تسارع دوران الأرض ظاهرة غامضة قد تؤثر على ضبط الوقت العالمي

يشهد كوكب الأرض تسارعًا غير مسبوق في دورانه، وهي ظاهرة تحير العلماء وتثير تساؤلات حول تأثيراتها المحتملة على أنظمة ضبط الوقت العالمية. ففي السنوات الأخيرة، سُجلت عدة أيام أقصر من المعدل الطبيعي، محطمة أرقامًا قياسية متتالية، مما يستدعي مراقبة دقيقة من قبل الهيئات الدولية المعنية بالزمن.
أيام أقصر من المعتاد: قفزات زمنية غير محسوسة
تُشير البيانات الحديثة إلى أن الأرض قد سجلت يومًا أقصر بمقدار 1.36 ميلي ثانية في 10 يوليو 2024، محطمة بذلك الرقم القياسي السابق الذي سُجل في 9 يوليو بفارق 1.3 ميلي ثانية. وعلى الرغم من أن هذا الفارق الزمني ضئيل للغاية (ميلي ثانية تعادل واحدًا على ألف من الثانية) ولا يمكن ملاحظته في حياتنا اليومية، إلا أن تأثيراته قد تكون جوهرية على التقنيات الحديثة.
منذ عام 2020، بدأ العلماء يلاحظون هذا الاتجاه المتزايد في قصر الأيام، مما دفعهم إلى استخدام الساعات الذرية فائقة الدقة لقياس “طول اليوم” (LOD) — وهو الوقت الذي تستغرقه الأرض لإكمال دورة واحدة حول محورها. وتُظهر التوقعات أن عام 2025 قد يشهد بعضًا من أسرع دورات الأرض المسجلة على الإطلاق، مع توقعات بأن تكون أيام 9 يوليو، 22 يوليو، و5 أغسطس من بين الأقصر.
تداعيات محتملة: من نظام تحديد المواقع إلى التوقيت العالمي
على الرغم من عدم إدراكنا لهذا التغير في حياتنا اليومية، إلا أن العلماء يحذرون من تأثيراته المحتملة على أنظمة تحديد المواقع العالمية (GPS)، الأقمار الاصطناعية، وحتى على طرق قياس الزمن المعتمدة عالميًا. فالأنظمة الرقمية الحساسة تعتمد على توقيتات دقيقة للغاية، وأي انحراف ولو بملي ثانية يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في أنظمة الملاحة، الخوادم البنكية، وتوقيتات البث الفضائي.
أسباب غامضة وتسارع مستمر: فرضيات علمية متعددة
لا يزال السبب الدقيق وراء تسارع دوران الأرض غير واضح تمامًا. يقترح الباحثون عدة فرضيات محتملة، تشمل:
- تغيرات في نواة الأرض السائلة: قد تؤثر حركة التيارات داخل اللب المعدني للأرض على سرعة دوران الكوكب.
- ذوبان الجليد وتوزيع الكتلة: إعادة توزيع المياه من الأقطاب نتيجة ذوبان الأنهار الجليدية يمكن أن يحدث تغييرًا طفيفًا في القصور الذاتي للأرض، مما يؤثر على سرعتها.
- الزلازل الكبيرة: يمكن للزلازل القوية أن تعيد ترتيب الكتلة الداخلية للكوكب وتؤثر على دورانه.
- تأثير المد والجزر من القمر: يلعب القمر دورًا في تقليل أو تسريع دوران الأرض بناءً على موقعه.
- نقطة توازن مدارية مع القمر: تشير بعض الأبحاث من وكالة ناسا إلى أن الأرض ربما تكون قد دخلت في “نقطة توازن مدارية” مع القمر، مما يمنحها دفعة طفيفة في السرعة.
“الثانية الكبيسة السالبة”: إجراء غير مسبوق في الأفق
في حال استمر هذا التسارع، قد تضطر الهيئات المسؤولة عن ضبط الوقت، مثل خدمة دوران الأرض الدولية (IERS)، إلى اتخاذ إجراء غير مسبوق يُعرف باسم “الثانية الكبيسة السالبة”. يعني هذا الإجراء حذف ثانية واحدة من التوقيت العالمي المنسق (UTC) لمواءمته مع دوران الأرض الأسرع. تاريخيًا، كانت جميع “الثواني الكبيسة” المضافة إيجابية (إضافة ثانية)، ولكن حذف ثانية لم يحدث من قبل. يتوقع العلماء أن هذا قد يحدث لأول مرة بحلول عام 2029 إذا استمر نمط التسارع الحالي.
في الختام، يمثل تسارع دوران الأرض ظاهرة فلكية معقدة، لا تزال أسبابها الكاملة قيد الدراسة والبحث. ومع استمرار هذا الاتجاه، ستبقى أنظمة ضبط الوقت العالمية وأنظمة الملاحة والاتصالات في حالة تأهب لضمان توافقها مع إيقاع كوكبنا المتغير.