مال و أعمال

سهم لوبريف يغرق تحت 100 ريال في انهيار تاريخي

جدة – هزة عنيفة تضرب السوق المالية السعودية! شهدت تعاملات السوق الرئيسية اليوم حدثًا ماليًا صادمًا تمثل في الانهيار الحر لسهم شركة أرامكو السعودية لزيوت الأساس ” لوبريف “، متصدرًا قائمة الأسهم الأكثر خسارة بمشهد دراماتيكي قلّما يشهده المستثمرون. فقد السهم ما يقارب 10% من قيمته في جلسة واحدة، محدثًا ذعرًا بين المساهمين ومثيرًا تساؤلات كبيرة حول مستقبل أحد أعمدة صناعة التكرير المحلية.

الانهيار الكبير: تفاصيل الصدمة

لم تكن الخسارة مجرد تراجع عابر، بل كانت سقوطًا مدويًا. هبط سهم “لوبريف” بنسبة مذهلة بلغت 9.96%، محققًا أحد أسوأ أداءاته اليومية على الإطلاق. هذا الانخفاض الحاد تجسد في فقدان السهم لما يزيد عن 10.4 ريالات من قيمته السوقية، ليهوي من مستوياته السابقة ويغلق الجلسة عند 94 ريالاً فقط. هذه النتيجة المروعة لم تكن مجرد رقم على الشاشة؛ بل حملت دلالة رمزية قوية، إذ مثلت المرة الأولى التي يخترق فيها السهم حاجز الـ 100 ريال منذ 24 يونيو الماضي، محطمًا بذلك دعامة نفسية رئيسية للمستثمرين. ولا تقتصر الصورة القاتمة على جلسة اليوم؛ فالنظر إلى الصورة الأوسع يكشف عن تراكم الألم. منذ مطلع العام 2025، خسر السهم ما مجموعه 17.8 ريالاً، وهو ما يعادل انخفاضًا تراكميًا صادمًا بنسبة 16% في قيمة الاستثمار، مما يضع علامات استفهام كبيرة حول قدرة السهم على التعافي في المدى المنظور وسط ظروف سوقية وتشغيلية صعبة.

حجم التداولات: مؤشر على الذعر والتدافع

لم يكن الانهيار في صمت. رافق الهبوط الحاد في السعر نشاط تداولي هائل وغير معتاد، مما يعكس حالة من الذعر والتدافع بين المساهمين لتصريف ممتلكاتهم قبل مزيد من الخسائر. بلغت القيمة الإجمالية للتداولات على سهم “لوبريف” اليوم نحو 114.77 مليون ريال، وهو رقم ضخم مقارنة بحجم تداولاته المعتادة. تم تنفيذ هذا الحجم الكبير عبر ما يقارب 9.39 ألف صفقة، مما يشير إلى مشاركة واسعة من فئات مختلفة من المستثمرين، من الصغار إلى الكبار، في عمليات البيع. ووصل عدد الأسهم التي تغيرت ملكيتها خلال الجلسة إلى حوالي 1.19 مليون سهم، وهو مؤشر قوي على انتقال ملكية كبيرة في ظل ظروف بيعية قهرية، حيث كان البائعون هم الطرف المهيمن بوضوح على حركة السعر.

الجذور العميقة للانهيار: أرباح مخيبة للآمال

لم يأتِ هذا الانهيار المفاجئ من فراغ، بل كان صدى مدوّيًا لإعلان مالي صدر مؤخرًا وأثبت أنه القشة التي قصمت ظهر البعير. كشفت شركة “لوبريف” عن نتائج مالية مخيبة للغاية للربع الثاني من عام 2025 (APR-JUN)، حيث انخفض صافي ربحها بنسبة 18% على أساس سنوي (Year-over-Year). سجلت الشركة أرباحًا صافية بلغت 245.2 مليون ريال فقط، مقارنة بـ 298.84 مليون ريال حققتها في الربع المماثل من العام الماضي (2024). هذا الفارق الكبير في الأرباح، والذي تجاوز 53 مليون ريال، لم يكن ليُغفل من قبل السوق، خاصة في ظل التوقعات الحذرة السائدة.

لماذا تراجعت الأرباح؟ تشخيص الشركة للأسباب

قدمت إدارة “لوبريف” في بيانها المالي تفسيرًا واضحًا، وإن كان قاسيًا، لتراجع أدائها المالي. أرجعت الشركة هذا الانخفاض الصارخ في الربحية بشكل أساسي إلى تراجع حاد في الإيرادات. ولم يكن هذا التراجع في الإيرادات عشوائيًا، بل جاء نتيجة عاملين رئيسيين متداخلين:

  1. انكماش في سوق زيوت الأساس: عانت الشركة من انخفاض مزدوج في أحجام وأسعار مبيعات زيوت الأساس، وهي المنتج الأساسي الذي تقوم عليه أعمالها. هذا يعني أن الشركة لم تبع نفس الكميات التي باعتها سابقًا، كما أنها اضطرت لبيع ما تبيعه بأسعار أقل، مما يضغط بشكل مضاعف على خط الإيرادات الأساسي.
  2. تراجع في أداء المنتجات الثانوية: لم يقتصر الألم على المنتج الرئيسي. شهدت أسعار وأحجام المنتجات الثانوية الناتجة عن عمليات التكرير، وكذلك هوامش تكسير هذه المنتجات، انخفاضًا ملحوظًا. هذه المنتجات الثانوية كانت تشكل مصدرًا مهمًا للإيرادات والربحية، وتراجعها ساهم بشكل كبير في تضخيم خسارة الإيرادات الإجمالية.

ومن المفارقات اللافتة التي أشارت إليها الشركة، أنه رغم هذا المناخ السلبي العام، فقد شهدت هوامش تكسير زيوت الأساس الأساسية تحسنًا طفيفًا. ومع ذلك، كان هذا التحسن غير كافٍ لتعويض التأثير المدمر لانخفاض الإيرادات من المنتج الرئيسي نفسه ومن المنتجات الثانوية، مما أدى إلى النتيجة النهائية المتمثلة في انخفاض الأرباح بنسبة 18%.

مفاجأة في خضم العاصفة: توزيع أرباح نقدية

في خطوة قد تبدو للبعض مفاجئة وسط هذا المناخ المالي العاصف، أعلن مجلس إدارة “لوبريف” عن توزيع أرباح نقدية على مساهمي الشركة. قرر المجلس توزيع أرباح عن النصف الأول من عام 2025 (H1 2025) بنسبة 10% من القيمة الاسمية للسهم، أي ما يعادل ريالاً واحداً لكل سهم يمتلكه المساهم. سيصل إجمالي قيمة التوزيعات النقدية إلى 168.26 مليون ريال.

مواعيد مهمة للمساهمين

حددت الشركة المواعيد الرئيسية المتعلقة بهذا التوزيع:

  • يستحق الحصول على هذه التوزيعات النقدية المساهمون المسجلون في سجلات الشركة بنهاية تداول يوم الأربعاء 1 أكتوبر 2025.
  • سيتم صرف الأرباح فعليًا للمستحقين يوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025.

هذا القرار بالتوزيع رغم تراجع الأرباح يعكس إشارة من مجلس الإدارة إلى ثقته النسبية في السيولة قصيرة الأجل للشركة والتزامه بمكافأة المساهمين، ربما في محاولة لتهدئة المخاوف وامتصاص جزء من صدمة أداء السهم. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل هذه الخطوة كافية لاستعادة ثقة السوق؟

لمحة أوسع: قراءة متعمقة للأداء المالي

للوضع الكامل في سياقه، تجدر الإشارة إلى أن البيان الرسمي للشركة على منصة “تداول السعودية” (الأحد 3 أغسطس 2025) قدم قراءة أكثر دقة للأداء الربعي. بينما أكد البيان الانخفاض السنوي الصارخ بنسبة 18%، إلا أنه أشار أيضًا إلى تحسن على أساس ربع سنوي (Quarter-over-Quarter). حيث ارتفعت أرباح الربع الثاني (APR-JUN 2025) بنسبة 10.7% مقارنة بالربع الأول من العام نفسه (JAN-MAR 2025).

ويعزو هذا التحسن الجزئي ربع السنوي إلى عاملين إيجابيين:

  1. تحسن في هوامش تكسير زيوت الأساس: وهو ما يتوافق مع إشارة الشركة السابقة.
  2. زيادة في أحجام المبيعات: مما يشير إلى بعض الانتعاش في الطلب أو فعالية في المبيعات خلال الربع الثاني مقارنة بسابقه.

ومع ذلك، استمرار انخفاض هوامش المنتجات الثانوية ظل يشكل عبئًا على هذا التحسن، مما حال دون تحقيق قفزة أكبر في الأرباح ربع السنوية.

على صعيد الإيرادات (الربع الثاني 2025):

  • سجلت الإيرادات 2.25 مليار ريال.
  • انخفضت بنسبة 17.6% على أساس سنوي مقارنة بالربع الثاني 2024، مما يعكس حدة الضغط على المبيعات والأسعار.
  • ارتفعت بنسبة 5.7% مقارنة بالربع الأول 2025، متواكبة مع تحسن أحجام المبيعات المذكور.

هذه التفاصيل تُظهر صورة معقدة: تحسن طفيف ومؤقت على المدى القصير جدًا (ربع سنوي) لا يخفي حقيقة الضغوط الهيكلية الأكثر خطورة على المدى المتوسط والطويل (سنوي) والتي تظهر جليًا في هبوط السهم العنيف.

من هي “لوبريف”؟ العمود الفقري لصناعة الزيوت في المملكة

لفهم حجم الصدمة التي أحدثها أداء السهم، لا بد من استحضار المكانة الاستراتيجية التي تحتلها شركة أرامكو السعودية لزيوت الأساس، والمعروفة عالميًا باسم “لوبريف” (LUBEREF).

“لوبريف” ليست مجرد شركة سعودية عادية؛ فهي تمثل إحدى أكبر وأهم شركات تكرير زيوت الأساس على مستوى العالم. تأسست كشركة مساهمة سعودية، وهي مشروع مشترك استراتيجي بين عملاقين:

  • شركة أرامكو السعودية (المالك الأكبر بحصة 70%).
  • شركة جدوى للاستثمار (المستثمر الصناعي الرئيسي بحصة 30%).

تمتلك “لوبريف” وتدير مصفاتين متطورتين وضخمتين لتكرير زيت الأساس:

  1. مصفاة جدة: وهي المصفاة الأولى والأقدم، بدأت عملياتها الإنتاجية في عام 1978، لتصبح نواة صناعة الزيوت المكررة في المملكة.
  2. مصفاة ينبع الصناعية: دشنت عملياتها في عام 1997، لتعزيز قدرات التصدير وتلبية الطلب المتزايد محليًا وإقليميًا ودوليًا.

الدور المحوري: شريان التغذية لصناعة التشحيم
تتجاوز أهمية “لوبريف” حدود الأرقام المالية؛ فهي تلعب دورًا حيويًا في سلسلة توريد زيوت التشحيم. تعتبر “لوبريف” المورد الرئيسي والحيوي لزيت الأساس الخام (Base Oil)، وهو المكون الأساسي في تصنيع جميع أنواع زيوت المحركات والصناعة والتشحيم.

تشكل منتجات “لوبريف” عصب الصناعة للمصانع المحلية والعالمية:

  • في السوق السعودي: تُعد المزود الأساسي لجميع الشركات المصنعة للزيوت داخل المملكة.
  • على مستوى التصدير: تمتد شبكة توزيعها لتصل إلى أسواق حيوية في دول مجلس التعاون الخليجي، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكملها، ودول شرق أفريقيا، مما يجعلها لاعبًا إقليميًا وعالميًا مؤثرًا في هذه الصناعة المتخصصة.

تأثير الصدمة: تداعيات تتجاوز سهم واحد

الانهيار الحاد لسهم “لوبريف” اليوم ليس حدثًا معزولًا. إنه مؤشر قوي على حساسية قطاع السلع الأساسية، وخاصة المنتجات البترولية المكررة، لتقلبات الأسعار العالمية والطلب. الضغوط التي ذكرتها الشركة – انخفاض أحجام وأسعار مبيعات زيوت الأساس وتراجع هوامش المنتجات الثانوية – هي ضغوط قد تواجهها شركات مماثلة في المنطقة والعالم، مما يفتح الباب أمام مراقبة دقيقة لأداء القطاع ككل.

قرار توزيع الأرباح رغم تراجعها يرسل رسائل مختلطة

من ناحية، يهدف لطمأنة المساهمين على قدرة الشركة على توليد سيولة والوفاء بالتزاماتها قصيرة الأجل. من ناحية أخرى، قد يتساءل المستثمرون عن حكمة توزيع هذا المبلغ (168 مليون ريال) في وقت تحتاج فيه الشركة لتعزيز مرونتها المالية واستثماراتها ربما لمواجهة تحديات السوق، أو حتى لشراء أسهمها في السوق إذا استمر الهبوط لتعزيز القيمة السوقية.

السؤال الأكبر الذي يلوح في الأفق: هل هذا الانهيار هو بداية مسار هبوطي طويل الأمد، أم أنه رد فعل مبالغ فيه من السوق سيتبعه تصحيح؟ الإجابة تعتمد على عوامل متشابكة:

  • اتجاهات سوق زيوت الأساس العالمية: هل سيشهد الطلب والأسعار انتعاشًا؟
  • استقرار أو تحسن هوامش المنتجات الثانوية.
  • فعالية إدارة “لوبريف” في خفض التكاليف وزيادة الكفاءة التشغيلية لتعويض ضغوط الإيرادات.
  • الثقة المستمرة من المستثمر الاستراتيجي الأكبر، أرامكو السعودية.
  • حالة السوق المالية السعودية والإقليمية بشكل عام.

اليوم، كتب سهم “لوبريف” فصلًا مظلمًا في تاريخ تداولاته. الخسارة القاسية بنسبة 10%، والاختراق النفسي المهم لمستوى 100 ريال، والتراجع التراكمي الكبير منذ بداية العام، كلها عناوين لضغوط هائلة. قرار مجلس الإدارة بتوزيع الأرباح هو بادرة تضامن، لكنها لن تمحو مخاوف المستثمرين من جوهر المشكلة: التحديات التشغيلية والاقتصادية التي تواجه قطاع حيوي. ستكون الأسابيع القليلة المقبلة حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا الانهيار مجرد عاصفة عابرة أم إيذانًا بمرحلة جديدة أكثر صعوبة لقطب صناعي سعودي بارز. عيون السوق ستظل معلقة على “لوبريف”، بانتظار أي بوارق أمل أو مؤشرات على تعافي، في اختبار حقيقي لثبات أحد عمالقة التكرير في المملكة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock