اصل قبيلة الحريصي وديارها

في قلب جبال جازان الشاهقة تتربع قبيلة بني حريص، المعروفة أيضًا باسم “الحريصي”. هذه القبيلة العربية الكبيرة، التي تنحدر من قبيلة خولا ن العريقة، تتميز بتمسكها العميق بتراثها ولغتها وهويتها الأصيلة. استقلالها التام في بيئتها الجبلية النائية قد أسهم بشكل كبير في الحفاظ على هذا الإرث الثقافي الغني عبر الأجيال.
قبيلة الحريصي: نسب عريق وحضور راسخ
تعد قبيلة بني حريص إحدى أبرز القبائل العربية في جنوب المملكة العربية السعودية، تحديداً في منطقة جازان. يُعزى نسبها إلى جد أعلى يُعرف بـ”حريص”، مما يؤكد عمق جذورها التاريخية. يتواجد معظم أفراد القبيلة في منطقة الحشر بمحافظة العارضة في جازان، بالإضافة إلى انتشارهم في قرى ومدن أخرى، مثل الحميراء.
عرفت قبيلة بني حريص على مر العصور باستقلالها الذاتي داخل بيئتها، مما كان له أثر بالغ في صون لغتها المحلية وتقاليدها العريقة. يحمل أبناء القبيلة تاريخًا حافلاً بالتقاليد والعادات المتوارثة، ويتميزون بروح قوية من الصداقة والأخوة. يشارك أفراد القبيلة بفاعلية في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والثقافية، مساهمين بذلك في الحفاظ على تراثهم الغني. وقد قدمت القبيلة شهداء أبرارًا على الحد الجنوبي، كوكيل الرقيب فايع أحمد جندح الحريصي، مما يؤكد تضحياتها في سبيل الوطن.
رمز قبيلة الحريصي ودلالاته
يرتبط بقبيلة الحريصي الرمز العددي 515. تحمل الرموز القبلية أهمية تاريخية كبيرة، إذ كانت تستخدم في الماضي كعلامات تعريفية مميزة لكل قبيلة. أما في العصر الحالي، فقد تحولت هذه الرموز إلى مصدر للفخر والاعتزاز بالتاريخ العريق والأصالة القبلية. هذه الرموز تعكس الهوية الجماعية وتعزز الانتماء للقبيلة.
جبل الحشر: سر التسمية والطبيعة الخلابة
يعد جبل الحشر، الذي يقطنه أفراد قبيلة بني حريص، نقطة محورية في المنطقة. تثار روايات عديدة حول سبب تسمية هذا الجبل، لكن لا توجد رواية واحدة ثابتة وموضوعية. ومع ذلك، تبقى المقولة المحلية “خيره حشر وسنته حشر” هي الأكثر رسوخًا في وجدان الناس.
تُفسر هذه المقولة بأن “خيره حشر” تشير إلى العام الذي تهطل فيه الأمطار بغزارة شديدة، مما قد يسبب خسائر وأضرارًا. في اللهجة المحلية، يُعبر عن هذه الأمطار الغزيرة بكلمة “حشر”. أما الشطر الآخر “سنته حشر”، فيُقصد به العام الذي ينعدم فيه سقوط الأمطار، مما يؤدي إلى جفاف شديد يعاني منه الإنسان والأرض والحيوان. هنا، تعني كلمة “حشر” الشدة والضرر الناجم عن انعدام الأمطار والجدب.
يصف العقيلي في كتابه “المعجم الجغرافي للبلاد السعودية” جبل الحشر بأنه سمي بهذا الاسم نسبة إلى يوم البعث. بينما يرى آخرون أن التسمية مشتقة من “حشر الذرة”، في إشارة إلى ورق الذرة الذي يغطي الجبل بجمال طبيعي أخضر خلال موسمها. في بعض المواسم، تكاد المدرجات الزراعية تختفي من كثرة اخضرار المحاصيل.
يُقدر عدد سكان الحشر بنحو 16 ألف نسمة تقريبًا، ومعظمهم من قبائل بني حريص. إضافة إلى ذلك، تسكن المنطقة أكثر من 12 قبيلة أخرى، منها آل حسين، آل موسى، آل أحمد، آل مريم، آل الرفايق، آل غريفة، آل العرين، آل محمد (ن)، آل جابر، آل الشاقي، آل سلمان، وقبيلة آل فوق النيد.
الموقع الجغرافي والموارد الطبيعية
تقع جبال الحشر في المنطقة الشمالية الشرقية من جازان، شمال جبال فيفاء، وتبعد حوالي 130 كيلومترًا عن وسط مدينة جازان. تتميز هذه الجبال بارتفاعاتها الشاهقة ومبانيها الأثرية العتيقة. تتبع إداريًا لمحافظة بني مالك، وتبعد عنها حوالي 30 كيلومترًا إلى الجنوب الغربي.
يخترق جبال الحشر طريق معبد بطول 5 كيلومترات تقريبًا من محافظة الدائر. تحيط بالجبل مجموعة من الأودية الكبيرة التي تجري فيها مياه الغيل (المياه الجارية) طوال العام، ومن أهمها وادي ضمد ووادي جورا. تتميز جبال الحشر بخصوبتها الشديدة وثراءها الجغرافي والتضاريسي، مما يجعلها منطقة فريدة من نوعها.
تنوع بيولوجي وطقس بديع
يلاحظ الزائر لجبال الحشر وفرة الغطاء النباتي الذي يضفي عليها جمالاً خلابًا. تمتاز المنطقة بجمال طبيعتها ومناظرها الساحرة، وقراها الأثرية القديمة، وغاباتها الكثيفة. يتميز طقسها باللطف في معظم أيام السنة، ويميل إلى البرودة في بعض الأيام، خاصة في غابات نيد المسلم والشجعة، التي تعتبر من أعلى القمم في الجبل. يصل ارتفاع الجبل إلى حوالي 2042 مترًا، ويُعد الأجمل من حيث الطقس البديع والجو الممطر طوال العام، بالإضافة إلى مدرجاته الخضراء وقلاعه التي تتربع على القمم والأركان. يبدو جبل الحشر شامخًا، كأنه يستعد لاستقبال زواره ومصطافية.
يزخر المكان أيضًا ببعض الحيوانات البرية النادرة والطيور الجميلة. بعض أنواع الطيور التي انقرضت في مناطق أخرى لا تزال تصمد في جبال الحشر. ومن الطيور النادرة في المنطقة الوبر والحجل والقرع والهدهد، مما يضيف إلى القيمة البيئية لهذه المنطقة العريقة.
مواضيع ذات صلة: