دعاء اول جمعة في السنه الهجرية

يُعد الدعاء مع بداية العام الهجري تقليدًا روحانيًا متجذرًا في الوجدان الإسلامي. فمع أول محرم، تُشرق نفحات زمن جديد يحمل وعود الرحمة والتجديد. هذا الدعاء ليس مجرد كلمات تُردد، بل هو لقاءٌ بين العبد وخالقه، وتجديدٌ للعهد مع القيم التي أرستها هجرة النبي ﷺ. إنه إعلانٌ للنية الصادقة في بدء صفحة جديدة، وطلبٌ للعون الإلهي لمواجهة ما تخبئه الأيام.
الأدعية المباركة: جسرٌ بين الأرض والسماء
أولاً: دعاء التجديد والإصلاح
“اللهم أنت الأبدي القديم، وهذه سنة جديدة، أسألك فيها العصمة من الشيطان وأوليائه، والعون على هذه النفس الأمَّارة بالسوء، والاشتغال بما يُقرِّبني إليك يا ذا الجلال والإكرام”.
هذا الدعاء التاريخي – الذي تناقله علماء كابن قدامة المقدسي – يُجسّد جوهر الاستعداد الروحي. إنه طلبٌ للحماية من الشرور، وتحرير القلب من أسر الهوى، وتوجيه الطاقة نحو الخير.
ثانيًا: دعاء الفرج والبركة
“اللهم اجعله عام تفرج فيه الكربات، وتتسع فيه الأرزاق، وتجبر فيه الخواطر، وتفرج فيه الهموم، ونقضي فيه الحاجات”.
هنا يلمس الداعي شغاف قلبه: يطلب سعة الرزق، وشفاء الأسقام، وجبر القلوب المنكسرة، وإزالة الغموم التي أثقلت الصدور.
ثالثًا: دعاء الرحمة الشامل
“اللهم اجعل العام الجديد شفاءً لكل مريض، وفرجًا لكل مهموم، وسعادة لكل حزين، يا رب العالمين”.
هذا النداء يُوسّع دائرة الدعاء من الذات إلى الأمة. إنه تضرعٌ ليشمل الخير كل مَن يعاني في فلسطين وسوريا واليمن وكل بقعةٍ نائية.
لمحاتٌ من حكمة شهر المحرم
شهر الله المحرم ليس مجرد بداية تقويم، إنه أحد الأشهر الحُرم التي جعلها الله محطاتٍ للتزود الروحي. كما قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} (التوبة: 36). وفيه يُستحب الإكثار من الصوم؛ فقد قال ﷺ: “أفضل الصيام بعد رمضان شهرُ الله المحرم” (رواه مسلم). صيامه إعلانٌ أننا نُقدِّس ما قدَّسه الله.
التهنئة بالعام الجديد: سنةٌ نبويّةٌ مستحبة
تهنئة المسلمين بقدوم العام الهجري ليست بدعةً – كما يظن البعض – بل هي تعبيرٌ عن الفرح بنعمة الوقت. الصحابة كانوا يتبادلون البشائر عند تجدد المواسم. قولك لأخيك: “تقبل الله منا ومنك” أو “كل عام وأنت بخير” هو إحياءٌ لذكرى الهجرة وتذكيرٌ بقيمتها: الإيمان، التضحية، والأخوة.
أدعية خاصة لأول جمعة من العام
يوم الجمعة في أول محرم منحةٌ إلهية. أدعُ بهذا الدعاء النبوي بعد الفجر:
“اللهم إني أسألك رحمةً من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري، وتلم بها شعثي، وتصلح بها غائبي، وترفع بها شاهدي” (صححه الألباني).
وفي ظهرها، صلِّ بخشوع واقرأ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (البقرة:201).
كنوزٌ دعوية لحفظ الأهل والأوطان
- للأسرة: “اللهم احفظ أهلي بظِلّك الذي لا يُظل إلا هو، واحرسهم بعينك التي لا تنام”.
- للأوطان: “اللهم ارفع راية الإسلام، واجمع كلمة المسلمين، واكشف الغمة عن أمّة محمد ﷺ”.
- للمرضى والمحتاجين: “يا شافي يا كافي، ألبس كل مريض ثوب العافية، وامنح كل محروم سعة الرزق”.
دعاء الاستوداع: وداع العام بعين الرضا
قبل أن تنتقل إلى العام الجديد، ودِّع العام الماضي بهذا الكلام الطيب:
“اللهم ما عملت فيه من خير فتقبَّله، وما عملت من سوء فتجاوز عنه. اغفر زللي، وارحم تقصيري، واجعلني فيه من العائدين إليك”.
هذا الاستغفار يُطهِّر الروح، ويُهيئ القلب لاستقبال النفحات الجديدة.
الختام: لماذا نحتاج هذه الأدعية؟
الدعاء في مطلع العام الهجري ليس طقسًا شكليًا، بل هو بوصلة روحية تُعيد ترتيب أولوياتنا. إنه تذكيرٌ بأن الزمن هبةٌ إلهية، وأن الأيام سفنٌ نعبرها نحو الآخرة. كما قال الحسن البصري: “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك”.
فليكن دعاؤنا بدايةً حقيقيةً لتغييرٍ يُرضي الله: “اللهم أبدلني في العام الجديد بكل حزنٍ فرحًا، وبكل عسرٍ يسرًا، وبكل فرقةٍ جمعًا، وبكل مرضٍ شفاءً. وأنر قلبي بنور القرآن، وثبّت قدمي على الصراط المستقيم”.
وصية أخيرة: لا تترك هذه الأدعية حبيسة الورق. اكتبها في مفكرتك، علِّقها في غرفتك، وردِّدها كل يوم في سجود الفجر. فالدعاء في جوف الليل – كما قال النبي ﷺ – “مستجاب” (رواه الترمذي). واغتنم أول محرم لتبدأ بصيامٍ ينقلك إلى برِّ الأمان: “من صام يومًا في سبيل الله، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا” (متفق عليه).