جبل العود أحد مستودعات الكنوز الثمينة

جبل العود في وسط اليمن إحدى أكبر الجبل اليمنية في محافظة اب، وهو إحدى معاقل الدول اليمنية التي تدل على قدم الحضارة اليمنية.
جبل العود عبارة عن قمة شاهقة ترتفع عن سطح البحر بأكثر من 2880متر تقريبا ، وهذا الجبل محاط بالصخور الحادة شاهقة الارتفاع من كل الاتجاهات .. بل إن بعض الصخور ميولها عكسي إلى الخارج بفعل النحت الطويل لطبقات من الصخور الضعيفة السفلية مما زاد من تحصين هذا الجبل ومنعته …. الجبل كان له بوابة رئيسية كبيرة في الجهة الشرقية تسمى ” باب النفر ” ومنحوته داخل الصخور ومازالت الفتحة موجوده حتى الأن ومتصله بطريق عريض مرصوف بالأحجار يربط الحصن بالعالم الخارجي .
عند التفكير بزيارة الحصن أولا يجب صعود سلسلة الجبال من مستوى قاع وادي بناء من جهة شرق وصولا إلى قرية صناع ثم الصعود عبر طريق قديم مازالت أثار الرصف بالحجر موجود حتى اليوم …. عند الصعود فوق الجبل يشعر الإنسان وكأنه وصل إلى قمة العالم ليكتسف بأن ظهر الجبل يشبه سطح سفينة عائمة فوق السحاب الجهة الغربية من الجبل كتلة مرتفعه من الصخور مقام فوقها بقايا المستعمرة البشرية القديمة وكأنها مكان السيطرة والتحكم بالسفينة … امتداد الجبل من الجهة الشرقية والجنوبية والشمالية اقل انخفاضا من الجهة الشرقية وفيها أراض زراعية وسجون قديمة وخزانات مياه …. الخ .
بقايا المباني عبارة عن سرادق لإقامة حامية الحصن الحربية مما يعني أن هذا الموقع كان في زمن معين ميناء بري لإستقبال وتوديع قوافل التجارة …. السرادق ملحق بها دار للقيادة ومعبد.
كنز جبل العود
يعتبر جبل العود أحد أهم المواقع الأثرية المكتشف فيها الكثير من الأثار التي تثبت بأن اليمنيين القدامى كانت لهم علاقات تجارية بحضارة الفراعنة والرومان والصين والهند وأن التماثيل المكتشفة بهذا الجبل هي نسخ قديمة نحتت وشكلت باليمن بايادي يمنيين ووجدت لها نظائر في بلدان الحضارات الأخرى ربما تقليدا لها مثل تمثال أبو الهول المتوج وتمثال الملكة نادين صدقي …. التماثيل المكتشفة عكست مدى رقي حضارة اليمن القديم من خلال الثياب الراقي الذي حاكه اليمنيين ولبسوه ثم نقلوه مع تجارتهم إلى الأراضي البعيده … مثلا تمثال نادين صدقي يشبه الكثير من التماثيل اليونانية ويشبه أحد الهتهم ويتزين بثياب تشبه الثياب الرومانية .
جوار جبل العود كان يمر أحد أهم طرق التجارة العالمية في ذلك الوقت انه “درب أسعد الكامل” … وكان حصن جبل العود تحت سيطرة القتبانيين وتمر القوافل تحت جنح هذا الحصن ثم تعبر أراضي الريدانيين القريبه منهم لتصل الى ساحل تهامة والعقبة ثم عكا في فلسطين .
نظام التزود بالمياه بالجبل حيث المستعمرة البشرية كان حاضرا …. يوجد خزان مياه منحوت بالصخور فريد من نوعه عبارة عن قمع مقلوب إلى الأسفل منحوت بالصخور عرض قطر الخزان يزيد عن الخمسين المتر وعمقه يزيد عن العشرين مترا …. تم نحت الخزان بالصخر وبناء حلقات دائرية من الأحجار المهندمة من الأسفل للاعلاء كانت تستخدم كدرجات للنزول والصعود …. هذا الخزان الرئيسي لحصاد مياه الأمطار كان كافيا لتزويد المستعمرة البشرية بالمياه طوال العام إلى جانب عدد من الخزانات الصغيرة المتناثرة هنا وهناك واحدا منها داخل صرح المعبد.
أثار ساقية من القضاض تربط الخزان بالمستعمرة وعلى ما يبدو أن المياه كانت ترفع من الخزان بواسطة الثيران وتصب بالساقية المتصله بالمعبد والمساكن لتصب في بانيوهات نحتت من الصخور مازالت موجوده حتى اليوم .
يوجود في الجبل حبس يسمى ” حبس دكيم ” منحوت في الصخور الشرقية الشاهقة ذات الميول العكسي للداخل … هذا الحبس نحت بطن الجبل وله فتحه واسعة تطل على هاوية الجبل ربما عملت للتهوئة والاضاءة … فتحة الدخول العلوية عبارة عن فتحة دائرية نحتت بالصخور وتسد بقطعة صخر ضخمة من الاعلاء لا يمكن تحريكها إلا من الاعلاء لحاجة النزول او الصعود يحرسها شخص واحد فقط … إنزال المحكوم عليهم يتم عبرها إلى بهو الحبس المطل على الهاوية … جدران الحبس مزودة بحلقات نحتت بالصخور يبدو أنها استخدمت لربط المحكوم عليهم بالسلاسل.
طريق القوافل تمر أسفل قمة الجبل ولها مخنق واحد للعبور هو رأس “حده” اتيه من مدينة قعطبة والضالع من موانئ بحر العرب تستريح وتبيت وربما تدفع ضرائب على حدود مملكة قتبان مع ذي ريدان ثم تواصل مسيرها …. النقش الموجود على صخرة عند مدخل بوابة الجبل تحدث عن تلك الفترة التاريخية وحروب قتيان مع ذي ريدان .
موقع جبل العود
ويقع جبل العود في محافظة إب / مديرية #النادرة ، جنوب #وادي_بنا الذي كان يمثل أهم الطرق التي تربط المناطق الجنوبية والجنوبية الشرقية بالمرتفعات الوسطى ، وكذا بالعاصمة الحميرية ظفار التي تبعد عن الوادي بمسافة 30كم تقريبا .
في نهاية العام 1996م اكتشف أحد المواطنين من أهالي المنطقة عن طريق الصدفة العشرات من القطع الأثرية في أعلى قمة جبل العود ، وبعد علم أهالي المنطقة حدثت عملية نبش ونهب كبيرة في الموقع كشفت عن ما يربو عن أكثر من مائة قطعة أثرية برونزية لتماثيل أدمية وحيوانية وموائد قرابين ومباخر وغيرها .
وفي العام 1997م نفذ الفريق الوطني التابع للهيئة العامة للآثار والمتاحف عملية المسح الأثري لمديرية النادرة ومحيط ما يعرف بمخلاف العود حيث تم اكتشاف وتسجيل وتوثيق العديد من المواقع الأثرية التي لم تكن معروفة من السابق والتي تعود إلى فترات تاريخية ومراحل حضارية مختلفة ابتداء من عصور ما قبل التاريخ وحتى المراحل التاريخية المتأخرة.
وفي العام 1998م طلبت الهيئة العامة للآثار والمتاحف تشكيل فريق أثري مشترك من المعهد الألماني للآثار بصنعاء ومن الهيئة العامة للآثار لغرض تنفيذ حفريات طارئة في الموقع لاستيضاح قرائن المكتشفات ، وقد كانت النتائج ذات أهمية كبيرة بالنسبة للعصر الحميري القديم (القرن الثالث إلى القرن الأول ق.م) والذي لم يكن حتى ذلك الحين معروفا من الناحية الحضارية والتاريخية إلا قليلا .
اتضح من خلال الأعمال والدراسات الأثرية الأولية أن موقع جبل العود الأثري يمثل إحدى المدن الصغيرة التي أطلقت عليها النقوش المكتشفة في الموقع نفسه أسم (ع و د م = العود ) وهي مدينة ذات تحصين طبيعي تم تأسيسها في الفترة ما بين القرن الثالث إلى القرن الأول قبل الميلاد ضمن مدن أخرى على قمم الجبال الواقعة على امتداد وادي بنا ووادي خُبان والتي تشكل في مجملها الامتداد الطبيعي لعاصمة الإمبراطورية الحميرية ظفار ، غير أن مدينة العود هي الأكبر من تلك المدن الواقعة على قمم الجبال ، إذ تقع على مساحة تقدر بـ7 هكتار في وسط قاع جبلي بمساحة 4كم ، تم تأسيس مدينة العود في أضيق جزء من القاع الجبلي لاعتبارات تحصينية ودفاعية بحيث تمثل المنحدرات الصخرية الوعرة في أجزاء كبيرة من المدينة بديلا للأسوار الدفاعية ، وتظهر المدينة محاطة بسورين بشكل مستقيم من الجهتين الشرقية والغربية ، وعلى شكل مقوس يمتد إلى أعلى مستوى من ناحية الشرق ، كما يحتوي على عدة مداخل وبوابات تؤدي إلى داخل المدينة التي تظهر في وسطها تماما في أعلى منطقة أحد المباني والذي من المحتمل أنه يمثل القصر الملكي ، وإلى جواره على بعد حوالي 200متر نحو جهة الغرب يوجد المعبد الرئيسي إلى جانب العديد من المنشآت المعمارية الأخرى .
كان الهدف من تنفيذ عملية الحفر والتنقيبات الأثرية في هذا الموقع هو دراسة مرافق التحصينات الدفاعية والمنشآت المعمارية ، والكشف عن طرق وأساليب إدارة مثل هذه المدن وتنظيمها وبنيتها التحتية لمعرفة وظائفها الرئيسية .
وقد اتضح من خلال عملية الحفر والتنقيبات الأثرية التي تم تنفيذها من قبل الفريق المشترك اليمني الألماني في (المنطقة التي تعرضت لعملية النبش والنهب العشوائي التي تمت في العام 1996م من قبل أهالي المنطقة والواقعة في مركز المدينة) ، الكشف عن أحد المباني الفخمة الذي يتميز عن بقية المباني الأخرى بمخططه الهندسي المتميز وبنوعية مواد البناء المستخدمة من الأحجار الجيرية المشذبة والمهندمة بشكل دقيق وهي من الأحجار الغير متوفرة في المنطقة والتي تم جلبها من مناطق أخرى بعيدة .
يظهر المخطط الهندسي لهذا المبنى أنه يتكون من عدة طوابق لم يعد ظاهرا منه سوى الطابق الأرضي الذي يحتوي على ورش تصنيع الأدوات والأواني البرونزية ، بينما يتكون الجزء الشرقي من منطقة مفتوحة تمثل المدخل الرئيسي وتشمل على فناء تتوسطه بركة محفورة بالصخر والفناء محاط برواق وصالتين كبيرتين ، ومن الفناء وعبر ممر ضيق يتم الوصول إلى مجموعة من الغرف الخدمية الخاصة بغرف الغسيل والطهارة ، إلى جانب المطبخ وملحقاته والمخازن ، يتضح من خلال المؤشرات الأولية للمخطط الهندسي لهذا المبنى بالإضافة إلى محتوياته أنه يخص المعبد الرئيسي للمدينة ، كما يتضح من خلال بقية المباني التي تم الكشف عنها والواقعة على محيط وجوار المعبد الرئيسي أن الوظيفة الرئيسية لهذه المدينة كانت وظيفة دينية ((مدينة دينية)) كما يتضح أيضا أن عملية دفن الموتى كانت تتم داخل المباني السكنية والتي كان يتم تخصيص إحدى الغرف فيها لدفن الموتى والتي في الغالب يكون بابها مستقل من الخارج ، فقد تم الكشف عن غرفتين لمبنيين سكنيين مستقلين إلى الجهة الجنوبية الغربية من المعبد الرئيسي يحتوي كل مبنى على غرفة واحدة خصصت لدفن الموتى ، تصل مساحة الغرفة 2×3م وتحتوي على أكثر من طبقة دفن جماعية ، ضمت كل طبقة دفن أكثر من 14 حالة دفن جعلت بجانب بعضها البعض بأوضاع مختلفة ، كم رافق كل حالة دفن أثاثها الجنائزي من أدوات وأواني برونزية وزجاجية وفخار إلى جانب الحلي والأسلحة والعملات الفضية والبرونزية .
أيضا كشفت أعمال التنقيبات الأثرية من خلال الطبقات الكثيفة للرماد والفحم أن هذه المدينة قد تعرضت للحرق والتدمير بكاملها في حوالي نهاية القرن الثالث الميلادي مما أدى إلى هجرها ، ثم أعيد استيطانها في القرن الخامس وحتى القرن السادس الميلادي.
المصادر :
- Hitgen, Holger : Collection Reports 1999, 2000, 2001, 2002, 2003 The Second and third and fourth and fifth excavation campaign by the Deutsches Archäologisches Institut on Jabal al-Awd.
- أيريس جرلاخ وأخرون : 25 عاما حفريات وأبحاث في اليمن ـ 1978 ـ 2003 ـ ملزمة عن تاريخ اليمن ـ الجزء الأول ـ المعهد الألماني قسم الشرق مكتب صنعاء.
- أحمد شمسان ، خالد الحاج ، خليل الزبيري: تقرير أولي لنتائج التنقيبات الأثرية في موقع جبل العود ـ الموسم الأول 1998م ـ الهيئة العامة للآثار والمتاحف ـ الإدارة العامة للآثار.
- أحمد شمسان ، خالد الحاج ، خليل الزبيري ، معمر العامري : تقرير أولي لنتائج المسح الأثري لمديريتي السدة والنادرة ـ محافظة اب ـ الموسم الأول 1997م ـ الهيئة العامة للآثار والمتاحف ـ الإدارة العامة للآثار..,
5 – د/صالح علي السحيقي
6- خالد الحاج





