مقالات واراء

ثورة الرابع عشر من أكتوبر.. ميلاد الوعي الوطني واستعادة السيادة

محمد أحمد الطالبي

في الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م، انطلقت من جبال ردفان شرارة الثورة الخالدة التي غيّرت وجه التاريخ في جنوب اليمن، لتعلن أن فجر الحرية قد بزغ بعد ليلٍ طويل من الاستعمار والقهر والاستغلال. لم تكن ثورة أكتوبر مجرّد مواجهة مسلحة ضد مستعمرٍ غاصب، بل كانت في جوهرها ثورة وعيٍ وكرامةٍ وهويةٍ وطنية، جسّدت روح الشعب اليمني التوّاقة للتحرر واستعادة القرار والسيادة.

لقد مثّلت ثورة 14 أكتوبر عقليةً جديدة وفكراً تحررياً متقدماً، عبّر عن وعي أبناء الجنوب بحقهم في وطنٍ مستقلّ، وحقهم في أن يكونوا أصحاب القرار على أرضهم. كانت ثورة نابعة من حبّ الوطن ورفض التبعية، ومن إدراكٍ عميق بأن الكرامة لا تُوهب، والسيادة لا تُستجدى، وإنما تُنتزع انتزاعاً.

لقد عانى الجنوب اليمني لعقودٍ طويلة من استعمارٍ بريطانيٍّ جثم على أرضه، استنزف مقدراته، ونهب خيراته، وسلب أرضه وموقعه الاستراتيجي الفريد، واستعبد شعبه وأذلّهم. أدرك المستعمر البريطاني قيمة هذه الأرض ومكانتها الحيوية على طريق التجارة العالمية، فحوّلها إلى قاعدة لمصالحه، وسخّرها لخدمة إمبراطوريته دون أن يمنح أبناءها أيّ اعتبارٍ أو كرامة. كان يرى في الجنوب أرضاً لا أكثر، وفي شعبه وسيلة لا شريكاً، فحوّلهم إلى غرباء في وطنهم.

لكن إرادة التحرر كانت أقوى من الحديد والنار، فنهض الأحرار من ردفان وعدن والضالع ولحج وأبين وحضرموت وشبوة وكل بقعة من الجنوب، ليقولوا للمستعمر: “كفى”. ومن هناك، بدأت ملحمة البطولة والفداء، سطّرها رجال ونساء آمنوا بأن الوطن لا يُستعاد إلا بالتضحيات، وأن الدماء التي تُروى بها الأرض هي التي تُنبت الحرية.

لقد كانت ثورة 14 أكتوبر بحق ثورة استعادة وطن وردّ الحق لأهله، وثورة إعادة القرار إلى أبناء الأرض. لم تكن مجرد حدث سياسي، بل كانت تعبيراً عن الوعي الجمعي لشعبٍ قرر أن يعيش حراً سيداً على ترابه. ومن رحمها وُلد الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م، إيذاناً بطيّ صفحة الاستعمار وبدء عهدٍ جديد من السيادة والكرامة.

إن الاحتفاء بثورة 14 أكتوبر اليوم ليس مجرد استذكارٍ لحدثٍ تاريخي، بل هو تجديدٌ للعهد مع قيمها ومبادئها، واستلهامٌ لمعانيها في مواجهة كل أشكال الوصاية والتبعية والاستلاب. فهي تذكّرنا بأن الأوطان لا تُصان إلا بالوعي، ولا تُبنى إلا بالعزيمة، ولا تُحفظ إلا بالولاء الصادق لأرضٍ وشعبٍ وتاريخٍ واحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock