دعاء المظلوم على الظالم سريع الاستجابة : حصن المقهورين وسر النجاة

يناقش هذا المقال ملاذ عظيم هذا الملاذ هو دعاء المظلوم على الظالم سريع الاستجابة. إنه السلاح الذي لا يهزم، والدرع الذي لا يُخرق، والصوت الذي لا يرد، لأنه يرتفع مباشرة إلى رب السماوات والأرض، الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرمًا.
في دهاليز الحياة، قد يتعرض الإنسان لمواقف تقصم ظهره، وتثقل كاهله، وتُنهك روحه. من بين هذه المواقف، يقف الظلم شامخًا كجبلٍ جليدي، يهدد بانهيار كيان المظلوم، ويُلقي به في غياهب اليأس والقنوط. فما أشد وطأة الظلم على النفس، وما أقسى مرارة القهر في القلب! إنها تجربة تتجاوز مجرد الإيذاء الجسدي، لتتوغل في أعماق الروح، فتترك ندوبًا لا تمحى إلا بعظيم لطف الله وكرمه.
عظمة الدعاء وسر استجابته
الدعاء هو جوهر العبادة، وركن من أركان الإيمان، ونافذة يتصل بها العبد بخالقه. إنه تعبير عن التذلل والافتقار، والاعتراف بالعجز البشري المطلق، والتوكل الكامل على الله وحده. وعندما يخرج الدعاء من قلب مظلوم، ذاق مرارة الظلم، وشعر بوقع القهر، يكون له شأن آخر، وتكون له قوة تفوق كل قوة.
لقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم عظمة دعاء المظلوم على الظالم في العديد من أحاديثه الشريفة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتُهم: الإمامُ العادلُ، والصَّائمُ حينَ يُفطِرُ، ودعوةُ المظلومِ تُحمَلُ على الغَمامِ، وتُفتَحُ لها أبوابُ السَّمواتِ، ويقولُ الرَّبُّ: وعِزَّتي لَأنصُرَنَّكِ ولو بعدَ حينٍ”. هذا الحديث النبوي الشريف ليس مجرد وعد، بل هو قسم من الله تعالى بعزته وجلاله بنصرة المظلوم، وإن تأخرت هذه النصرة لحكمة يعلمها سبحانه.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من الظلم بأسره، لما له من عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة. فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتَّقوا الظُّلمَ، فإنَّ الظُّلمَ ظلماتٌ يومَ القيامةِ”. وهذا التحذير يأتي ليؤكد عظمة الظلم وخطورته، وأن الله تعالى لا يغفل عنه، بل هو مطلع على كل صغيرة وكبيرة، وسيحاسب الظالم على ظلمه حسابًا عسيرًا.
عندما يرفع المظلوم يديه: أدعية من القلب والقرآن والسنة
عندما يجد المظلوم نفسه وحيدًا، وقد أغلقت الأبواب في وجهه، ينكسر قلبه، وتضيق روحه، فلا يجد ملاذًا إلا الله. وفي تلك اللحظات، يرتفع صوته بالدعاء، بكلمات تخرج من أعماق الروح، محملة بالرجاء واليقين.
من الأدعية الجامعة التي يمكن للمظلوم أن يناجي بها ربه:
- دعاء الإقرار بالوحدانية والعجز: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. يا ربّ أغلقت الأبواب إلّا بابك، وانقطعت الأسباب إلا إليك، ولا حول ولا قوة إلّا بك. يا ربّ اللهمّ إنّي ومن ظلمني من عبيدك، نواصينا بيدك، تعلم مستقرّنا ومستودعنا، وتعلم منقلبنا ومثوانا، وسرّنا وعلانيّتنا، وتطّلع على نيّاتنا، وتحيط بضمائرنا، علمك بما نبديه كعلمك بما نخفيه، ومعرفتك بما نبطنه كمعرفتك بما نظهره، ولا ينطوي عليك شيء من أمورنا، ولا يستتر دونك حال من أحوالنا، ولا لنا منك معقل يحصّننا، ولا حرز يحرزنا، ولا هارب يفوتك منّا.”هذا الدعاء يبدأ بتوحيد الله والإقرار بقدرته المطلقة، ثم يتبعه اعتراف كامل بالعجز البشري والافتقار إلى الله. إنه يضع المظلوم نفسه بين يدي ربه، مؤمنًا بأنه لا ملجأ ولا منجى إلا إليه.
- دعاء الاستغاثة والشكوى: من دعاء المظلوم على الظالم دعاء الاستغاثة والشكوى “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أرحم الراحمين، أنت أرحم الراحمين، إلى من تكلني، إلى عدو يتجهمني، أو إلى قريب ملكته أمري، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك، أو تحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك.”هذا الدعاء يعبر عن شكوى المظلوم وضعفه، ويلجأ إلى رحمة الله وعافيته. إنه يظهر تسليم المظلوم لأمر الله، حتى لو كان ذلك في مواجهة الظلم، طالما أن الله ليس غاضبًا عليه.
- دعاء طلب النصرة والقصاص: “اللهم أرغم أنف كل ظالم، وعجل حتفه، ولا تجعل له قوة إلا قصمته، ولا كلمة مجتمعة إلا فرقتها، ولا قائمة علو إلا وضعتها، ولا ركنًا إلا وهنته ولا سببًا إلا قطعته، يا رب إن الظالم جمع كل قوته وطغيانه ونحن عبيدك جمعنا له ما استطعنا من الدّعاء، يا رب استجب لدعوة عبادك المظلومين.”هنا يطلب المظلوم من الله أن يذل الظالم وينتقم منه، مؤكدًا أن سلاحه الوحيد هو الدعاء، وأن الله هو القادر على قهر الجبارين.
- دعاء تفويض الأمر إلى الله: “اللهم أنت حسبي ونعم الوكيل، أنت حسبي فيمن ظلمني، أنت حسبي فيمن أذاني وقهرني، أنت حسبي فيمن خذلني، فحسبي الله وكفى بالله حسيباً. حسبي الله ونِعم الوكيل، فوّضتُ أمري لله واستودعته نفسي وعنده لا تضيع الودائع، اللَّهُمَّ إني قليل الحيلة ولا حول ولا قوّة إلّا بك، انصرني على من ظلمني واجعلني من الصابرين الشاكرين.”تفويض الأمر لله هو قمة التوكل، فالمظلوم يعلم أن الله كافيه وناصره، وأنه لا يوجد أفضل من الله ليتولى أمره.
دعاء المظلوم في القرآن الكريم والسنة النبوية: كنوز لا تفنى
لقد جاءت نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة غنية بالأدعية التي يمكن للمظلوم أن يستعين بها، والتي تُعد بمثابة كنوز إيمانية تمنحه القوة والصبر في مواجهة الظلم.
من القرآن الكريم:
- (أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) سورة البقرة آية 286: هذا الدعاء يعبر عن التوكل على الله كناصر وحيد، ويُمكن للمظلوم أن يستلهم منه القوة للانتصار على من ظلمه.
- (عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ربَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) سورة يونس آية 85-86: هذا الدعاء يعلمنا التسليم الكامل لله والتوكل عليه، فهو القادر على نصرة المظلوم وتخليصه من بطش الظالمين.
- (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سبْحَانَكَ إِنِّي كنْت مِنَ الظَّالِمِينَ) سورة الأنبياء آية 87: دعاء يونس عليه السلام في بطن الحوت، وهو من أعظم أدعية الكرب والفرج، يمكن للمظلوم أن يتذكره في شدته.
- (رَبِّ انْصرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمفْسِدِينَ) سورة العنكبوت آية 30: دعاء نوح عليه السلام لربه، يعلمنا طلب النصرة من الله في مواجهة الفساد والظلم.
- (فَدَعَا رَبَّه أَنِّي مَغْلوبٌ فَانْتَصِرْ) سورة القمر آية 10: هذا الدعاء القصير والعميق لسيدنا نوح عليه السلام، يعبر عن قمة اليأس من المخلوقين والتوجه بالكلية إلى الخالق، وهو يُعد من أقوى الأدعية للمظلوم المقهور.
من السنة النبوية الشريفة:
- دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لرد الظلم: “اللَّهمَّ ربَّ السَّمواتِ السَّبعِ وربَّ العرشِ العظيمِ كن لي جارًا من فلانِ بنِ فلانٍ وأحزابِهِ من خلائقِكَ أن يفرطَ عليَّ أحدٌ منْهم أو يَطغى عزَّ جارُكَ وجلَّ ثناؤُكَ ولا إلَهَ إلَّا أنتَ.” (رواه ابن عبّاس رضي الله عنه).
- دعاء تعليم النبي لأصحابه: “اللهمَّ اقسِمْ لنا مِنْ خشيَتِكَ ما تحولُ بِهِ بينَنَا وبينَ معاصيكَ، ومِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنَا بِهِ جنتَكَ، ومِنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَيْنَا مصائِبَ الدُّنيا، اللهمَّ متِّعْنَا بأسماعِنا وأبصارِنا وقوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا، واجعلْهُ الوارِثَ مِنَّا ، واجعَلْ ثَأْرنا عَلَى مَنْ ظلَمَنا، وانصرْنا عَلَى مَنْ عادَانا، ولا تَجْعَلِ مُصِيبَتَنا في دينِنِا، ولَا تَجْعَلْ الدنيا أكبرَ هَمِّنَا، ولَا مَبْلَغَ عِلْمِنا، ولَا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لَا يرْحَمُنا.” (رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما). هذا الدعاء من الأدعية الجامعة التي تجمع بين طلب النصرة من الظالم وطلب الثبات على الدين وعدم الانشغال بالدنيا.
- دعاء أنس بن مالك رضي الله عنه: “بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله خير الأسماء، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه أذى، بسم الله الكافي، بسم الله المعافي بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، بسم الله على نفسي وديني، بسم الله على أهلي ومالي، بسم الله على كل شيء أعطاني إياه ربي، الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أعوذ بالله مما أخاف وأحذر، الله ربي ولا أشرك به شيئاً عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك ولا إله غيرك، اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من شرِّ كلِّ جبارٍ عنيد وشيطانٍ مريد ومن شرِّ قضاء السوء، ومن شر كلِّ دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.” (على الرغم من ضعف بعض أسانيده، إلا أن معناه عظيم ويمكن الدعاء به).
دعاء حزب النصر للإمام الشاذلي: استغاثة روحية بليغة
يعد “حزب النصر” للإمام أبي الحسن الشاذلي من الأدعية المشهورة والمجربة لدى الكثيرين في دفع الظلم وطلب النصرة. إنه دعاء عميق المعاني، يستمد قوته من توحيد الله والتوكل عليه، ويُقرأ عادة كورد يومي أو في أوقات الشدة.
كيفية قراءة دعاء حزب النصر:
يُقال إنه يقرأ صباحًا ومساءً بعد قراءة “حسبي الله ونعم الوكيل” 450 مرة. وعند التعرض لظلم شديد، يفضل الوضوء وإحسان الوضوء، ثم صلاة ركعتين بعد العشاء، ثم قراءة الدعاء بتدبر وخشوع.
نص دعاء حزب النصر:
“بسم الله الرحمن الرحيم، اللَّهُمَّ بِسَطَوَةِ جَبَرُوْتِ قَهْرِكَ وَبِسُرْعَةِ إِغَاثَةِ نَصْرِكَ وَبِغَيْرَتِكَ لاِنْتِهَاكِ حُرُمَاتِكَ وَبِحِمَايَتِكَ لِمَنِ احْتَمَى بَآيَاتِكَ، نَسْأَلُكَ يَا اللَّهُ يا قَرِيبُ يَا سميعُ يَا مُجِيبُ، يا سَرِيعُ يَا جَبَّارُ يَا مُنْتَقِمُ يا قهَّارُ، يَا شَدِيدَ البَطْش، يَا مَنْ لا يُعْجِزُه قَهْرُ الْجَبَابِرَة، وَلا يَعْظُمُ عَلَيْهِ هَلاكُ الْمُتَمَرِّدَةِ مِنَ الْمُلُوكِ وَالأَكَاسِرَةِ، أَنْ تَجْعَلَ كَيْدَ مَنْ كَادَنَي في نَحْرِه وَمَكْرَ مَنْ مَكَرَ بِي عَائِدَاً عَلَيْهِ، وَحُفْرةَ مَنْ حَفَرَ لِي وَاقِعَاً فِيْهَا، وَمَنْ نَصَبَ لِي شَبَكَةَ الخِدَاعِ اجْعَلْهُ يَا سَيِّدِي مُسَاقاً إِلَيْها وَمُصَادَاً فِيهَا وَأَسِيرَاً لَدَيْها.
اللَّهُمَّ بِحَقِّ كهيعص اكْفِنَا هَمَّ العِدَا وَلقِّهِمُ الرَّدَى وَاجْعَلْهُم لِكُلِّ حَبيبٍ فِدَا وَسَلِّط عَلَيْهِمْ عَاجِلَ النِّقْمَةِ في اليومِ وَالغَدا. اللَّهُمَّ بَدِّدْ شَمْلَهُم، اللَّهُمَّ فرّق جَمْعَهُم، اللَّهُمَّ قَلِّلْ عَدَدهُم، اللَّهُمَّ فُلَّ حَدَّهُم، اللَّهُمَّ اجْعَلِ الدَّائرةَ عَلَيْهِم، اللَّهُمَّ أوْصِل العذابَ إليهم، اللَّهُمَّ أَخْرِجْهُمْ عَنْ دائرة الحلم واسْلُبْهم مَدَد الإمْهَالِ وغُلَّ أَيْدِيهِم وَاشْدُد على قُلُوبِهِم وَلا تُبَلِّغْهُمُ الآمال، اللَّهُمَّ مَزِّقْهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ مزّقته لأعدائك اِنتصاراً لأنبيائك ورُسُلِك وَأَوْلِيَائِك. اللَّهُمَّ انتصِرْ لَنَا انتَصارَكَ لأَحبابِكَ على أَعْدَائِكَ (ثلاثاً).
اللَّهُمَّ لا تُمَكِّنِ الأَعْدَاءَ فِينَا، وَلا تُسَلِّطْهُمْ عَلَيْنَا بِذُنُوبِنَا(ثلاثاً)، حم (سبعاً) حُمَّ الأَمْرُ، وجَاءَ النَّصْرُ فعَلَينَا لا يُنْصَرُون، حم عسق حمايَتُنا وَوِقَايَتُنا مِمَّا نَخَافُ، اللَّهُمَّ قِنَا شَرَّ الأسْوَاء، وَلا تَجْعَلْنَا مَحَلاً لِلبَلْوَى، اللَّهُمَّ أَعْطِنَا أَمَلَ الرَّجَاءِ، وَفَوْقَ الأَمَل، ياهُوَ يا هُوَ يا هُوَ، يَا مَنْ نَسْأَلُه بِفَضْلِهِ لِفَضْلِهِ، نَسْأَلُكَ العَجَلَ العَجَلَ العَجَلَ ، إِلَهِي الإِجَابَةَ الإِجَابَة الإِجَابَةَ، يَا مَنْ أَجَابَ نُوْحَاً فِي قَوْمِهِ، يَا مَنْ نَصَرَ إِبْرَاهِيمَ على أَعْدَائِهِ، يَا مَنْ رَدَّ يُوسُفَ على يَعْقُوْبَ، يَا مَنْ كَشَفَ ضُرَّ أَيُّوبَ، يَا مَنْ أَجَابَ دَعْوَةَ زَكَرِيّا، يَا مَنْ قَبِلَ تَسْبِيحَ يُونُسَ بنَ مَتَّى، نَسْأَلُكَ بِأَسْرَارِ أَصْحَابِ هَذِهِ الدَّعْوَاتِ المـُسْتَجَابَاتِ:
أَنْ تَقْبَلَ مِنَّا مَا بِهِ دَعَوْنَاكَ، وأْنْ تُعطِيَنا مَا سَأَلنَاك، أَنجِزْ لَنَا وَعْدَك الَّذِي وَعَدْتَه لِعِبَادِكَ الْمُؤْمِنِيْنَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، انْقَطَعَتْ آمَالُنا وَعِزَّتِكَ إلاَّ مِنْكَ، وَخابَ رَجَاؤُنَا وَحقِّكَ إلاَّ فيكَ. إِنْ أبْطَأَتْ غَارَةُ الأَرْحَامِ وَابْتَعَدَتْ فَأَقْرَبُ الشَّيْءِ مِنَّا غَارَةُ اللهِ، يَا غَارَةَ اللهِ جِدِّي السَّيْرَ مُسْرِعةً في حَلِّ عُقْدَتنَا، يَا غَارَةَ اللهِ حُلِّي عَقْدَ مَا رَبَطُوا وَشَتِّتِي شَمْلَ أَقْوَامٍ بِنَا اخْتَلَطُوا، اللَّهُ أَكْبَرُ سَيْفُ اللهِ قَاطِعُهُم، وَكُلَّمَا عَلَوْا في أَمْرِهِمْ هَبَطُوا، يَا غَارَةَ اللهِ عَدَتِ العَادُونَ وَجَارُوا وَرَجَوْنَا اللهَ مُجِيراً وَكَفَى بِاللهِ وَليّاً وَكَفَىَ بِاللهِ نَصِيرَاً، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ، سَلامٌ على نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ، اسْتَجِبْ لنا آمين آمين آمين، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعلى آَلِهِ وَصَحْبِه وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الدِّيْن، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.”
آداب الدعاء على الظالم: حدود العدل في النصرة
على الرغم من جواز الدعاء على الظالم، إلا أن هناك آدابًا وضوابط شرعية يجب مراعاتها، حتى لا يتجاوز المظلوم حدود العدل ويصبح هو الظالم.
- الدعاء بمقدار الظلم: كما ذكر السيوطي الرحيباني الحنبلي، لا يجوز للمظلوم أن يدعو على الظالم بأكثر مما يستحقه الظالم. فإذا ظلمك في مال، فلا تدع عليه بالكفر أو بالهلاك الشامل الذي يتجاوز حدود ظلمه. القاعدة هي: “فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى” (سورة البقرة: 194). يجب أن يكون الدعاء متناسبًا مع حجم الظلم الواقع.
- عدم الافتراء على الظالم: إذا كذب الظالم على المظلوم، فلا يجوز للمظلوم أن يرد عليه بالكذب أو الافتراء. بل يدعو الله أن يبتلي الظالم بمن يكذب عليه بنفس الطريقة. فالانتقام المشروع يكون بالعدل، وليس بالظلم المضاد.
- عدم إفساد دين الظالم: إذا كان ذنب الظالم إفساد دين المظلوم، فلا يجوز للمظلوم أن يسعى لإفساد دين الظالم. بل يدعو الله عليه بأن يفسد دينه بنفس الطريقة التي أفسد بها دين المظلوم. فالله تعالى إذا عاقب الظالم بذلك، فلا قبح في ذلك من جانبه سبحانه، لأنه “اعتدى بمثله”، لكن من جانب العبد، فهو قبيح وغير جائز.
- فضل الصبر والعفو: مع جواز الدعاء على الظالم، إلا أن الصبر والعفو عنه من أعظم مقامات الدين. قال الإمام أحمد: “الدعاء قصاص، ومن دعا على من ظلمه فما صبر.” وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: “من دعا على من ظلمه فقد انتصر” (رواه الترمذي عن عائشة). أما قوله تعالى: “ولمن صبر وغفر، إن ذلك لمن عزم الأمور” (سورة الشورى: 43)، فيشير إلى أن الصبر والتجاوز من الأمور المطلوبة شرعًا، ولهما أجر عظيم عند الله تعالى. العفو عن الظالم قد يكون سببًا لعفو الله عن المظلوم يوم القيامة، فالجزاء من جنس العمل.
- التسليم لقضاء الله وقدره: على المظلوم أن يدرك أن ما حرم منه في الدنيا، ليس بالضرورة أن يكون خيرًا له. فقد يكون الخير في المنع، وقد قال تعالى: “ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولًا” (سورة الإسراء: 11). الإيمان بالقضاء والقدر يقتضي عدم الحزن والاضطراب عند فوات شيء من أمور الدنيا. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مستسلمًا لما قضاه الله وقدره، وكان يقول في دعائه: “اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، اللهم وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغًا لي فيما تحب.” (رواه الترمذي وحسنه).
خاتمة: عدالة الله لا تغفل مظلومًا
في نهاية المطاف، يبقى اليقين بعدالة الله هو الملاذ الأخير لكل مظلوم. فمهما بلغت قوة الظالم وطغيانه، ومهما طال أمد الظلم، فإن الله تعالى بالمرصاد. “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظلموا”. هذا الحديث القدسي يؤكد حرمة الظلم وعاقبته الوخيمة، وأن الله تعالى لا يرضى لعباده أن يتظالموا.
إن دعاء المظلوم على الظالم هو سلاح المؤمن، وخاصة دعاء المظلوم، فهو سهم لا يخطئ. فليطمئن قلب كل مظلوم أن له ربًا لا يغفل ولا ينام، يسمع أنينه، ويرى مكانه، وينصره ولو بعد حين. المهم هو التوكل على الله، والصبر على البلاء، والدعاء بقلب خاشع موقن بالإجابة. فمهما اشتدت الظلمات، فإن الفجر آتٍ، ومهما طال ليل الظلم، فإن نور العدل سيشرق بإذن الله تعالى.
مواضيع ذات صلة: