يتناول هذا المقال الصواريخ الفرط صوتية اليمنية حيث شهد المشهد الجيوسياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط تطوراً مثيراً للقلق.
أعلن العميد يحيى سريع، المتحدث الرسمي باسم قوات أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، عن تنفيذ قواته عملية عسكرية باتجاه تل أبيب باستخدام صاروخ متطور. الزعم الأكثر إثارة كان أن هذا الصاروخ قطع مسافة هائلة تبلغ 2040 كيلومتراً في زمن قياسي لم يتجاوز 11 دقيقة ونصف الدقيقة.
تشير الحسابات الفيزيائية الأولية إلى أن هذه السرعة تعادل تقريباً 13 ماخ (أي 13 ضعف سرعة الصوت)، أو ما يقارب 15000 كيلومتر في الساعة. هذا الإعلان لم يأتِ من فراغ؛ ففي مارس 2024، سبق أن أعلنت الجماعة عن استخدام صاروخ فرط صوتي بسرعة 8 ماخ (نحو 10000 كم/ساعة) يعمل بالوقود الصلب.
هذه التصريحات المتتالية، إذا ما ثبتت صحتها ولو جزئياً، تضع الصواريخ الفرط صوتية اليمنية في قلب التحولات التكنولوجية والعسكرية الإقليمية، وتدفع نحو تساؤلات جوهرية: ما هي هذه الأسلحة المتطورة؟ ما هي التحديات التي تواجهها؟ وإلى أي مدى وصل التنافس العالمي المحتدم، خاصة بين روسيا والولايات المتحدة، في مجالها؟ وكيف يؤثر ظهورها في يد فاعل غير دولة مثل الحوثيين على موازين القوى؟
مواضيع ذات صلة: الصواريخ البالستية وصواريخ اسكود ماهو الفرق بينهما
ماذا يعني صاروخ فرط صوتي
1.1 تعريف السرعة الفرط صوتية والتقنيات الأساسية:
تشير السرعة الفرط صوتية (Hypersonic) بشكل أساسي إلى السرعات التي تتجاوز 5 أضعاف سرعة الصوت (5 ماخ) في الغلاف الجوي للأرض. عند مستوى سطح البحر، تبلغ سرعة الصوت حوالي 1235 كم/ساعة (343 م/ث)، مما يعني أن الصاروخ الفرط صوتي يسافر بسرعة لا تقل عن 6175 كم/ساعة. تصل السرعات القصوى لهذه الأسلحة نظرياً وعملياً إلى ما بين 5 ماخ و 20 ماخ أو أكثر. يتم تطوير وتوظيف نوعين رئيسيين من الأسلحة الفرط صوتية، يختلفان جوهرياً في آلية عملها:
- مركبات الانزلاق المعززة (Boost-Glide Vehicles – HGVs): هذا هو النوع الأكثر تطوراً وتعقيداً. يُطلق الصاروخ أولاً بواسطة صاروخ باليستي تقليدي (مثل الصاروخ الباليستي العابر للقارات – ICBM) أو صاروخ باليستي متوسط المدى. يصل هذا الصاروخ الحامل إلى ارتفاعات شبه مدارية، أعلى بكثير من مسارات الصواريخ الباليستية التقليدية. عند ذروة مساره، ينفصل الرأس الحربي الانزلاقي الفرط صوتي. بدلاً من السقوط في مسار باليستي متوقع، يستفيد هذا الرأس من سرعته الهائلة وبدعم بسيط من محركات صاروخية (أو بدونها أحياناً) لينزلق عبر الطبقات العليا من الغلاف الجوي بزاوية ضحلة. هذه الآلية تمنحه القدرة على المناورة بشكل ملحوظ أثناء انزلاقه بسرعات هائلة نحو هدفه. الصواريخ الروسية “أفانغارد” والصينية DF-17 تستخدم هذه التقنية.
- صواريخ كروز الفرط صوتية (Hypersonic Cruise Missiles – HCMs): تعمل هذه الصواريخ بشكل يشبه صواريخ كروز التقليدية ولكن بسرعات أعلى بكثير. فهي تحمل محركها النفاث الخاص طوال رحلة الطيران. التحدي الأكبر هنا هو تطوير محركات “سكرامجيت” (Scramjet) قادرة على العمل بكفاءة في ظل السرعات والضغوط والحرارة الهائلة التي تنشأ عند السرعات فوق 5 ماخ. هذه المحركات تعتمد على ضغط الهواء الديناميكي بدلاً من ضواغط ميكانيكية، وتحتاج إلى أن تُدفع أولاً إلى سرعة فوق صوتية بواسطة صاروخ معزز أو طائرة حاملة قبل أن تشتغل محركات السكرامجيت. أمثلة تحت التطوير تشمل الصاروخ الأمريكي (HAWC) والصاروخ الروسي “تسيركون”.
1.2 التمييز الجوهري: ما الذي يجعلها مختلفة ومتفوقة؟
قد يطرح سؤال: أليست الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBMs) أسرع بكثير (تصل سرعتها عند العودة للغلاف الجوي إلى 20-25 ماخ)؟ الجواب هو نعم، من حيث السرعة القصوى المطلقة. لكن الفارق الحاسم يكمن في ثلاث نقاط أساسية تميز الصواريخ الفرط صوتية وتجعلها تهديداً أكثر خطورة:
- المناورة (Maneuverability): الصواريخ الباليستية تتبع مساراً متوقعاً يشبه القطع المكافئ بعد انفصال رأسها الحربي. هذا يجعل تتبعها واعتراضها ممكناً نظرياً لأنظمة الدفاع الصاروخي الحالية (مثل منظومة THAAD الأمريكية أو منظومة S-400 الروسية). في المقابل، تمتلك الصواريخ الفرط صوتية، خاصة مركبات الانزلاق (HGVs)، قدرة عالية على تغيير مسارها وارتفاعها أثناء رحلتها بسرعات هائلة. هذه المناورة غير المتوقعة تحبط محاولات الاعتراض التقليدية التي تعتمد على حساب المسار المستقبلي.
- الطيران المنخفض نسبياً (Relatively Low Altitude): بينما تصل الصواريخ الباليستية التقليدية إلى ارتفاعات تزيد عن 1000 كم، تنزلق الأسلحة الفرط صوتية في طبقات أعلى من الغلاف الجوي (ما بين 40-100 كم تقريباً لمركبات الانزلاق). هذا الارتفاع يقع في منطقة “الظل الراداري” بالنسبة لعديد من الرادارات الأرضية المبكرة الإنذار، ويجعل اكتشافها وتتبعها أكثر صعوبة مقارنة بالصواريخ الباليستية ذات المسارات العالية والواضحة.
- السرعة والتوقيت (Speed and Timing): على الرغم من أن السرعة القصوى لبعض الصواريخ الفرط صوتية قد تكون أقل قليلاً من سرعة رؤوس الصواريخ الباليستية عند العودة، إلا أن سرعتها خلال معظم مسارها (خاصة مرحلة الانزلاق) تظل هائلة (5-20 ماخ) وتوفر زمناً للرد قصيراً جداً (Time-to-target). ادعاء الحوثيين بأن صاروخهم قطع 2040 كم في 11.5 دقيقة (سرعة ~177 كم/دقيقة أو ~13 ماخ) يوضح هذا التحدي بوضوح؛ فهو يترك للدفاعات وقتاً ضئيلاً للكشف والتتبع واتخاذ قرار الاعتراض.
1.3 القدرات التدميرية: أكثر من مجرد سرعة
تستطيع الصواريخ الفرط صوتية حمل رؤوس حربية تقليدية عالية الانفجار أو حتى رؤوس نووية. ما يميزها في كلا الحالتين هو:
- الدقة المميتة: قدرتها على المناورة تسمح لها باستهداف نقاط حيوية بدقة عالية جداً، مثل مراكز القيادة والسيطرة، أو مواقع الدفاع الصاروخي نفسها.
- الطاقة الحركية الهائلة (Kinetic Energy): حتى بدون متفجرات تقليدية، فإن اصطدام جسم يسافر بسرعة 10 ماخ أو أكثر يحمل طاقة حركية هائلة تكفي لتدمير أهداف محصنة بشدة. هذه الخاصية تفتح الباب أمام “ضربات الضربة العالمية الفورية” التقليدية (Conventional Prompt Global Strike – CPGS) التي تسعى إليها القوى الكبرى.
- اختراق الدفاعات: قدرتها على تجنب أنظمة الدفاع الصاروخي الحالية تجعلها أداة مثالية لضرب الأهداف المحمية جيداً خلف خطوط العدو، وهو ما يمنح حاملها قدرة ردع فريدة.
التحديات التكنولوجية الهائلة – عبور حواجز الحرارة والتحكم
2.1 تحدي الحرارة الشديدة (Thermal Challenge):
يشكل الاحتكاك الهائل مع جزيئات الهواء عند السرعات الفرط صوتية (خاصة فوق 5 ماخ) تحدياً هندسياً ضخماً. تنتج درجات حرارة سطحية يمكن أن تتجاوز 2000 درجة مئوية، وهي كافية لإذابة معظم المواد المعروفة. مواجهة هذا التحدي تتطلب:
- مواد متقدمة فائقة التحمل (Advanced Materials): تطوير وتصنيع مواد مركبة خفيفة الوزن فائقة المقاومة للحرارة (Ultra-High-Temperature Ceramics – UHTCs)، وسبائك معدنية متطورة (مثل تلك القائمة على التنتالوم أو الزركونيوم)، ومواد كربون-كربون معالجة بشكل خاص. هذه المواد يجب أن تحافظ على خواصها الميكانيكية في ظل درجات الحرارة القصوى.
- أنظمة تبريد مبتكرة (Innovative Cooling Systems): تصميم أنظمة تبريد نشطة أو سلبية متكاملة مع هيكل الصاروخ. قد تشمل التبريد بواسطة الوقود (Fuel Cooling) قبل حقنه في المحرك، أو أنظمة تبريد متبخرة (Transpiration Cooling)، أو استخدام دروع حرارية ذكية (Smart Thermal Protection Systems – TPS) تتكيف مع درجات الحرارة.
- ديناميكا هوائية حرارية (Aerothermodynamics): الفهم العميق للتفاعل المعقد بين تدفق الهواء عالي السرعة والحرارة المتولدة على سطح الصاروخ، وهو مجال علمي يتطلب محاكاة حاسوبية فائقة القوة واختبارات في أنفاق هوائية متخصصة (Hypersonic Wind Tunnels) أو منشآت القوس البلازمي (Plasma Arc Facilities).
2.2 تحدي التوجيه والتحكم والملاحة (Guidance, Control & Navigation – GNC):
توجيه صاروخ يسير بسرعة 10 ماخ أو أكثر نحو هدف بعيد بدقة عالية يتطلب حلولاً متقدمة جداً:
- أنظمة ملاحة مستقلة عالية الدقة: الاعتماد على أنظمة ملاحة بالقصور الذاتي فائقة التطور (Advanced Inertial Navigation Systems – INS) مدعومة بتحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية (GPS/GLONASS/Galileo) مع معالجة فائقة السرعة لتعويض أي تشويش محتمل. تتزايد أهمية أنظمة الملاحة النجمية (Celestial Navigation) كبديل احتياطي.
- مستشعرات فائقة السرعة والتحمل: تطوير مستشعرات (حرارية، رادارية نشطة أو سلبية، بصرية/أشعة تحت حمراء) قادرة على العمل في البيئة القاسية من الحرارة والاهتزازات وتقديم بيانات دقيقة للملاحة والتوجيه النهائي (Terminal Guidance).
- خوارزميات تحكم متطورة: تصميم أنظمة تحكم طيران (Flight Control Systems) قادرة على تنفيذ مناورات حادة وفورية باستخدام أسطح تحكم دقيقة (قد تكون ديناميكية هوائية أو تعتمد على نفث جانبي للغازات – RCS) مع الحفاظ على استقرار الصاروخ. تتطلب هذه الخوارزميات قوة حاسوبية هائلة على متن الصارخ نفسه.
- اتصادات مقاومة للتشويش: ضمان قنوات اتصال آمنة ومقاومة للإعاقة الإلكترونية (ECM) بين الصاروخ وأي منصة تحكم خارجية (إن وجدت)، خاصة في مرحلة التوجيه النهائي.
2.3 تحدي الإفلات والبقاء (Survivability and Countermeasures):
بالإضافة إلى المناورة، يحتاج الصاروخ الفرط صوتي إلى وسائل لتعزيز فرصه في الوصول للهدف:
- توقيعات مخفضة (Reduced Signatures): تصميم أشكال ديناميكية هوائية تخفض البصمة الرادارية (Stealth shaping) واستخدام مواد ماصة للرادار (RAM). التحدي أكبر في مجال البصمة الحرارية الهائلة التي يصعب إخفاؤها.
- إجراءات مضادة إلكترونية (Electronic Countermeasures – ECM): أنظمة مضادة للرادارات (Anti-Radiation) أو مشغلات تشويش متطورة لتعطيل محاولات التتبع والاعتراض.
- أنظمة دفاع نشط (Active Protection): في المستقبل، قد تُدمج أنظمة دفاع صغيرة لاعتراض صواريخ الاعتراض المعادية (مفهوم “درع السيف”).
2.4 غياب الأطر التنظيمية:
يتمثل تحدٍ آخر في غياب أي أطر دولية ملزمة للحد من انتشار أو اختبار الصواريخ الفرط صوتية. فهي لا تخضع حالياً لاتفاقيات رئيسية مثل معاهدة الصواريخ متوسطة المدى (INF) المنتهية أو معاهدة ستارت الجديدة (New START) التي تركز على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات وحاملاتها. هذا الفراغ التنظيمي يزيد من مخاطر سباق التسلح وعدم الاستقرار الاستراتيجي.
الدول التي تمتلك صواريخ فرط صوتية
3.1 روسيا: الريادة والاستخدام الميداني
أظهرت روسيا ريادة واضحة في نشر وتوظيف الصواريخ الفرط صوتية عملياً:
- “أفانغارد” (Avangard): يُعد جوهر البرنامج الروسي. هو رأس حربي انزلاقي (HGV) يُطلق بواسطة صاروخ باليستي عابر للقارات (مثل SS-19 Stiletto). تبلغ سرعته أكثر من 20 ماخ (حوالي 24,500 كم/ساعة)، ويمتلك قدرات مناورة متطورة أثناء الانزلاق تجعل اعتراضه شبه مستحيل بنظم الدفاع الحالية. بدأ الانتشار التشغيلي في ديسمبر 2019. قدرته على حمل رأس نووي تمنحه دوراً مركزياً في الردع الاستراتيجي الروسي.
- “كينجال” (Kinzhal – “الخنجر”): صاروخ كروز فرط صوتي (HCM) يُطلق من طائرات مقاتلة (مثل MiG-31K). تصل سرعته إلى 10-12 ماخ (أكثر من 12,000 كم/ساعة) ومداه حوالي 2000 كم. تم استخدامه عملياً في حرب أوكرانيا منذ مارس 2022 لضرب أهداف عسكرية عميقة ومهمة، مما أثبت فعاليته العملية وقدرته على اختراق الدفاعات الأوكرانية (المدعومة غربياً) بشكل متكرر. هذا الاستخدام الميداني يمنح روسيا خبرة لا تقدر بثمن.
- “تسيركون” (Tsirkon – “الزركون”): صاروخ كروز فرط صوتي (HCM) يعمل بمحرك سكرامجيت، يُطلق من السفن والغواصات. تبلغ سرعته حوالي 8-9 ماخ (أكثر من 9,000 كم/ساعة) ومداه يقدر بـ 1000-1500 كم. تم اختباره بنجاح عدة مرات وهو في مراحل متقدمة نحو الانتشار. هذا الصاروخ يعزز قدرات روسيا في الردع البحري وضرب مجموعات حاملات الطائرات.
- التطورات المستقبلية: كشف الرئيس بوتين عن مشاريع أخرى مثل صاروخ “بوسيدون” النووي الطوربيدي المسير، وصاروخ “بيرسفيت” القتالي بالليزر، مما يظهر استثماراً شاملاً في جيل جديد من الأسلحة الاستراتيجية.
3.2 الصين: التقدم السريع والطموح العالمي
تقود الصين برنامجاً طموحاً ومتطوراً للغاية في مجال الصواريخ الفرط صوتية:
- دي أف-17 (DF-17): أشهر صواريخها الفرط صوتية. يستخدم رأساً حربياً انزلاقياً (HGV) يُطلق بواسطة صاروخ باليستي متوسط المدى. سرعته حوالي 10 ماخ (12,000 كم/ساعة) ومداه يقدر بـ 1800-2500 كم. تم عرضه علناً في العرض العسكري عام 2019، مما يشير إلى وصوله لمرحلة الانتشار التشغيلي. يُعتقد أنه قادر على حمل رؤوس تقليدية ونووية. تصميمه موجّه بشكل واضح لتحدي أنظمة الدفاع الصاروخي الإقليمية مثل THAAD في آسيا.
- اختبارات متقدمة: في أغسطس 2021، أثارت الصين دهشة العالم باختبارها لما وصفته التقارير بأنه مركبة انزلاق فرط صوتية ذات مدار حول الأرض (Fractional Orbital Bombardment System – FOBS) قبل أن تعود لتنزلق نحو هدفها. هذا الاختبار، الذي تم إجراؤه سراً باستخدام صاروخ “لونغ مارش”، أظهر قدرات تكنولوجية متقدمة جداً تهدد بتجاوز أنظمة الإنذار المبكر الحالية.
- استثمارات ضخمة: تخصص الصين موارد هائلة للبحث والتطوير في هذا المجال، مع تقارير عن تطوير صواريخ فرط صوتية بعيدة المدى وعابرة للقارات (مثل DF-27 و DF-28 المحتملة)، وصواريخ كروز فرط صوتية قابلة للإطلاق جواً وبحراً. هدفها المعلن هو تحقيق “تفوق فرط صوتي”.
3.3 الولايات المتحدة: اللحاق بالركب والاستثمار المتسارع
وجدت الولايات المتحدة نفسها متأخرة بشكل ملحوظ في سباق الصواريخ الفرط صوتية، ودفعتها التطورات الروسية والصينية إلى بذل جهود استثنائية:
- الوضع الحالي: اعترف كبار القادة العسكريين، مثل الجنرال تشارلز ريتشارد (قائد القيادة الاستراتيجية الأمريكية سابقاً)، بأن الولايات المتحدة لم تصل بعد إلى مرحلة نشر أنظمة فرط صوتية هجومية تشغيلية، على عكس روسيا والصين. تعتمد استراتيجية الردع النووي الأمريكية بشكل كبير على ترسانة قديمة مثل صواريخ “مينيتمان-3” الباليستية (دخلت الخدمة عام 1970) وقاذفات B-52 (دخلت الخدمة في الخمسينيات).
- البرامج الرئيسية تحت التطوير:
- AGM-183A ARRW (Air-Launched Rapid Response Weapon): صاروخ انزلاقي فرط صوتي (HGV) يُطلق من الجو (بواسطة قاذفات B-52H وربما B-1B لاحقاً). واجه سلسلة من الإخفاقات في الاختبارات أدت إلى تأخير كبير، لكنه حقق بعض النجاحات المحدودة مؤخراً. مستقبله التشغيلي لا يزال غير مؤكد.
- LRHW / Dark Eagle (Long-Range Hypersonic Weapon): نظام أرضي متوسط/بعيد المدى يحمل مركبة انزلاق فرط صوتية (C-HGB مشترك مع البحرية). يُطلق من منصات متحركة. تسعى القوات البرية والبحرية لنشره في أقرب وقت ممكن (استهدف البرية 2023 لكنه تأخر).
- OpFires (DARPA): نظام صاروخي أرضي متوسط المدى قابل للنقل الجوي سريعاً، مصمم لاختراق المناطق المحظورة (A2/AD).
- HAWC (Hypersonic Air-breathing Weapon Concept): صاروخ كروز فرط صوتي (HCM) يعمل بمحرك سكرامجيت، نجح في عدة اختبارات طيران. يعد أكثر البرامج الواعدة للوصول إلى مرحلة التشغيل.
- التحديات والتسريع:
- الفشل في الاختبارات: عانت البرامج الأمريكية، خاصة ARRW، من سلسلة إخفاقات فنية أعاقت التقدم.
- التكلفة الباهظة: قدرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تكاليف الاختبارات وحدها بنحو 1.4 مليار دولار.
- التسريع السياسي: نتيجة للضغط الجيوسياسي، عقد وزير الدفاع لويد أوستن سلسلة اجتماعات مكثفة مع كبار المتعاقدين الدفاعيين (لوكهيد مارتن، رايثيون، نورثروب غرومان، بوينغ، وغيرهم) في فبراير 2022 للمطالبة بتسريع وتيرة التطوير والنشر. أُعلن عن جعل القدرات الفرط صوتية “أولوية تطوير عاجلة”.
- الدفاع الفرط صوتي: تدرك الولايات المتحدة الحاجة الماسة لأنظمة دفاع مضادة. تشارك في مشاريع مشتركة (مثل البرنامج الأمريكي-الياباني لاعتراض الصواريخ الفرط صوتية) وتستثمر في تطوير صواريخ اعتراضية فرط صوتية وصواريخ اعتراضية قادرة على المناورة بسرعات عالية (مثل صواريخ SM-6 Block IB المتطورة). ومع ذلك، يُعتقد أن نشر أنظمة دفاع فعالة ضد هذه التهديدات سيستغرق عدة سنوات أخرى على الأقل.
- السياق التاريخي: تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة كانت رائدة في الأبحاث المبكرة (طائرة X-15 في الستينيات)، لكنها قلصت التمويل بعد الحرب الباردة معتبرة التهديد محدوداً. هذا القرار يعتبر الآن خطأ استراتيجياً فادحاً.
الصواريخ الفرط صوتية اليمنية – هل اليمن تمتلك صواريخ فرط صوتية
4.1 تفكيك ادعاء سبتمبر:
يستدعي إعلان الحوثيين عن صاروخ بسرعة 13 ماخ ومدى 2000+ كم تدقيقاً دقيقاً:
- التأكيدات الإسرائيلية الجزئية: أكد جيش الدفاع الإسرائيلي (IDF) أنه تم رصد إطلاق صاروخ أرض-أرض من اليمن باتجاه إسرائيل في الساعة 6:21 صباحاً، واشتغلت صفارات الإنذار في إسرائيل الساعة 6:32 صباحاً (فارق 11 دقيقة). هذا يتوافق مع زمن الرحلة الذي ذكره الحوثيون. الحساب البسيط (2040 كم / 11 د ≈ 185 كم/د ≈ 3.08 كم/ث) يشير إلى سرعة تقارب 9 ماخ (حيث 1 ماخ ≈ 0.343 كم/ث عند سطح البحر). لبلوغ 13 ماخ (حوالي 4.46 كم/ث) في زمن 11 دقيقة، يجب أن يكون المدى أقرب إلى 2940 كم. هذا التناقض يشير إما إلى خطأ في المدى المعلن، أو أن السرعة المتوسطة كانت أقل من القصوى، أو أن جزءاً من الرحلة كان بسرعات أعلى (مثل مرحلة الدفع). ومع ذلك، فإن سرعة 9 ماخ لا تزال فرط صوتية بامتياز (تتجاوز 5 ماخ بكثير).
- طبيعة الانفجار: ذكر الجيش الإسرائيلي أن الصاروخ “ربما انفجر في الجو”. هذا قد يشير إلى عطل فني، أو تفعيل ذاتي (بعد تحقيق هدف دعائي)، أو نجاح جزئي لنظام دفاع (رغم عدم إعلان إسرائيل عن اعتراض). عدم سقوط حطام كبير معروف يزيد من الغموض.
- هل هي فرط صوتية؟ سرعة 9 ماخ (أو حتى 13 ماخ) هي بلا شك فرط صوتية. السؤال الأعمق هو: أي نوع كان؟ صاروخ باليستي معدل؟ أم صاروخ كروز فرط صوتي؟ أم مركبة انزلاق (HGV)؟ الإعلان الحوثي لم يقدم تفاصيل تقنية.
4.2 المصدر: الدعم الإيراني كعامل حاسم
يعتمد جيش أنصار الله (الحوثيون) بشكل شبه كامل على الدعم الفني والعسكري الإيراني. ظهور الصواريخ الفرط صوتية اليمنية مرجح بشدة أن يكون امتداداً لتطوير إيران لهذه التكنولوجيا:
- الإعلان الإيراني: في 2023، أعلنت إيران عن كشف النقاب عن صاروخ فرط صوتي أطلقت عليه اسم “فاتح” أو “فاتميان”، مدعيةً أنه يمتلك مركبة انزلاقية قادرة على المناورة بسرعة 12-15 ماخ ومدى 1400 كم. لم تقدم إيران أدلة قاطعة على اختبارات ناجحة كاملة.
- نقل التكنولوجيا: توجد قنوات مثبتة لنقل صواريخ باليستية وأنظمة طيران مسيرة من إيران إلى الحوثيين عبر البر والبحر. من المنطقي افتراض أن التكنولوجيا الفرط صوتية (أو مكوناتها) تتبع المسار نفسه. قد تكون التجارب الحوثية جزءاً من اختبارات إيران العملية في ظروف حقيقية.
- الطبيعة التصعيدية: امتلاك الحوثيين لهذه القدرات، حتى لو كانت محدودة المدى والدقة مقارنة بالقوى الكبرى، يمثل تصعيداً خطيراً. فهو يوسع نطاق التهديد الذي يشكله الحوثيون من استهداف الشحن البحري في البحر الأحمر (بصواريخ كروز مضادة للسفن وطائرات مسيرة) إلى تهديد الأراضي الإسرائيلية بشكل مباشر، وتحدي أنظمة الدفاع الجوي الإقليمية (مثل “القبة الحديدية” الإسرائيلية التي صُممت للتعامل مع صواريخ أبطأ مثل قسام وغراد).
4.3 التقييم الاستراتيجي والأمني:
ظهور الصواريخ الفرط صوتية اليمنية له تداعيات عميقة:
- تغيير قواعد اللعبة الإقليمي: يمنح فاعل غير دولة سلاحاً استراتيجياً كان حكراً حتى وقت قريب على القوى العظمى وبعض القوى الإقليمية الكبرى. هذا يخلق حالة من عدم الاستقرار وعدم التناظر في الردع.
- تهديد مباشر لإسرائيل: يضعف الحسابات الأمنية الإسرائيلية التي تعتمد على العمق الاستراتيجي وتفوق أنظمة الدفاع الصاروخي. حتى لو كان الاعتراض ممكناً في بعض الحالات، فإن التكلفة الباهظة لصواريخ الاعتراض (مثل صواريخ “حيتس”) مقابل صاروخ فرط صوتي واحد تشكل عبئاً اقتصادياً وأمنياً.
- اختبار للدفاعات السعودية والإماراتية: قدرة هذه الصواريخ على الوصول إلى إسرائيل تعني أنها قادرة نظرياً على ضرب أي هدف في شبه الجزيرة العربية والخليج. أنظمة الدفاع الصاروخي في هذه الدول (مثل باتريوت وثاد) قد تواجه تحديات جسيمة في التعامل معها.
- إثبات لمفهوم الانتشار: يثبت أن هذه التكنولوجيا المتقدمة يمكن نقلها وتسريبها إلى فاعلين غير دول وكتل سياسية-عسكرية في مناطق متوترة. هذا يزيد مخاطر انتشارها لجهات أخرى مثل حزب الله في لبنان، الذي يمتلك ترسانة صاروخية كبيرة ويشتبه في تلقيه دعماً إيرانياً متقدماً.
- استفزاز للاستجابة الدولية: يزيد الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها لتطوير وتسريع نشر أنظمة دفاع مضادة للصواريخ الفرط صوتية ليس فقط لحماية قواتهم، بل أيضاً لحماية الحلفاء الإقليميين. كما يدفع نحو فرض عقوبات أكثر صرامة على شبكات نقل الأسلحة الإيرانية.
- تحديد نوعية التهديد: السؤال المحوري للمجتمع الاستخباراتي الإسرائيلي والدولي هو: هل الصواريخ الحوثية قادرة حقاً على مناورة جوهرية بسرعات فرط صوتية (مثل HGVs)، أم أنها مجرد صواريخ باليستية معدلة لتحقيق سرعات عالية بمسار ثابت نسبياً؟ الإجابة تحدد مستوى التهديد الحقيقي واستراتيجيات المواجهة.
التحدي الدفاعي – مطاردة الظل السريع
5.1 صعوبات الاعتراض: لماذا هي معضلة؟
تعكس صعوبة اعتراض الصواريخ الفرط صوتية جوهر تفوقها التكنولوجي:
- السرعة الهائلة: تقليل زمن رد الفعل المتاح لأنظمة الكشف والدفاع بشكل كبير.
- المناورة غير المتوقعة: تعطيل قدرة أنظمة الاعتراض الحالية (المصممة أساساً لمسار باليستي متوقع) على حساب نقطة الاعتراض المستقبلية (Predicted Intercept Point – PIP).
- الارتفاع المتوسط: وجودها في منطقة بين الغلاف الجوي والفضاء تجعلها أقل وضوحاً لرادارات الإنذار المبكر الفضائية (التي تركز على الصواريخ الباليستية العالية) وأقل وضوحاً أيضاً لرادارات الدفاع الجوي الأرضية التقليدية (التي تغطي ارتفاعات منخفضة ومتوسطة).
- البصمة الحرارية الصعبة: بينما تولد حرارة هائلة، فإن اكتشافها وتتبعها بواسطة مستشعرات الأشعة تحت الحمراء يتطلب تلسكوبات فائقة الحساسية وقدرة معالجة هائلة لتمييزها عن الخلفية الحرارية.
5.2 استراتيجيات المواجهة تحت التطوير:
تتركز الجهود الدفاعية على عدة محاور:
- تحسين الكشف والإنذار المبكر:
- تطوير أقمار صناعية متخصصة بكواشف أشعة تحت حمراء فائقة الحساسية (Next-Gen Overhead Persistent Infrared – Next-Gen OPIR) لاكتشاف الحرارة الشديدة للإطلاق والطيران.
- نشر شبكات رادار أرضية وبحرية وجوية متطورة تعمل بأطوال موجية مختلفة (بما في ذلك الرادارات النبضية-دوبلر عالية التردد) قادرة على تتبع الأهداف الصغيرة والسريعة والمناورة على ارتفاعات عالية.
- ربط كافة مستشعرات الكشف (فضاء، جو، أرض، بحر) في شبكة دفاع موحدة (Integrated Air and Missile Defense – IAMD) باستخدام الذكاء الاصطناعي ومعالجة البيانات الضخمة لتكوين صورة تتبع دقيقة في الوقت الحقيقي.
- تطوير أنظمة اعتراض متطورة:
- صواريخ اعتراضية فرط صوتية: تطوير صواريخ اعتراضية قادرة على الطيران بسرعات فرط صوتية (6+ ماخ) وإجراء مناورات عنيفة لملاحقة الهدف (مثل مشروع Glide Phase Interceptor الأمريكي). هذه هي الاستجابة المباشرة.
- صواريخ اعتراضية قادرة على المناورة بسرعات عالية: تطوير جيل جديد من صواريخ الاعتراض (مثل SM-6 Block IB) ذات قدرات مناورة فائقة لاعتراض أهداف مناورة.
- أسلحة الطاقة الموجهة: الاستثمار في أسلحة الليزر القوية (High-Energy Lasers – HEL) وأسلحة الميكروويف (High-Power Microwaves – HPM) التي تضرب بسرعة الضوء، لتدمير أو تعطيل الصواريخ الفرط صوتية خلال ثوان من التوجيه. هذه التكنولوجيا واعدة لكنها تتحدى