ينابيع

الصحابي الجليل عمرو بن معد يكرب الزبيدي

حين نتحدث عن البطولة والفروسية، لا يمكن تجاوز اسم عمرو بن معد يكرب الزبيدي، الفارس اليماني الذي سطّر اسمه بأحرفٍ من نور في ميادين القتال، وأصبح مضرب المثل في الشجاعة والإقدام. كان فارسًا لا يشق له غبار، وشاعرًا يلهب الحماس بقصائده، وسيفًا مسلولًا في وجه أعدائه، لا يهاب الموت ولا يتراجع أمامه.عُرف عنه أنه لا يبيت على ضيم، وأنه كان فارسًا منقطع النظير، لم ينازله أحد إلا وذاق طعم الهزيمة على يديه.

نسبه وأصله
هو: عمرو بن معدي يكرب بن عبد الله بن عمرِو بن عصم بن عمرِو بن زبيد الأصغر بن ربيعة بن سلمة بن مازن بن ربيعة بن منبه، وهو زبيد الأكبر بن الحارث بن صعب بن سَعْد العشيرة بن مذحج بن أدد بن عريب بن يشجب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان
ينتمي عمر إلى قبيلة زبيد بن سعد العشيرة بن مذحج، إحدى أعظم قبائل اليمن وأشدها بأسًا. كان سيدًا في قومه، مشهورًا بكرمه وشجاعته قبل و بعد الإسلام

إسلامه وانضمامه إلى جيش المسلمين

أسلم عمر في عهد النبي ﷺ، لكنه ارتد بعد وفاة الرسول مع من ارتد من أهل اليمن، ثم عاد إلى الإسلام على يد الخليفة أبي بكر الصديق بعد أن رأى ثبات المسلمين وقوة دعوتهم. ولما عاد إلى الإسلام، لم يكن مجرد رجل قبيلة، بل أصبح واحدًا من فرسان الإسلام الذين لا يُشق لهم غبار، مقاتلًا ببأسه الذي عرف به، مستخدمًا شجاعته في نصرة الدين.

دوره في معركة القادسية واليرموك

شارك في معارك الفتح الإسلامي في الشام والعراق وشهد معركة اليرموك والقادسية،
ولم يتخلف عن حرب مع المسلمين ضد أعدائهم قط
في يوم اليرموك حارب في شجاعة واستبسال يبحث عن الشهادة، حتى انهزم الأعداء، وفروا أمام جند الله. وقبيل معركة القادسية طلب قائد الجيش الاسلامي سعد بن أبي وقاص مددًا من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ليستعين به على حرب الفرس،
فأرسل أمير المؤمنين إلى سعد رجلين فقط، هما:
عمرو بن معد يكرب، وطليحة بن خويلد،
وقال في رسالته لسعد: إني أمددتك بألفي رجل.
وعندما بدأ القتال ألقى عمرو بنفسه بين صفوف الأعداء يضرب فيهم يمينًا ويسارًا، فلما رآه المسلمون؛
هجموا خلفه يحصدون رءوس الفرس حصدًا، وأثناء القتال وقف عمرو وسط الجند يشجعهم على القتال قائلاً:
يا معشر العرب كونوا أسودًا أشدَّاء،
فإن الفارس إذا ألقى رمحه يئس.
فلما رآه أحد قواد الفرس يشجع أصحابه رماه بنبل، فأصابت قوسه ولم تصبه،
فهجم عليه عمرو فطعنه، ثم أخذه بين صفوف المسلمين، واحتز رأسه، وقال للمسلمين:
اصنعوا هكذا. وظل يقاتل حتى أتمَّ الله النصر للمسلمين.
وفي معركة نهاوند، استعصى فتح نهاوند على المسلمين،
فأرسل عمر بن الخطاب إلى النعمان بن مقرن قائد الجيش قائلاً: اسْتَشِر واستعن في حربك بطلحة وعمرو بن معد يكرب، وشاورهما في الحرب،
فإن كل صانع هو أعلم بصناعته.
وقاتل عمرو في هذه المعركة أشدَّ قتال حتى كثرت جراحه،
وفتح الله على المسلمين نهاوند، وظفر عمرو في تلك المعركة بالشهادة، ودفن بقرية رُوذَة من قرى نهاوند
افتخر في شعره أنه هو الذي قتل قائد الفرس في تلك المعركة (رستم)، قال:
قد علمت سلمى وجاراتها
ما قطَّر الفارس إلا أنـا
شككت بالرمح حيازيمه
والخيل تعدو زيما بيننـا
وقال في فعله وفعل قومه في معركة القادسية:
والقادسية حين زاحم رستم
كنا الحماة بهن كالأشطـان
الضاربين بكل أبيض مخذّم
والطاعنين مجامع الأضغان
وقد كانت وفاته مجاهدا على اثر اصابته بجراح في معركة نهاوند
عام 21هـ على أرجح الأقوال.
وهو حكيم وله أقوال وأشعار تدل على حكمته البالغة،
يقول في الحكمة:
فمن ذا عاذري من ذي سفاهٍ
يرودُ بنفسه شـر المـرادِ
لقد أسمعت لو ناديت حيـا
ولكن لا حياة لمـن تنـادي
ولو نارٌ نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في الرمـادِ
أريد حياته ويريـد قتلـي
عذيرك من خليلك من مُراد
وكان يستخدم في بعض شعره الإم الحميرية بدل لام التعريف،
وهو أسلوب لغوي لازال يستخدم في تهامة حتى الآن،

سيفه الصمصامة

وهو أشهر سيوف العرب قاطبة، اهداه إلى خالد بن سعد بن العاص : وكانت ملوك بني اومية والعباسيين يتوارثون سيفه الصمصامة ويتفاخرون به وقال حين اهداه لخالد ابن سعيد ابن العاص …
وهبـت لخالـدٍ سيفـي ثوابـا
على امصمصامة امسيف امسلام
خليلـم لـم أهبـه مـن قـلاه
ولكن امتواهـب فـي امكـرام
ويقول:
يبرون عظمي وهمي جبرُ أعظُمهم
شتان ما بيننا في كل مـا سبـب
أهـوى بقاءهـم وأكـثـر مــا
يهوون أن أغتدي في حفرة امتربِ
وكان له مواقف كثيرة مع خليفة المسلمين
عمر بن الخطاب رضي الله عنه،
وكان يعرف قدره، وعده بألف فارس، وكان يوصي قادته باستشارة عمرو بن معد يكرب في سير معارك الفتوحات الإسلامية التي كان يشارك فيها.
ويلخص في الأبيات التالية استراتيجيته الحربية، البعيدة عن الغرور بالنفس،

إذا لم تستطع شيئا فدعـه
وجاوزة إلى ما تستطيـعُ
وصله بالزِّماع فكل أمـر
سما لك أو سموت له ولوعُ
من اشعاره
يذكر اليوم المتقدم بين عشيرته وجارتها جرم
وبين بني الحرث بن كعب وبني نهد
لَيْسَ الجَمَالُ بِمِئزَرٍ فَاعْلَمْ وإنْ رُدِّيْتَ بُرْدا
إنَّ الجَمَالَ مَعَادِنٌ وَمَنَاقِبٌ أُورِثْنَ مَجْدا
أَعْدَدْتُ لِلْحَدَثَانِ سَابِغَةً وَعَدّاَءً عَلَنْدَى
نَهْدَاً وَذَا شُطَبٍ يَقِدُّ البِيْضَ وَالأَبْدَانَ قَدَّا
وَعَلِمْتُ أَنِّيْ يَوْمَ ذَاكَ مُنَازِلُ كَعْبَاً وَنَهْدَا
قَوْمٌ إِذَا لَبِسُوا الحَدِيدَ تَنَمَرُوا حِلَقَا وَقِدَّا
كُلُّ امْرِئٍ يَجْرِيْ إِلَىْ يَوْمِ الهِيَاجِ بِمَا اسْتَعَدَا
لَمَّا رَأَيْتُ نِسَاءَنَا يَفْحَصْنَ بِالمَعْزَاءِ شَدَّا
وَبَدَتْ لَمِيْسُ كَأَنَّهَا بَدْرُ السَمَاءِ إِذَا تَبَدَّى
وَبَدَتْ مَحَاسِنُهَا التِي تَخْفَى وَكَانَ الأَمْرُ جِدَّا
نَازَلْتُ كَبْشَهُمُ وَلَمْ أَرَ مِنْ نَزَالِ الكَبْشِ بُدَّا
هُمْ يَنْذُرُونَ دَمِيْ وَأَنُذُرُ إِنْ لَقِيتُ بِأَنْ اَشُدَّا
كَمْ مِنْ أَخٍ لِيّ َ صَالِحٍ بَوَأتُهُ بِيَدَّيَ لَحْدَا
مَا إِنْ جَزِعْتُ وَلا هَلِعْتُ وَلا يَرِدُ بُكَاي زَنْدَا
أْلَبسْتُهُ أثْوَابَهُ وَخُلِقْتُ يَوْمَ خُلِقْتُ جَلْدَا
أُغْنِي غِنَاءَ الذَّاهِبِينَ أَعُدّ َ لِلأَعْدَاءِ عَدَّاَ
ذَهَبَ الذِينَ أُحُبُهُمْ وَبَقِيتُ مَثْلَ السَّيْفِ فَرْدَا

خاتمة
عمر بن معد كرب ليس مجرد اسم في صفحات التاريخ، بل هو أسطورة من أساطير اليمن، فارس لم يرضَ بالهوان، وقائد لم يعرف التراجع، وشاعر خط بلسانه تاريخ الفروسية. إنه فخر لكل يمني، ورمزٌ للعزة والشجاعة التي لا تنكسر. رحم الله الفارس اليماني العظيم، وجعل بطولاته ملهمة لأبناء اليمن وأحفاده في كل زمان ومكان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock