جوانب من ثقافتها وكرمها الأصيل.
عيارة شمر : رمز للكرم
الإجابة المباشرة عن سؤال “وش عيارة شمر ؟” هي “الدجاج المحمر المشوي”. ربما يبدو هذا اللقب غريبًا للوهلة الأولى، لكنه يحمل في طياته دلالة عميقة على كرم هذه القبيلة وطبيعة ضيافتها. في الوقت الذي كانت فيه معظم القبائل العربية تفضل تقديم الشاة والإبل لضيوفها، اشتهرت قبيلة شمّر بتقديم الكبسة المحشوة بالدجاج المحمر التقليدي. لم تكن هذه الوجبة مجرد طعام، بل كانت رمزًا للكرم والحفاوة، حيث كان أفراد القبيلة يستقبلون بها ضيوفهم ويعربون عن تقديرهم لهم. هذا التفضيل اللافت للدجاج المحمر في الولائم هو ما أدى إلى إطلاق لقب ” عيارة شمر ” عليهم، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من هويتهم وعلامة مميزة لهم بين القبائل. تدخل في طبخ هذه الأكلة الشهية بعض البهارات الهندية المعروفة، مما يضيف إليها نكهة مميزة.
لا تقتصر عيارة شمر على فخذ دون غيره بل تنطبق على قبائل شمر : زوبع والأسلم وعبدة .
قبيلة شمّر: حلف قبلي عريق وأصول متجذرة
لا يمكن فهم قبيلة شمّر دون الإشارة إلى تكوينها التاريخي. لقد نشأت قبيلة شمّر من حلف قبلي هام يعود تاريخه إلى ما قبل خمسة قرون تقريبًا. يتألف هذا الحلف من خمسة مكونات وعناصر أساسية في الجزيرة العربية، وهي قبائل: زوبع والأسلم وعبدة، إضافة إلى المكون الأصلي لـ شمّر نفسها، وجميعها تنحدر من قبيلة طيء.
من الجدير بالذكر أن قبيلة طيء المذكورة في هذا الحلف تختلف تمامًا عن قبيلة طيء المتواجدة في العراق والشام. ففي حين كانت طيء الجزيرة العربية جزءًا من هذا الحلف، فإن قبيلة طيء العراق والشام ظلت قبيلة مستقلة لم تدخل في أي أحلاف، ولم تكن بينها وبين طيء الجزيرة العربية أي علاقة نسب مباشر، بل كان بينهما قرابة عامة.
لم تعرف شمّر كقبيلة مستقلة عن طيء إلا في القرن السابع الهجري. وقد جاء هذا الانفصال نتيجة لحادثة محورية قلبت الموازين في نجد؛ حيث نشبت حرب ضروس بين قبائل شمّر الثلاث (عبدة والأسلم وزوبع) وبين أمير يدعى بهيج بن ذبيان الزبيدي، الذي كان يسيطر على المنطقة وقبائلها وكانت عاصمته “عقدة”. استطاعت قبائل شمّر الإطاحة بالحاكم بهيج وطرده من ملكه، وتمت السيطرة على المنطقة وتقسيم الأملاك ومناطق النفوذ. ومع ذلك، فإن القوى المنتصرة لم تؤسس حكمًا حضريًا متكاملًا، بل بقيت المجموعات المنتصرة تحكم بشكل قبائل بدوية، حيث كان كل شيخ يحكم فرع عشيرته ولا يتعدى نفوذه حدود منطقته.
مواضيع ذات صلة:
شيخ شمر : قبيلة عريقة وشيوخ ذوو نفوذ
رمز قبيلة شمر : رمز العراقة وقوة النفوذ
دلالات أخرى لألقاب شمّر: “الطنايا” و”السناعيس”
لم تقتصر ألقاب شمر على ” عيارة شمر ” فحسب، بل اشتهروا أيضًا بلقب “الطنايا” و**”السناعيس”**، وهما نخوتان حربيتان تعبّران عن قوتهم وشجاعتهم:
- الطنايا: يعني هذا اللقب “الزعلانين بغضب”، ويُقال إنهم يعرفون بـ “طاقينه حويزيه” أي متلثمين بشمغهم استعدادًا للقتال. وقد لقبت شمر بهذا اللقب خلال “كون الشريف” على ديارهم، وهو لقب عام لجميع أبناء القبيلة. يُقال “فلان طنا” أي طنّت برأسه فصمم على أخذ حقه مهما كلف الأمر، ويُستخدم هذا التعبير أيضًا لإرهاب الأعداء.
- السناعيس: هي من صيحات الحرب ونخوة خاصة بعبدة سابقًا، ولكنها أصبحت اليوم نخوة عامة لجميع أبناء قبيلة شمّر. تنقسم الكلمة إلى قسمين: “سنا” وتعني الرمح، و**”عيس”** وتعني الإبل. وهناك عدة أقوال حول سبب تسمية السناعيس:
- جبل في جنوب المملكة، وتحديدًا في وادي تثليث، جرت عنده معركة وانتصرت فيها قبيلة شمّر.
- مأخوذة من سوق الإبل بإلحاح وشدة، وتعني الرجل الشديد.
- معنى مركب: السنا هو الرمح، والعيس هي الإبل، مما يدل على خفة وسرعة الحركة والتنقل في المعارك.
- السنا هو أعلى العشب الأخضر، والعيس هي الإبل. عند غزو قبيلة لهم، نهض رجال شمّر للدفاع عن مكانهم وإبلهم وانتصروا، فسموا سناعيس.
- “سنا” مورد ماء في الجنوب، و”عيس” الإبل. عندما غزت إحدى القبائل هذا المورد لأجل الإبل، انتصر رجال شمّر عليهم، فسموا سناعيس.
- “سنا” جبل و”عيس” اسم رجل من عبدة. وعندما سئلوا أين ذاهبون، قالوا “يم سناعيس” أي جبل عيس، لأنه كان يسكن هناك، حتى صارت له جماعة وهم عبدة، وأصبحت “السناعيس” نخوتهم.
- “سنا” الرمح و”عيس” الإبل، وكلاهما دخل في الحرب، فأطلق عليهم “سناعيس” لتشجيعهم، بمعنى “عندكم الرماح والإبل، لا شيء يوقفكم، أنتم أهل القوة”.
وقد انتشرت نخوة “السناعيس” لتصبح نخوة لكل شمري.
مساكن وفروع قبيلة شمّر
تتركز أصول قبيلة شمّر في حائل، ولكنها اليوم تنتشر في العديد من الدول العربية. تتواجد فروعها في:
- الكويت
- العراق
- سوريا
- الأردن
- سلطنة عمان
- قطر
- الإمارات العربية المتحدة
تقسم شمّر إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي:
- عبدة: وتشمل بطون الجعفر، الربيعية، اليحيى، والدغيرات.
- الأسلم: وتنقسم إلى آل عيسى بن أجود (جذيل، قدير، وهب، زيد، بقار، بدر، حسان، سراي، عيادة، طوالة، مسعود، كامل، فايد، وصالح)، والقسم الثاني هم الصلتة (غرير، مناصير، معاضيد، هيرار، نفقان، وكتفاء).
- زوبع: وتنقسم إلى ثلاث عوائل كبيرة هي حيوات، قتادة، وفداغة.
شمّر في الأردن
تتواجد شمّر في الأردن وتتفرع منها عدة عوائل مهمة، منها:
- عائلة الحجايا: يعود نسبهم إلى قبيلة عبدة من شمّر، ويسكنون في الأحساء وجنوب العاصمة عمان.
- عائلة العدوان: يرجعون إلى قبيلة ضنى وهب من الأسلم من شمّر، وقد خرج الأخوان فايز ورسيم من حائل قديمًا، واستقر الأول فايز عند قبيلة الفضول (أبناء عمومة شمّر) وتزوج منهم وأنجب عدوان الذي أصبح أبًا لعشيرة العدوان. تسكن عائلة العدوان في البلقاء وما حولها وفي الشونة الجنوبية.
- العربيات: من عشائر البلقاء، ويعود نسبهم إلى الربيعية من عبدة شمّر.
- السبيلة: من عشائر البادية، يسكنون الموقر والقرى التابعة لعمان، ويعود نسبهم إلى اليحيا من قبيلة عبدة من شمّر.
- السرحان: من عشائر البادية، يسكنون المفرق وما حولها، ويعود نسبها إلى الربيعة من عبدة من شمّر.
- اللوزيين: من عشائر البادية والبلقاء، يعود نسبهم إلى قبيلة الفداغة من سنجارة من شمّر.
- الغنيمات: من عشائر البادية ومن سكان البلقاء، يرجعون في نسبهم إلى الفداغة من شمّر.
- عشيرة أبو رمان: تسكن مدينة السلط، ويعود نسبها إلى الفداغة من سنجارة الشمرية.
- عشاير القظاة: من بني صخر، يرجعون في نسبهم إلى قبيلة الشلقان من الزميل من سنجارة من شمّر.
مواضيع ذات صلة:
شجرة شمر سنجارة : تفرعات عريقة وبطون راسخة في تاريخ القبيلة
فخوذ قبيلة شمر: النشأة التاريخية والامتداد الجغرافي
شمّر في السعودية
تعد شمّر من أكبر القبائل في السعودية، وتمتد جذورها وفروعها إلى عوائل عديدة تنتشر في السعودية وبلاد الشام والعراق. من أشهر عوائل قبيلة شمّر في السعودية:
- عائلة بن ناصر (بريدة، الجواء، القوراة).
- عائلة أحدم (سكاكا).
- عائلة البادي (عنيزة).
- عائلة البحر (الزلفي).
- عائلة بشر (حائل).
- عائلة بطي (الزلفي).
- عائلة الجاسر (حائل).
- عائلة الجدوعي (السويفلة).
- عائلة جحبش (سكاكا).
- عائلة سلمان (دومة).
- عائلة حزاب (لبدة).
الاعتزاز بالقبيلة والقيم الأصيلة
يعتز أبناء قبيلة شمّر بنسبهم وقبيلتهم، ويذكرون باستمرار بطولات رجالها وإنجازاتهم، سواء كانوا يحملون جنسيات بلدان مختلفة. هذا الاعتزاز يمتد إلى الأجيال الحديثة، التي تستلهم من تاريخ أجدادها قيم الكرم والنخوة والشجاعة والأخلاق النبيلة.
تبرز قصة الشيخ ضاري المحمود الزوبعي الشمري، وهو عراقي الجنسية وقبيلته تقيم غربي العاصمة بغداد، مثالًا على هذه البطولات. كان الشيخ ضاري من أبرز قادة ثورة العشرين ضد الإنجليز في عام 1920، حيث قتل القائد الإنجليزي الكولونيل ليتشمان، وتزعم قبيلته لمقاتلة الإنجليز، فكان لهم دور مهم في طرد الاحتلال الإنجليزي.
وفي ختام، بحثنا عن عيارة شمر يظل الاعتزاز بالنسب والقبيلة جزءًا لا يتجزأ من الثقافة العربية الأصيلة. وكما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: 13)، فإن القيمة الحقيقية تكمن في التقوى والأخلاق الحميدة.