لقد فرض الله عز وجل على عباده الطاعات والعبادات ومنها الحج لتحقيق غايات عظيمة وحِكَم بالغة. فالصلاة، على سبيل المثال، ليست مجرد حركات، بل هي وسيلة لتهذيب النفس والبعد عن الفحشاء والمنكر، كما جاء في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}. والصيام، كذلك، يهدف إلى غاية أسمى وهي التقوى، مصداقًا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. هذا المبدأ ينطبق على سائر أركان الإسلام الخمسة.
فما هي إذًا الغاية العظمى للحج، ولماذا فرضه الله على المسلمين لمن استطاع إليه سبيلًا؟
للإجابة عن هذا التساؤل الجوهري، نتدبر آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تكشف عن هذا المقصد العظيم:
يقول الله عز وجل في محكم آياته:
- {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (الحج: 28).
- {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} (البقرة: 198).
- {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} (البقرة: 198).
- {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (البقرة: 199).
- {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} (البقرة: 200).
- {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (البقرة: 203).
- {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (الحج: 34).
- {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (الحج: 34-35).
- {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} (الحج: 36).
- {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (الحج: 37).
كما يؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الغاية بقوله: ((إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ)).
يتضح من النصوص الشرعية السابقة، أن الغاية العظمى للحج هي ذكر الله تبارك وتعالى، وتمجيده، وحمده، والثناء عليه. كل مناسك الحج، من الطواف والسعي ورمي الجمرات، صُممت لتكون محطات يتجدد فيها ذكر الله وتتضاعف فيه الصلة بالخالق.
ولذلك، يجب على المسلم أن يُدرك هذه الغاية السامية، وأن يحرص على أن لا يفتر لسانه عن ذكر الله سبحانه وتعالى طوال أيام هذه الرحلة الروحانية العظيمة، وأن يجعل منها منطلقًا لحياة يملؤها الذكر والعبادة والتقرب إلى الله.
مواضيع ذات صلة : الاعمال المستحبة ليوم عرفة لغير الحاج