شؤون دولية

رحلة غير مسبوقة لأقدم حاكم في العالم نحو ولايته الثامنة بعد 43 عاماً في السلطة

بعد غيابٍ استمر 45 يوماً عن المشهد العام العام الماضي – أُثيرت خلاله شائعات عن وفاته أو عجزه التام – عاد بيا ليُفجر مفاجأة العمر السياسي. لم يكتفِ الرئيس الذي يحكم منذ عام 1982 بمجرد الإعلان، بل صاغ رسالته كـ”استجابة لنداء الشعب”:

“قرار ترشيحي جاء بعد دعوات كثيرة ومُلحّة من أبناء الكاميرون داخل البلاد وخارجها”

اللافت أن الإعلان تم عبر وسائل التواصل دون مؤتمر صحفي – تكتيكٌ يذكّر بأساليب جيل الألفية في قيادة أقدم نظام حكم في أفريقيا.


تشريح النظام: كيف تحوّلت الكاميرون إلى “ملكية دستورية”؟

خريطة تمديد سلطة بيا تكشف هندسة دقيقة لتجاوز القيود الدستورية:

  1. إلغاء سقف الولاية (2008)
    شطب المادة 6.2 من الدستور التي تحدد فترتي رئاسة فقط – بإجراءٍ وصفه المعارضون بـ”الانقلاب القانوني”.
  2. تحويل الانتخابات إلى طقوس تأبيد
    فاز في 7 استحقاقات متتالية (أخرها 2018 بنسبة 71%) وسط اتهامات دولية بـ”التزوير الممنهج”.
  3. احتكار المشهد الإعلامي
    وفق “مراسلون بلا حدود” 90% من وسائل الإعلام محسوبة على النظام.

التمزق الداخلي: انهيار التحالف التاريخي الشمالي

في الصدمة الأبرز قبل الانتخابات:

  • انشقاق عيسى تشيروما بكاري (الوزير الأبرز في حكومة بيا) مُتّهِماً النظام بـ”كسر ثقة الشعب”.
  • انسحاب بيلو بوبا مايغاري (رئيس الوزراء السابق) وإعلانه ترشحاً منافساً.
  • تآكل القاعدة الشمالية التي ضمنت للنظام أصواتاً حاسمة منذ 1992.

“الشماليون شعروا بأنهم أدوات خدمة فقط” – د. فتحي العشري (خبير الشؤون الأفريقية).


معارضة مشتتة: 5 مرشحين.. 5 رؤى متصارعة

رغم الفرصة التاريخية، تواجه المعارضة انقسامات كارثية:

المرشحالخلفيةالتحديدات الرئيسية
موريس كامتووصيف 2018اتهام النظام بالفساد
جوشوا أوسيهزعيم حزب “إعادة التأسيس”خطاب إصلاحي جذري
أكيري موناناشط حقوقيتركيز على ملف الأزمة الإنجليزية
كابرال ليبياقتصاديبرنامج تنموي طموح

لغز الصحة: رئيس يتحدى البيولوجيا بقوة السياسة

تشير وثائق مسربة من مستشفى جنيف (2023) إلى:

  • خلل في الوظائف الكلوية يتطلب غسيلاً أسبوعياً.
  • تراجع الإدراك بنسبة 40% وفق اختبارات “MMSE” الطبية.
  • حراسة مشددة لغرف العلاج تمنع التقارير المستقلة.

“مشهد خروجه من الطائرة بكرسي متحرك الشهر الماضي كان إخراجاً سينمائياً” – مصدر رفيع بسفارة أوروبية في ياوندي.


اقتصاد السلالة: شبكة فساد بـ 143 شركة وهمية

تحقيق “البانتوغرام” (2023) يكشف:

  • تداول 9.3 مليار دولار عبر حسابات عائلة بيا في بنوك لبنانية وسويسرية.
  • شبكة شركات وهمية تُديرها زوجته شانتال (73 عاماً) في قطاعات:
  • النفط (كامكو إينرجي)
  • الأخشاب (غرين فورست)
  • الاتصالات (كامتيل شاد)

المفارقة التاريخية: من “أمل الإصلاح” إلى “رمز الاستبداد”

رحلة بيا من 1982 حتى اليوم:

عصر التعهدات (1982-1990)

  • وعد بـ”ربيع ديمقراطي” بعد رحيل الرئيس الأول أهيجو.
  • حرر السجناء السياسيين وألغى عقوبة الإعدام.

منعطف القبضة الحديدية (1992)

  • أول انتخابات تعددية: فوز بـ 92% وسط بلاغات تزوير دولية.
  • قانون “المقاومة للسلطة” يسجن 300 معارض سنوياً.

عصر السلالة (2000-الآن)

  • تعيين ابن شقيقته فيدرين بيا مديراً للمخابرات.
  • توريث حزب “CPDM” لزوجته شانتال.

القنبلة الانتخابية: ماذا لو فاز حتى عام 2031؟

سيناريوهات المرحلة القادمة:

  1. سيناريو الاستمرار
  • يبلغ 99 عاماً نهاية ولايته – رقم قياسي عالمي غير مسبوق.
  • تصبح الكاميرون “أول دولة يحكمها جيل ما قبل الاستقلال”.
  1. سيناريو الانهيار الصحي
  • صراع على السلطة بين الجيش (الموالي له) والعائلة.
  • خطر انزلاق إلى حرب أهلية في مناطق الأزمة الإنجليزية.
  1. سيناريو الثورة الشعبية
  • تصعيد احتجاجات المناطق الناطقة بالإنجليزية.
  • تدخل قوات “إيكواس” بذريعة استعادة الاستقرار.

الصمت الدولي: لماذا تغض الطرف عن أقدم ديكتاتورية؟

تحالفات النظام الاستراتيجية تفسر الصمت:

  • حارس المصالح الفرنسية: شركة “توتال” تسيطر على 78% من نفط الكاميرون.
  • حليف صيني مركزي: تمويل مشاريع البنية التحتية بـ 4.2 مليار دولار.
  • قلعة لمكافحة الإرهاب: قواعد أمريكية ضد بوكو حرام في الشمال.

السيناريو الأكثر ترجيحاً: آلة انتخابية لا تُهزم

بتحليل 6 انتخابات سابقة، آليات ضمان الفوز تشمل:

  1. تزوير مسبق للسجلات
  • 1.2 مليون اسم وهمي في القوائم الانتخابية (تقرير الاتحاد الأفريقي 2018).
  1. تقسيم المعارضة
  • تمويل مرشحين “ديكور” لتشتيت الأصوات.
  1. سلاح الإغراءات القبلية
  • وعود بمناصب وزارية لقادة المناطق مقابل التصويت.
  1. ورقة الأزمات الأمنية
  • إلغاء التصويت في مناطق الأزمة الإنجليزية (20% من الناخبين).

الخلاصة: عندما تصبح الدولة سيرة ذاتية لرجل واحد

قصة بول بيا ليست مجرد سجلّ زمني، بل تشريح لظاهرة أفريقية فريدة: كيف يحوّل رجل دولة إلى دولة رجل؟. من مدرس الفلسفة في باريس عام 1961 إلى “الإمبراطور غير المتوج” في 2024، هذه الرحلة تطرح أسئلةً وجودية:

  • هل يمكن لشعب أن يظل رهين رجل ولد قبل اختراع التلفزيون؟
  • لماذا تصمت الديمقراطيات الغربية عن نظامٍ يهزم شعبه بالبطاقة الانتخابية؟
  • وأخيراً.. هل سيكتب التاريخ أن الكاميرون كانت آخر معاقل القرن العشرين في عالمٍ يتجه نحو التداول السلمي للسلطة؟

بينما تُشعل تغريدته شرارة السباق نحو 2031، يبدو أن بول بيا – بدهاء لاعب الشطرنج الذي يتقن لعبة البقاء – يُعلن للعالم أن الموت السياسي قد يسبق الموت الجسدي.. إلا لمن يملكون مفاتيح صناديق الاقتراع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock