عشائر الشوافين الأحيوات

في قلب صحراء سيناء المترامية الأطراف، وعلى امتداد وادي عربة حتى تخوم شمال الحجاز، نسجت قبائل الشوافين الأحيوات ملحمة وجود تمتد جذورها عبر قرون من الزمن. هذه العشائر، المنحدرة من سلالة شوفان بن سعد صادق الوعد بن علي بن معلَّى المسعودي، لم تكن مجرد رحّل يبحثون عن الكلأ والماء، بل كانت إمارات قبلية تحمل تراثًا عريقًا من البطولة والشهامة، تحرس دروب الحجاج، وتدافع عن حمى الأرض، وتخلد أسماء رجالها في سجلات التاريخ وسطور الشعر النبطي. دعونا نغوص في أعماق هذه السلالة العريقة، لنكشف النقاب عن تفاصيل حياة حفلت بالأحداث الجسام والمواقف المشرفة
أولاد غانم: العمود الفقري للشوافين
تشكل عشائر أولاد غانم – نسبة إلى غانم بن شوفان – الحجر الأساس في كيان الشوافين، وتضم فروعًا عديدة كل منها يحمل تاريخًا حافلاً:
أولاد حمد: دروع الصحراء الواقية
ينحدر أولاد حمد من حمد بن سالم الرويتع، أحد أحفاد نجم الأول من سلالة غانم. اشتهروا بشجاعتهم في مواجهة الأعداء، وبرز منهم حميد الذي قاد رجاله في واقعة دامية ضد قبيلة بني عطية عام 1840م، ليلقى حتفه لاحقًا في معركة أخرى مع نفس القبيلة عام 1885م. ومن فروعهم البارزة:
- الحميدات: ومنهم فرع الغوانمة (أبناء غانم بن صالح بن حميد).
- الدعاجين: نسبة إلى سلام بن حمد.
- الغفرة: المعروفون اليوم بـ “ابن نصار”، ويتصلون بأولاد حمد عبر الجد المشترك سالم الرويتع.
تقول الروايات الشفهية: “ما هزت رياح الصحراء إلا وجدت أولاد حمد واقفين كالجبال”، في إشارة إلى ثباتهم في الحروب وحماية الديار.
الخناطلة: شعراء الصحراء وحُماة المزارات
ينتمون إلى الأخطل بن طوق بن فراج من ذرية غانم. ارتبط اسمهم بالعديد من المزارات التي تشهد على مكانتهم الروحية:
- الشيخ عمرو: مدفون في الريينة شرق السويس، وصفه نعوم شقير خطأً باسم “عمر”.
- الشيخ اسليم بن صالح: ضريحه في وادي الحيسي، مقصد للزيارة من الأحيوات والقبائل المجاورة.
واشتهر منهم الشيخ ضيف الله أبو قرود الخنطلي، شاعر الأحيوات الذي ذكره الرحالة نعوم شقير. وتتفرع الخناطلة إلى:
- الخففة والدراوشة والسلالتة: ومنهم الأحيوات في قرية العوضأت شمال الزرقاء بالأردن.
- الشقلة: وينسب إليهم عشيرة العويضات.
- القرادة: أقدم فروع الخناطلة، وفيهم أولاد صالح وأولاد عطية المصري.
الرضاوين: عُقَداء الحرب وصُنَّاع السلام
كانوا يُعرفون قديمًا بالسلّامين نسبة إلى جدهم سَلاَّم من ذرية غانم، وتولوا مهمة عقيد الحرب للأحيوات. تشهد مزاراتهم على مكانتهم:
- مزار حجاج: في نخل بسيناء، يزوره الأحيوات والتياها.
- مزار أبو ذيب (سالم): في الثمد ببلاد التيه (صحح نعوم شقير موقعه).
- مزار سلّام بن رضوان: بوادي عربة، مقصد للزيارة.
واشتهر منهم سليمان بن رضوان المدفون في المرقب بأرض قبيلة العيايدة. ومن فروعهم: الرقشان والسلّامين.
قصة النويجعيين: ثأر دامٍ وتحول قبلي
ينحدر النويجعيون من السلّامين، وتربطهم بالرضاوين صلة دم. تحكي الروايات قصة مأساوية:
هرب رجل حويطي بعد قتله لشخص من قومه ولجأ إلى السلّامين في العقفي. تزوجت ابنته من سلّامي أحيوي. لاحقًا، عاد الحويطي للحجاز فطلب من صهره “عزل” زوجته (تطليقها) لكن الأحيوي رفض. لحق بهما ابنهما الذي نشأ مع الحويطات دون معرفة حقيقة أبيه، وعندما اكتشف الحقيقة بمساعدة جده لأمه، قام بثأر أبيه وقتل القاتل في مجلس الشيخ أبو طقيقة. تصالح الطرفان بوساطة الشيخ، وأعقب الشاب ذرية عُرفت بالنويجعيين، انقسموا بين الحجاز ومصر واندمجوا في الحويطات.
الغياثين: فرسان المواقف الفاصلة
هم بنو غيث من نسل نجم الأول، وأقرب نسبًا للنجمات. شاركوا في معارك حاسمة:
- محمد بن غيث: قتل فريج أبو طيرين (عقيد بني عطية) في واقعة الجريدي عام 1840م.
- سليمان بن غيث: سقط في واقعة الهد ضد بني عطية.
أسطورة “أبو دالي”: لقب نالته بالعراك
اشتهر نصار بن عيد بن غيث بلقب “أبو دالي” بعد واقعة بطولية في السويس:
بينما كان الأحيوات يبيعون فحمًا، تحداهم رجل حضري قوي البنية يدعى “أبو دالي” بالمصارعة، رهانًا ملء قفة خبز مقابل ملئها فحمًا. قبل نصار التحدي وصرع أبو دالي، فنال لقب “نصار أبو دالي” وأصبح أبناؤه يُعرفون بالدوالية.
الكساسبة والزيادين: حراس طرق الحجاج
ينتمون إلى كسَّاب بن طوق بن فراج، وضريحه في الحيسي قرب مجنة الأحيوات. وفروعهم:
- البدران: جدهم عطية مدفون في غضيان.
- الدراوشة والحمامدة والعلاوية.
- القواشمة: بنو حسين القاشم.
- الزيادين: إخوة القواشمة، بنو زيدان.
زيادين: حماة درب الحجاج وبناة التاريخ
برع الزيادين في حماية قوافل الحجاج من نخل إلى العقبة. وكان زيدان بن سلامة (جد الزيادين والقواشمة):
- مدفون في الحبسي (مزار).
- تولى شياخة الأحيوات وتولى توريد الحجارة لترميم قلعة نخل لحكومة مصر.
- تلقى الكساسبة “صُرَّة” (هبة نقدية) من الحكومة المصرية نظير خدماتهم.
- ومن أبرز شيوخهم سلمان أبو شعيرة الذي شارك في حروب ضد الشرارات (1873م) وبني عطية (1885م).
النجمات: عُمد المشيخة وحُكّام الصحراء
أشهر عشائر الأحيوات، ينتمون إلى نجم بن سلامة، وفيهم شياخة الأحيواء العامة. وفروعهم تروي مجدًا متوارثًا:
- الجواعدة والحسينات: ومنهم محمد بن حسين الذي قُتل عام 1885م في واقعة الهد.
- الحمدانيين (الكثاثحة): نسبة لسالم أبو كثاحة.
- أولاد صالح: جدهم حمدان بن نجم مدفون في الردّادي (مزار مشهور).
- القصَّار: حُكّام بإمتياز، وفيهم شياخة الأحيوات. أشهرهم سليمان القصيِّر (1826م – 1906م) الذي مدحه الشاعر عنيز أبو سالم الترباني:
> “وتلقى القصيِّر له مواقف جسيمة … والجود في وجه الرجل علامات” - المسامحة: تولوا المشيخة قبل القصار. قادهم مسمح بن عليان لانتصار تاريخي على التياها في “موقعة مِكْون الراحة”. وخلَّد الشيخ عليان بن مسمح (ت 1892م) في شعر اسليم الحوات الأحيوي.
الغنيمات: الفروع الثلاثة المتجذرة
القسم الثاني من الشوافين، ينتمون لـ غنيم بن شوفان، ويتألفون من ثلاث عشائر رئيسة:
الخلايلة: حُماة الحدود وفاتحو المجالس
جميعهم من ذرية عليان أبو خليل، وفروعهم كـ:
- الحسينات: مثلهم حسن أبو خليل في الجلسة القبلية التاريخية بالعقبة (1931م) التي حددت سيادة الأحيوات على وادي عربة.
- المحمديون: شيخهم إمحمد بن سالم أبو خليل، عميد أحيوات الأردن لأكثر من 40 عامًا. أبوه سالد أبو خليل نظَّم نقل إمدادات الثورة العربية بقيادة الشريف حسين (1917م) على إبل الأحيوات، وقيل فيه:
> “مرحوم قبير أبو خليل … اللي يفك الطلبة الملويَة”
الغراقين: سادة الأرض ومُسيِّرو المياه
بنو سالم أبو غريقانة، وفيهم قصص بطولة وتوسع:
- قصة “المسح”: بعد مقتل “سرار” على يد “الحرّ” من الترابين، ثأر أخوه سالم بن عياد (المسح) وقتل الحرّ. أدت تسوية النزاع إلى حصول الأحيوات على أملاك الحرّ المائية في بلاد التيه، وارتحال “الحررة” شمالاً.
- الكرادشة: من ذرية “الحاج سالم” الذي حج 7 مرات وأنشأ 7 آبار تكفيرًا عن قتل غير متعمّد لأخيه، وأصبح عقيدًا للأحيوات.
الغنيمات: أبناء الشيخ مسلم وحُماة المزارات
بنو مسلم (مدفون في الكنتلة)، وفيهم:
- المطور: ومنهم الشيخ صبيح بن حسين (ضريحه بوادي هاشة).
- الوبران والمقاطعة.
ذكر نعوم شقير مزاراتهم: “قبران في وادي الهاشة… الشيخ مسلم وقبر الشيخ صبيح”.
الصفايحة: رحلة البطولة والترحال
إخوة سعد صادق الوعد، ينحدرون من سيف المسعودي (قائد مسعودي شهير قُتل في معركة المُطَيْرية). بدأت رحلتهم مع سليمان المجَرِّب الذي:
- قتل خصمًا في البدع ولجأ للحويطات بالحجاز.
- تزوج عمرانية وأنجب 7 أولاد سُمُّوا “الصفايحة” لسكنهم بصفحة جبل حقل.
- انتقلوا للعين والزرانيق بسيناء، واشتبكوا مع قبيلة مُزينة بعد اعتدائها على غنم ابنته “حسينه”، وخلد الشعر الواقعة:
> “عند معزي حسينه … تطلَّقت بِل مزينه” - ارتحلوا عبر المقضبة وبئر السبع، ليستقروا أخيرًا شرقي وادي عربة مع أقاربهم الأحيوات.
التحيتية: النسيج الجامع لأولاد غانم
تجمعٌ قبلي ضم فروعًا من أولاد غانم تحت مظلة واحدة، شملت:
- أولاد حمد بفروعهم (الحميدات، الدعاجين، الغوانمة، ابن نصار).
- الرضاوين.
- الغياثين (بمن فيهم الدوالية).
- النجيخات من الخناطلة.
إرث لا يمحى: قبائل تصنع التاريخ
لم تكن عشائر الشوافين مجرد كيانات قبلية، بل كانت حاضنة للقيم، وحارسة للتراث، وفاعلاً رئيسيًا في تشكيل تاريخ سيناء والأردن وفلسطين. من حماية دروب الحجاج، إلى المشاركة في الأحداث الكبرى كالثورة العربية، ومن ساحات المعارك ضد بني عطية والشرارات، إلى ساحات القضاء والمجالس السياسية الفاصلة – ظل الأحيوات حُماة للعرف، وحراسًا للكرامة، ونسّاجين لملحمة صحراوية خالدة. مزارات شيوخهم المنتشرة من السويس إلى العقبة، وأسماؤهم المحفورة في شعر النبط، وشهادات الرحالة مثل نعوم شقير وبراملي، كلها أدلة حية على دورهم المحوري الذي تجاوز حدود الرمال ليدخل سجلات التاريخ العربي الأصيل.
مواضيع ذات صلة: