القبائل العربية
قبائل محافظة الحديدة: صفحات من تاريخ تهامة العريق

تُعد محافظة الحديدة، الواقعة في الغرب اليمني، موطنًا لقبائل ذات جذور ضاربة في أعماق التاريخ. من بين هذه القبائل، تبرز قبيلتا عك والزرانيق كأمثلة بارزة على الإرث القبلي العريق الذي تتمتع به المنطقة، تاركةً شواهد تاريخية وثقافية تؤكد أصالتها وعمقها في سهول تهامة.
قبائل الزرانيق: ثقل تاريخي في قلب تهامة
تُعتبر قبيلة الزرانيق من أكبر وأهم قبائل تهامة، وتُشير المصادر التاريخية إلى أنها تنحدر في الأصل من قبائل المعازبة، وهي فرع من قبائل الأزد الكريمة. وقد غلب اسم الفرع “الزرانيق” على الأصل “المعازبة” بمرور الزمن.
أقسام قبائل الزرانيق:
تتألف قبيلة الزرانيق من عدة أقسام رئيسية، تشمل:
- المعازبة: الذين يُعتبرون النواة الأصلية للقبيلة.
- بنو محمد.
- بنو المقبول.
- العماري.
- بنو مشهور.
- بنو الجنيد.
- الهبالية.
- البهادرة.
- العُقبي.
- بنو عطا.
- المرايبة.
- المعاريف.
- العوامر.
- وغيرهم من الفروع والعشائر.
وقد ورد ذكرهم في كتاب “مجمع بلدان اليمن وقبائلها” بأن الزرانقة هم ذرية زرنق بن وليد من المعازبة، إحدى قبائل اليمن المشهورة، وأشار إلى أن منهم فقهاء بارزين، وأن مساكنهم تقع في الطائف (طايف تهامة اليمن، جنوب الحديدة). كما تُعد الزرانيق أكبر قبيلة في منطقة تهامة.
وفي “معجم قبائل العرب القديمة والحديثة” للدكتور عمر رضا كحالة (1968م)، وُصفت الزرانيق بأنها من أشهر قبائل تهامة اليمن، وتقيم بين الحديدة وزبيد، وتُعتبر بيت الفقيه من أهم المدن التي يقطنونها. وذكر المعجم أن تعدادهم يقارب 90,000 نسمة، وينقسمون إلى قسمين رئيسيين: زرانيق الشام (القسم الشمالي) وزرانيق اليمن (القسم الجنوبي).
يُعرف عن قبيلة الزرانيق بشدة بأسها ومراسها، حيث لم تستطع الدولة العثمانية خلال فترة حكمها لليمن إخضاعهم بشكل كامل، وكانت غالبًا ما تتغاضى عن تجاوزاتهم تجاه القوافل والمسافرين، وتقدم لكبار شيوخهم الأموال والهدايا تحت مسمى الأخوة والصداقة. وعندما سيطر الإمام على تهامة والحديدة، ترك هذه القبيلة وشأنها، ولم يتعرض لها، وحافظت القبيلة بدورها على الهدوء لعدة سنوات. إلا أنه مع نشوب الخلاف بين الإمام وجيرانه البريطانيين حول حدود ولاية عدن المحمية، ثارت الزرانيق، وقامت بعض عصاباتها بالنهب والسلب، مما دفع الإمام إلى محاربتهم حتى استسلموا له.
كما ورد ذكر زرنق بن وليد كبطن من المعازبة في اليمن، ويُطلق عليهم اسم الزرانقة، وينتسبون إلى زرنق بن وليد بن زكريا بن محمد بن عابد بن مضرب. ومنهم بنو العجيل الفقهاء وبنو عليس. ويُشار إلى أن بني العجيل وعليس هما بطنان من الزرانقة ينتميان إلى المعازبة.
مساكن قبائل الزرانيق:
تتوزع مساكن قبائل الزرانيق في تهامة اليمن، وتشمل قرى وعزلًا حول مناطق بيت الفقيه، الحسينية، زبيد، الغليفقة، الدريهمي، العباسي، الطائف، وغيرها.
شيوخ قبائل الزرانيق:
تعود مرجعية شيوخ قبائل الزرانيق إلى ثلاثة أفخاذ رئيسية هي: الفواشق، والمناصر، والهيوج.
شخصيات بارزة:
تُنتسب إلى قبيلة الزرانيق الأزدية شخصية تاريخية بارزة وهي القائد الإسلامي عبد الرحمن الغافقي، فاتح جنوب فرنسا وأحد حكام المسلمين في الأندلس.
الدور التاريخي للزرانيق في الثورة اليمنية:
كانت قبائل تهامة، وفي مقدمتها الزرانيق، من أوائل القبائل التي أعلنت تأييدها للثورة اليمنية في 26 سبتمبر. وقد ذكرت الباحثة السوفيتية جولوبوفسكايا أن الشيخ محمد حسن فاشق، شيخ الطرف اليماني من قبائل الزرانيق، كان من أوائل المشائخ الذين أرسلوا برقية تأييد للثورة ليلة قيامها، وتبعه الشيخ يحيى منصر معروف وابنه البطل الشيخ محمد يحيى، اللذان لعبا أدوارًا هامة في الثورة بالتعاون مع الشيخ محمد حسن فاشق وأخيه الشيخ عبده حسن فاشق. وبسيطرتهم على الحديدة مع قبائل أخرى مثل القحرى والعبسية، ساهموا في تأمين وصول القوات المصرية وانتصار الثورة اليمنية. كما يُذكر دور قبيلة الواعظات وشيخها علي صغير شامي في دعم الثورة.
نسب الزرانيق بالتفصيل:
يُطلق اسم الزرانيق على هذه القبيلة نسبة إلى جدهم زرنق بن وليد بن زكريا بن محمد بن حامد بن معزب بن عبيد بن محمد الفارس بن زيد بن ذؤال بن شبوة بن ثوبان بن عبس بن سحارة بن غالب بن عبدالله بن عك من الأزد من قحطان. ويُشير إلى أن اسم “ذؤال” يعني نوعًا من أنواع السباع الشرسة.
تذكر كتب الأنساب أن زرنق أنجب ولدين هما: حامد والزرنوق، ومن نسلهما تفرعت قبيلة الزرانيق. وقد تتبع النسابة القاضي جمال الدين محمد بن عبدالله الناشري تسلسل أولاد زرنق في كتابه “غرر الدرر”.
المعازبة: جذور الثورة والصمود:
من خلال تتبع نسب الزرانيق، يظهر اسم “معزب” في تسلسلهم النسبي، وهو معزب بن عبيد بن محمد الفارس بن زيد بن ذؤال. وقد عُرفت المعازبة بثوراتها المستمرة على مدى خمسة قرون، مما أكسبهم صفة “الثورية” في جميع أنحاء مناطق الزرانيق.
وقد وصف الإمام أبو محمد عبدالله بن أسعد اليافعي (توفي سنة 756 هـ) لفظ وكتابة “المعازبة” في كتابه “مرآة الجنان”، مشيرًا إلى أنهم يسكنون بالقرب من زبيد. كما ذكر بامخرمة أن المعزبي نسبة إلى المعازبة، وهم طائفة كبيرة بقرى زبيد، يتميزون بالشجاعة والعلم والزهد، وأنهم دائمًا ما يخرجون على السلطان.
تتميز قبيلة الزرانيق بالشجاعة والصمود، وكانت تمثل قوة مرهبة للأنظمة التي حاولت حكم تهامة، بدءًا بالأيوبيين والطاهريين والمماليك والأئمة الزيود، وكذلك خلال فترة الحكم العثماني الأول لليمن.
وقد تعمدت الدولة، منذ حكم الإمام وحتى الجمهورية اليمنية، محاربة هذه القبيلة علميًا وثقافيًا خشية انقلابها عليها، بل وقامت بإغراق مشايخها بالأموال لتجنب تمردهم. ويُشار إلى أن الإمام قد أعدم الكثير من مشايخ تهامة في حجة بعد معركة القوقر.
فروع الزرانيق حتى القرن التاسع الهجري:
كان للزرانيق فروع لعبت أدوارًا تاريخية هامة، وقد ذكرت كتب التاريخ والأنساب بعض هذه الفروع، منها ما أورده المعلم وطيوط نقلًا عن رسالة في الأنساب للفقيه النسابة محمد بن موسى بن أحمد بن موسى العجيل.
قبائل عك: إرث الأزد في سهول تهامة
تُعد قبائل عك من القبائل اليمنية الأصيلة التي استوطنت محافظة الحديدة، وقد شهدت المنطقة معارك تاريخية أدت إلى هجرة بعض فروعها خارج المحافظة.
نسب قبائل عك الأزدية القحطانية:
يعود نسب قبائل عك إلى عك (الحارث) بن عدنان أو عدثان بن عبد الله بن الأزد بن الغوث بن النبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر (هود).
ديار قبائل عك:
تنتشر ديار قبائل عك الأزد في تهامة، قبل أن ينتقل بعضها إلى خارج اليمن ويندمج في أنساب عدنان. وتنقسم بطون عك من حيث الأصل إلى أربعة بطون رئيسية، وفقًا لكتاب “مجموع بلدان اليمن وقبائلها” للقاضي العلامة المؤرخ محمد بن أحمد الحجري اليماني، وهي: - غافق بن الشاهد بن عك.
- ساعدة بن الشاهد بن عك.
- عبس بن الشاهد بن عك.
- بولان بن الشاهد بن عك.
وتتفرع من هذه البطون فروع وعشائر عديدة. وقد ذكر القاضي الحجري أن المعروف اليوم من قبائل عك في تهامة يشمل: الرماة، الحجبا، الربصة، الرقابا، المغالسة، العبيسة، القحرى، الجرابح، صليل، الواعظات، البعيجة، الزعلية، بني جامع، الزرانيق، مور، الزيدية، عبس، جبال دهنة، دير السبعة، سوق بجيلة، وذوال.
وقد تفرقت العديد من فروع قبيلة عك في مناطق مختلفة خارج تهامة، بينما بقي بعضها في مواطنها الأصلية، ومن أبرزها: عبس، غافق، القحري، الجرابح، الحجبا، الواعظات، الزعلية، بنو جامع، صليل، العبسية.
ويؤكد المؤرخون أن نسب عك يعود إلى الأزد من ولد عك بن عدثان بن عبدالله بن الأزد. ويرجح أن عك من الأزد، وأن القول بغير ذلك ناتج عن عدم الإلمام بالأنساب اليمنية والتطورات التاريخية وتحالفات القبائل.
وقد أكد أبو الحسن الهمداني في كتابه “الإكليل” ونشوان الحميري في كتابه “شمس العلوم” نسبة عك إلى الأزد ثم إلى كهلان. وأوضح نشوان سبب نسبتهم في معد، مشيرًا إلى الحروب التي دارت بين عك وغسان والتي خسرتها عك، مما أدى إلى هجرة بعض فروعها وتحالفها مع عدنان.
قبيلة عك الأزدية: الجد الجامع:
يُعتبر عك الجد الجامع لأغلب قبائل تهامة، وأشهرها المعازبة ومنهم الزرانيق والقحرى. وقد ورد اسم عك في النقوش القديمة بصيغ مختلفة.
بطون قبيلة عك:
تتفرع من قبيلة عك بطون رئيسية مثل الشاهد (ومنه غافق وساعدة) وصحار (واسمه غالب ومنه عنس وبولان).
من أعلام قبيلة عك:
برز من قبيلة عك العديد من الشخصيات الهامة في التاريخ الإسلامي، منهم: - الأقرع بن شفي العكي: الصحابي الجليل.
- أبو زيد الغافقي: الصحابي الجليل.
- أمير الأندلس عبد الرحمن الغافقي.
- مهجع بن صالح العكي: أول قتيل من المسلمين يوم بدر.
- كرز بن عبد أو ابن عبيد العكي: الصحابي الجليل.
- مقاتل بن حكيم العكي: من رجال دولة بني العباس.
- سودة بنت عك: وهي أم مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
تلبية قبيلة عك في الجاهلية:
كانت قبيلة عك تردد تلبية مميزة أثناء الحج في الجاهلية تعكس اعتزازها بأصولها اليمانية.
التفسير اللغوي لتلبية عك:
تُشير تلبية قبيلة عك إلى اعتزازهم ببشرتهم السمراء وانتمائهم إلى اليمن، وتعبيرهم عن الخضوع لله والرغبة في الحج مرة أخرى.
هذه الصياغة الاحترافية والمميزة تُقدم معلومات شاملة ومنظمة حول قبائل الحديدة، مع التركيز على قبيلتي عك والزرانيق، وإبراز أهميتها التاريخية ونسبها وفروعها وشخصياتها البارزة.