في ظلّ استقالة رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك، وتصاعد التحديات الاقتصادية التي تُهدد بانهيار الدولة، تبرز شخصية سالم صالح سالم بن بريك – وزير المالية الحالي – كمرشحٍ أقوى لخلافة بن مبارك، في خطوةٍ قد تُعيد رسم خريطة التحالفات السياسية، وتُحدد ملامح المرحلة القادمة في بلدٍ يُناضل للخروج من أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
السيرة الذاتية: مسيرةٌ تدرجية من الجمارك إلى المالية
النشأة والجذور:
وُلد بن بريك في محافظة حضرموت (جنوب شرق اليمن)، المُحافظة التي اشتهرت بإنتاج النفط وامتلاكها أكبر ميناء نفطي في البلاد (المكلا)، وهو ما يُعتقد أنّه أثرى رؤيته الاقتصادية المبكرة.
الانطلاق من القاعدة: عمق التجربة الجمركية
- 1990 – 2014: شقّ طريقه في سلك الجمارك عبر مناصب قيادية:
- مدير جمارك منفذ الطوال الحدودي (أهم المنافذ البرية مع السعودية).
- نائب مدير جمارك ميناء المكلا (البوابة الاقتصادية لحضرموت).
- مدير جمارك ميناء الحديدة (أكبر موانئ البحر الأحمر، والذي كان تحت سيطرة الحوثيين لاحقًا).
- مدير المنطقة الحرة في عدن (المحرّك الاستثماري للجنوب).
- 2014 – 2018: ترأس مصلحة الجمارك اليمنية، حيث أشرف على إصلاحاتٍ هيكلية رفعت إيرادات الجمارك بنسبة 40% رغم الحرب، وفق تقارير حكومية.
التحوّل إلى المشهد المركزي:
- 2018: عُيّن نائبًا لوزير المالية، وقاد مفاوضات إعادة هيكلة الديون مع دول الخليج.
- سبتمبر 2019: تولى حقيبة وزير المالية في حكومة معين عبدالملك.
- ديسمبر 2020: أُعيد تعيينه في المنصب ذاته ضمن حكومة المناصفة، كإشارة ثقة من كافة الأطراف.
الدور الحالي: إدارة الاقتصاد تحت أنقاض الحرب
إستراتيجيات المواجهة:
- تفعيل الإيرادات غير النفطية: رفع إيرادات الجمارك والضرائب بنسبة 65% خلال عام 2023، عبر مكافحة التهريب وتحديث الأنظمة.
- مفاوضات دولية مُكثفة: قاد مباحثات مع صندوق النقد الدولي لإنقاذ الريال اليمني، ونجح في تأمين دعمٍ فني بقيمة 50 مليون دولار لتعزيز الشفافية المالية.
- إدارة “اقتصاد الحرب”: أطلق حزمة إجراءات طارئة شملت:
- تقليص دعم الوقود بنسبة 30% (رغم الانتقادات الاجتماعية).
- تحويلات مالية مُوجّهة لتمويل الخدمات في المناطق الخاضعة للحكومة.
التحديات الأبرز:
- انهيار العملة: فقد الريال اليمني 80% من قيمته أمام الدولار منذ توليه المنصب.
- الفساد المُؤسسي: تصريحه الأخير عن “شبكات تُهرب مليارات الجمارك عبر منافذ غير رسمية”.
- الانقسام السياسي: صراع الصلاحيات بين الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي.
الأدوار الدولية: وجه اليمن في المحافل الاقتصادية
- القمة العالمية للحكومات 2023: قدّم ورقةً بعنوان “إدارة الاقتصاد في ظل الصراعات: الدرس اليمني”، ناقش فيها دور الحوكمة في منع الانهيار الكلي.
- مفاوضات الرياض 2022: شارك في الجانب الفني من الاتفاق السعودي-الحكومي لتمويل واردات المشتقات النفطية.
- تحالفات إقليمية: يُنظر إليه كحلقة وصل بين الحكومة اليمنية ودول الخليج، نظرًا لعلاقاته الواسعة مع صنّاع القرار الاقتصادي فيها.
بن بريك رئيساً للوزراء: قراءة في السيناريوهات المُحتملة
لماذا كان هو المرشح الأقوى؟
- القبول الداخلي: يُجسّد توازنًا بين شماليّي الجنوب بكونه حضرموتيًا (جنوبيًا) ذا علاقات مع تحالف الشمال.
- الدعم الإقليمي: تُفضله السعودية والإمارات لخبرته المالية وموثوقيته في إدارة الملفات الشائكة.
- الشرعية الإنجازية: يُعتبر من أقل الوزراء انتقادًا في أدائه، وفق استطلاعات محلّية.
المخاطر والتحديات:
- الاحتجاجات الشعبية: قد تتصاعد ضد سياسات التقشف التي يُتوقع تعزيزها.
- الصراع مع الحوثيين: هل سيُعيد تفعيل ملف الرواتب في المناطق الخاضعة لهم؟
- مطالب الشارع : ضغوط لإقالة وزراء فاسدين وتحسين الملف الاقتصادي.
يأتي تكليف سالم بن بريك لتولي رئاسة الحكومة كجزءٍ من معادلةٍ معقدة تهدف إلى إرضاء الأطراف المحلية والدولية، لكنّ السؤال الأكبر: هل تمتلك هذه الخطوة قوة دفعٍ كافية لإنقاذ اقتصادٍ يُوشك على السقوط، أم أنها مجرد تغيير شكلي في مشهد الأزمة اليمنية المُتكررة؟
اليمن اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تُكتب لبن بريك – بخبرته التي نضجت في الميدان – صفحةٌ جديدة من الاستقرار النسبي، أو أن يُصبح اسمًا آخر في قائمة رؤساء الوزراء الذين ابتلعتهم أمواج الحرب. الجواب قد تحمله الأشهر القليلة المقبلة.