في إنجاز دبلوماسي وقانوني بارز، تمكنت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً من استرداد كنز ثقافي ثمين، تمثل في استعادة تمثال “شهر هلال”، الملك القتباني الشهير، بالإضافة إلى 15 قطعة أثرية أخرى يعود تاريخها إلى حقبة زمنية تمتد من القرن الرابع قبل الميلاد إلى القرن الأول الميلادي.
وجاء هذا الاسترداد تتويجاً لجهود دبلوماسية وقانونية مضنية استمرت على مدى خمس سنوات، في قضية تُظهر التحديات التي تواجه التراث الإنساني في مناطق النزاع.
رحلة الاسترداد: من متاحف أوروبية إلى مستودعات باريس
وكشف السفير محمد جميح، مندوب اليمن لدى منظمة اليونسكو، عن التفاصيل الكاملة لهذه العملية. وأوضح أن القطع المستردة، والتي تشمل تماثيل حجرية ونقوشاً جنائزية نادرة، كانت جزءاً من مجموعة خاصة لمواطن فرنسي من أصل إيطالي، امتلك ما يزيد عن 100 قطعة أثرية يمنية، بعضها كان معروضاً في متاحف أوروبية قبل أن يتم نقلها بشكل غير قانوني إلى الأراضي الفرنسية.
ولضمان حماية هذا الإرث، تم وضع القطع الأثرية المستردة في موقع آمن في العاصمة الفرنسية باريس بناء على طلب رسمي من الحكومة اليمنية، في انتظار استقرار الأوضاع في البلاد لنقلها إلى موطنها الأم.
قصة الكشف: مصادرة عرضية تقود إلى كنز مفقود
بدورها، سلطت التحقيقات الضوء على القصة المثيرة لاكتشاف هذه القطع، حيث أفاد الباحث اليمني المتخصص في تتبع الآثار عبد الله محسن بأن عملية الاسترداد بدأت بمحض الصدفة؛ إذ صودرت القطع مطلع عام 2020 خلال تفتيش روتيني قامت به الشرطة الفرنسية في مستودع بضواحي باريس. ما بدأ كإجراء روتيني تحوّل إلى تحقيق قضائي معقد وتقاضٍ طويل، شاركت فيه السلطات الفرنسية والسفارة اليمنية في باريس بشكل وثيق، وانتهى بقرار قضائي عادل بإعادة الممتلكات الثقافية إلى أصحابها الشرعيين.
إرث مملكة قتبان: شاهد على حضارة عريقة
تعود هذه القطع النادرة على الأرجح إلى عهد مملكة قتبان التي ازدهرت في محافظة شبوة شرقي اليمن، لتشكل شاهداً حياً على عمق الحضارة اليمنية وإسهاماتها في رقي الإنسانية.
يأتي هذا النجاح في إطار مساعي اليمن الحثيثة منذ سنوات لاستعادة مئات القطع الأثرية التي تم تهريبها إبان الصراع المستمر في اليمن منذ 2014م بعد أن رُصد العديد منها معروضاً للبيع في مزادات عالمية مرموقة في أوروبا والولايات المتحدة.