جازم محمد الحروي

كتب: توفيق السامعي
شخصيتنا لهذه الحلقة من العيار الثقيل في النضال والتأسيس للجمهورية اليمنية وثالث ثلاثة في الأهمية الثورية غمطت حقها إعلامياً وإنصافاً في كافة الجوانب.
جازم الحروي..
ثائر سبتمبري ورجل أعمال َودبلوماسي، واحد من الأبطال المغمورين في ذاكرة النسيان الوطني الكبيرة والتنكر الكلي والجفاء والخذلان الرسمي والشعبي.
من مواليد تعز مديرية حيفان في عشرينيات القرن الماضي، تعلم في كتاب قريته على يد القاضي عبد الله عبد الإله الأغبري.
غادر قريته الى تعز حيث استقر فيها ممارسا تجارته بينها وبين الحبشة، مكوناً بذلك ثروة كبيرة منها بيتاً كبيرة في تعز كانت بمثابة ملتقى للثوار كالزبيري والنعمان وغيرهما، وكان الزبيري رحمة الله تغشاهم جميعاً يعتبره في المكانة الثانية بعد النعمان وهو ثالث ثلاثتهم العظماء.
بعد أن يئسوا من إصلاح ولي العهد الإمامي أحمد والتأثير عليه، قال للزبيري والنعمان لا تظلوا تتوسلوا الماء من النار، أخرجوا للشعب وخاطبوه فهو المعني، فعلم الإمام بذلك فقرر اعتقال الزبيري والنعمان، إلا أن الحروي كان قد تمكن من تهريبهم الى عدن، وهنا هاج الإمام وقرر اعتقال الحروي وإرساله الى سجن نافع بحجة وأمر بتدمير بيته أمامه قبل أخذه مكبلاً وسيراً على الأقدام الى سجن نافع بحجة.
رافقه في رحلته هذه الى السجن القاضي الأكوع، عام ١٩٤٤م لكن لم يمكث الحروي بالسجن سوى عام واحد وما إن أخرج حتى عاد الى قربته ومنها هرب الى عدن ومارس نشاطه السياسي والتجاري هناك وقام بمعيّة أحمد ناشر العريقي بشراء مطبعة النهضة اليمانية التي كانت تطبع كل منشورات الأحرار ومنها طباعة صحيفة صوت اليمن.
بحكم عمله التجاري بين تعز وعدن والحبشة، تزامن تواجده بصنعاء أثناء ثورة ٤٨ التي أجهضت وألقي القبض عليه بمعيّة القاضي الأكوع وَعَبَد السلام صبرة وإبراهيم الحضراني وعبده الدحان وسيقوا مكبلين من صنعاء حتى تعز.
كان الشيخ جازم الحروي أحد أعضاء جمعية الإصلاح التي أسست في إب وكان يرأسها القاضي والمؤرخ محمد بن علي الأكوع عام 1941، وكان لهذه الجمعية فروع وأنشطة في صنعاء وتعز، وكانت توزع المنشورات المنددة بالإمام يحيى وتدعو إلى إصلاح الأوضاع، والتواصل مع أعضاء الأسرة الحامة ليضربوا بعضها ببعض وليقنعوا يحيى حميد الدين بالإصلاح. ولما انكشف أمر الجمعية أمر يحيى باعتقال جميع أعضائها في صنعاء وإب وتعز وتسييرهم إلى سجن نافع بحجة وكان من بينهم الحروي والأكوعان الأخوان محمد وإسماعيل والقاضي عبدالسلام صبره وأحمد النعمان والشيخ أمين عبدالواسع النعمان وعبدالرقيب النعمان (الأول) وناشر العريقي وغيرهم.
سيق مع المؤرخ (إسماعيل الأكوع) ، و(عبدالسلام صبره) ، و(إبراهيم الحضراني) ، و(عبده الدحان)، وغيرهم مقيدين في سلسلة واحدة – سيراً على الأقدام من صنعاء حتى حجة, وقد تكفل بجميع مصاريف هذه الرحلة الشاقة, وأخذ من الثوار المسلسلين معه سندًا بذلك تمويهًا منه بعدم معرفتهم, وقد سجل أبو الأحرار الشاعر محمد محمود الزبيري هذه الحادثة في قصيدة شعرية وجهها إلى جازم, مطلعها:
خاض الجحيم ولم يعبس محياه
ولم تغض من معين الجود يمناه
ساقوه في قبضة الأغلال غير يدٍ
كريمة لم تقيد من عطاياه
وعذبوه على صنع الجميل فلم ينضب نداه ولا حالت سجاياه
مكث الحروي في السجن حتى ١٩٥٠م وأطلق وعاد الى تعز مزاولاً نشاطه التجاري والذي كان آخره رئيساً لشركة المحروقات اليمنية.
وبعد قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر أسهم الحروي بإنشاء البنك المركزي اليمني، ثم أزيح بعدها كذلك بتعيينه ملحقاً تجارياً في القاهرة التي كانت بمثابة إطاحة مبكرة به ونفيه بطريقه مهذبة.
ظل في القاهرة بقية عمره وبعد انقلاب نوفمبر ١٩٦٧م تخلصوا منه كبقية زملائه، وظل متنقلاً بين عواصم العالم معبراً عن الضياع اليمني العام.
سمح له بالعودة الى الوطن عام ٢٠٠٢م حتى فارقت روحه الحياة بعد أشهر من وصوله أرض الوطن الذي بخل عليه حتى من مجرد بيان نعي وجنازة رسمية.





