جبل ضوران وحصن الدامغ مركز تاريخي حميري


يعد جبل ضوران وحصن الدامغ في مديرية ضوران آنس، الواقعة غرب محافظة ذمار، منطقة ذات أهمية استثنائية في تاريخ اليمن وتركيبته السكانية. لطالما مثلت ضوران مخزونًا بشريًا وافرًا، مما أكسبها موقعًا استراتيجيًا في مختلف المراحل التاريخية، وجعل السيطرة عليها ذات تأثير كبير على النفوذ السياسي في البلاد.
تبعد مدينة ضوران، مركز المديرية، حوالي 50 كيلومترًا إلى الغرب من مدينة ذمار. وتضم مديرية ضوران آنس ستة مخاليف رئيسية ذات جذور قبلية عميقة، وهي: مخلاف ضوران، ومخلاف الجبل، ومخلاف ابن حاتم، ومخلاف بني خالد، ومخلاف حمير، ومخلاف بني سويد. وقد استمدت مدينة ضوران اسمها من جبل ضوران الشاهق، الذي ورد ذكره في مؤلفات المؤرخ اليمني الكبير الهمداني (القرن الرابع الهجري) ضمن جبال آنس في كتابه “صفة جزيرة العرب”. كما أشار إليه في كتابه “الأكليل” بقوله: “فأولد الهان بن مالك بكيلاً وصيحان، وآنساً، وإليه ينسب جبل آنس وهو ضوران الذي به معدن البقران، من ديار الهان”.
حظي جبل ضوران باهتمام المؤرخين والجغرافيين، فقد أشار إليه ياقوت الحموي في كتابه “معجم البلدان” (القرن السادس الهجري) بأنه “من حصون اليمن لبني الهرش”، وهم فخذ من قبيلة ذي جرت، إحدى بطون عريب بن زيد بن كهلان. وتجدر الإشارة إلى أن أول رئيس للجمهورية اليمنية بعد الثورة، المشير عبد الله السلال، كان من نسل هذه القبيلة.
يحتضن جبل ضوران قمة “الدامغ” المهيبة، التي تُعد من المعاقل الطبيعية الحصينة ذات الأهمية التاريخية الكبيرة. وقد وصفها الهمداني في “الإكليل” بأنها “حميرية الأساس، مليحة الأنفاس، وهي من الأعلام المشمخرة والمنصات التي تمسح منها للشمس الغرة يسترسل بين أكتافه ذوائب الغيوم، وتحمل المرأة مكتلها لما يتساقط إليه من ذراري النجوم، امتزج طينه من عنبر النسيم بطيب، وأخذ نسيمه من الشفعة إلى المزن بنصيب”. وقد نوه الهمداني إلى نسب جبل الدامغ وأهميته في الجزء الثامن من كتابه “الإكليل”، مشيرًا إلى أنه كان يُعرف أيضًا باسم “مَركبان”، وأنه جبل منيف يقع فوق أراضي قبائل بكيل والهان وهمدان، وأنه سكنته بطون من حمير وعمرته، ومنهم ولد الملك ذي ذيبان بن ذي مراثد الحميري.
ارتبط جبل ضوران (الدامغ) تاريخيًا بمملكة حمير في العصور القديمة، ويعتقد أنه المكان الذي سيظهر منه “منصور حمير” أو “مهدي اليمن” في بعض الروايات التاريخية. ونظرًا لأهميته الاستراتيجية وتحصيناته الطبيعية، فقد اختاره الإمام الحسن بن القاسم بن محمد (المتوفى عام 1048هـ) مقرًا لمملكته، وأمر ببناء حصن “الدامغ” فيه، ليصبح مركزًا سياسيًا للدولة القاسمية التي حكمت أجزاء واسعة من اليمن بين عامي (1045-1265هـ). وقد اتخذ الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم (1054-1085هـ) أيضًا مدينة ضوران عاصمة لدولته، وتمكن بمؤازرة قبائل همدان من بسط نفوذه على كامل أراضي اليمن، ليُعد من أبرز حكام اليمن الذين وحدوا البلاد تحت سلطتهم.
شهدت مدينة ضوران في عهد الدولة القاسمية ازدهارًا عمرانيًا وعلميًا، حيث شُيدت القصور والمساجد، وتحولت إلى مركز علمي مرموق تخرج منه العديد من علماء اليمن. وقد قامت المدينة القديمة على جبل بركاني، مما أدى إلى تدميرها بالكامل جراء الزلزال الذي ضرب المنطقة عام 1982م. وقد انتقل سكانها إلى أرض مستوية تبعد حوالي 15 كيلومترًا إلى الشمال، وأطلقوا على مستوطنتهم الجديدة اسم “ضوران” تخليدًا لاسم مدينتهم التاريخية.

Exit mobile version