الحافي وش يرجع وأين هي ديارهم حاليا

الحافي وش يرجع ؟ هذا السؤال ليس مجرد استفسار عن النسب، بل هو بوابة لولوج عالم من الصمود والهوية والانتماء الذي تجاوز حدود الجغرافيا.
في قلب حكايات العائلات العريقة، تبرز أسرة تحمل اسماً يحمل دلالات عميقة من الزهد والتواضع والتاريخ الممتد: الحافي. اسم يثير التساؤل ويحمل في طياته رحلة مضنية عبر القرون والقارات.
تروي عائلة الحافي قصةً هي جزء لا يتجزأ من نسيج التاريخ العربي والإسلامي، من شبه الجزيرة العربية حيث أصولهم الضاربة في قبيلة عتيبة العريقة، إلى فلسطين حيث رسّخوا وجودهم، وصولاً إلى شتات العالم بعد النكبة، حاملين معهم إرثاً لا يُنسى.
الحافي روقي ولا برقاوي
لا يمكن الحديث عن عائلة الحافي دون العودة إلى الجذور الأولى، تلك التي تمتد عميقاً في تربة شبه الجزيرة العربية. الحافي وش يرجع في سياق النسب العائلي والقبلي؟ تشير الروايات الموثقة والأبحاث الجينية والتاريخ الشفهي المتوارث إلى أن العائلة تنتمي إلى قبيلة عتيبة، إحدى كبريات القبائل العربية وأعرقها في نجد والحجاز. وتحديداً، فهم من “الحفاة”، وهم فرع ينتمي إلى “طلحة” من “الروقة”، أحد أفخاذ عتيبة الرئيسية.
نشأ الحفاة أسلاف عائلة الحافي في منطقة الطائف وما جاورها من أرض الحجاز. حياة قاسية تخللتها فترات من الفاقة والفقر دفعت ببعض فروع الحفاة إلى النزوح شرقاً نحو نجد، بحثاً عن الكلأ والماء واستقرارٍ أفضل. استقر هؤلاء في مناطق مثل الرياض والدوادمي والأرطاوي وعسيلة ساجر ومغيب السر. كانت تلك الحقبة حافلة بالأحداث والتحالفات والمنافسات القبلية، حيث شارك أسلاف الحفاة في معارك وحروب ساهمت في تشكيل خارطة القبائل في نجد، وكان لهم دور بارز في ترسيخ وجود عتيبة في تلك المناطق.
الاسم ودلالاته: يحمل اسم “الحافي” دلالات متعددة، أشهرها ارتباطه بالزهد والتقشف. وقد يُعزى اللقب إلى الجد المؤسس أو أحد الأسلاف البارزين الذي عُرف بزهده وابتعاده عن مظاهر الدنيا، حتى أنه كان يمشي حافياً، تيمناً أو تأسياً ببعض الزهاد والصالحين في التاريخ الإسلامي، مثل بشر بن الحارث الحافي البغدادي (توفي 227 هـ) الذي اشتهر بالزهد الشديد وعدم ارتداء النعل. هذا الارتباط الروحي بالاسم أضفى عليه بعداً معنوياً عميقاً يتجاوز مجرد دلالة النسب.
شجرة عائلة الحافي وهجرتها نحو الشام وفلسطين
لم تكن حياة البادية وصراعاتها دائماً قادرة على تأمين مستقبل مستقر. اشتدت قسوة الظروف مرة أخرى، فانطلق أسلاف عائلة الحافي في فلسطين في رحلة هجرة جديدة، هذه المرة نحو الشمال، نحو بلاد الشام وفلسطين، طلباً للرزق الأوفر والعيش الكريم في مدنها المزدهرة وقراها الخصبة.
استقرت مجموعة أساسية من الحفاة في مدينة اللد التاريخية، الواقعة في السهل الساحلي الفلسطيني، والتي كانت تشكل مركزاً تجارياً وزراعياً مهماً. كما استقر فرع آخر في مدينة يافا الساحلية المجاورة. هؤلاء المهاجرون من الحفاة هم أبناء عمومة، حافظوا على روابط الدم والانتماء القبلي رغم تباعد أماكن الاستقرار. في اللد، أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من نسيج المدينة الاجتماعي، وسكنوا في حارتيها الشرقية والغربية، مع تركيز أكبر في الحارة الشرقية حسبما تذكر المصادر مثل كتاب “اللد موقعاً وشهرة وتاريخاً ونضالاً” للدكتور مصطفى الفار.
التفرع والتسمية في فلسطين: مع مرور الزمن وتكاثر الأسر، تشعبت عائلة الحافي في اللد إلى عدة أفخاد وعائلات فرعية حملت أسماءً مميزة، لكنها ظلت متحدرة من الأصل الواحد “الحافي” من “طلحة” من “الروقة” من “عتيبة”. من أهم هذه الفروع:
- أبو أصبع: وهو فرع كبير، وهناك روايات تشير إلى أن بعض من حملوا هذا اللقب (أو أبو أصبع بس) هم في الأصل من الحافي، وقد غيروا اللقب في فترة ما إبان الحكم العثماني أو الانتداب البريطاني تهرباً من الخدمة العسكرية الإجبارية، بينما استمر آخرون في حمل لقب “أبو أصبع الحافي” للإشارة إلى الجذور الواحدة.
- حامدة: فرع بارز من عائلة الحافي في اللد.
- الجعبا (أو الجعبري): فرع آخر معروف.
- عبده الحافي: فرع يحمل اسم الجد عبده مع الإبقاء على اللقب الأصلي “الحافي”.
عمل أبناء العائلة في اللد قبل النكبة في شتى المهن التي شكلت عصب الاقتصاد الفلسطيني: الزراعة (وخاصة الحمضيات في السهل الساحلي الخصب)، والحرف اليدوية المتنوعة، والتجارة المحلية، والصناعات البسيطة والتحويلية. بنوا بيوتهم وزرعوا أرضهم وشاركوا في الحياة الاجتماعية والثقافية للمدينة، ليكونوا شاهداً على حقبة من الازدهار النسبي قبل العاصفة.
عائلة الحافي في فلسطين
كان عام 1948 نقطة تحول جذرية ومأساوية ليس فقط في تاريخ فلسطين، بل في تاريخ كل عائلة فلسطينية، وعائلة الحافي في اللد ويافا لم تكن استثناءً. شهدت مدنهم، وخاصة اللد التي وقعت تحت سيطرة القوات الإسرائيلية بعد معارك شرسة ومجازر مروعة، عملية تهجير قسري ممنهج. تعرض أبناء العائلة، كسائر أبناء شعبهم، للطرد العنيف من ديارهم وأراضيهم التي عاشوا عليها لأجيال.
تشتتت العائلة في أرجاء العالم:
- لجأ قسم كبير منهم إلى مخيمات اللجوء في الأردن (مثل مخيم الرصيفة، مخيم الحصن) وفي الضفة الغربية وقطاع غزة.
- هاجر آخرون بحثاً عن فرص العيش والعمل إلى دول الخليج العربي، وخاصة سلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
- بلغت الهجرة بقسوتها إلى أبعد من ذلك، فاستقر بعض أفراد العائلة في الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل ودول أخرى في أوروبا والأمريكتين.
- بقي قلة قليلة من أبناء العائلة صامدة في مدينتهم الأصلية اللد، يعيشون كأقلية في وطنهم، يواجهون تحديات الحفاظ على الهوية والوجود.
هذا التشتت القسري لم يُفْصِم عُرى العائلة، بل زاد من تمسك أبنائها بهويتهم وانتمائهم. أصبح اسم “الحافي” ومدينة “اللد” وقرية الأصل في نجد وحمى عتيبة، رموزاً للهوية تجمع الشتات. حمل المهجرون معهم ذكريات الدار والزيتون والبرتقال، وقصص الجدود وأمجاد القبيلة، ونقلوها إلى الأجيال المولودة في المنفى.
رجالات من نور: أعلام عائلة الحافي في ميادين الجهاد والعلم والثقافة
برز من بين صفوف عائلة الحافي، على امتداد جغرافيا الشتات، عدد من الشخصيات البارزة التي سطرت أسماءها في مختلف المجالات، منوهة بقدرات أبناء هذه العائلة ومساهماتهم المجتمعية والعلمية والوطنية. هؤلاء الرجال والنسة ليسوا مجرد أسماء، بل هم تجسيد حي لتاريخ العائلة وقيمها:
- الشهداء شموخٌ لا ينكسر: مثل الشهيد هاشم محمد عبد الفتاح حامدة “الحافي”. ولد في اللد، وانخرط في العمل الوطني، وكان مناضلاً في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. سقط شهيداً بتاريخ 20 مايو 1975 في مدينة رفح بقطاع غزة أثناء اشتباك عسكري، مثمناً حريته وكرامة شعبه بدمه الطاهر.
- العلم فخرٌ للأمة: يعد الدكتور عامر الحافي (المقيم في الأردن) أحد أبرز الأكاديميين العرب في مجال دراسة الأديان والمقارنة بين العقائد. يشغل موقع أستاذ الأديان والعقائد في جامعة آل البيت الأردنية. تميز بأبحاثه العلمية القيمة والمتميزة التي تسهم في فهم أعمق للتنوع الديني وقيم الحوار. شارك في مؤتمرات دولية رفيعة المستوى، أبرزها مؤتمر حوار الأديان في روما. كما يطل بانتظام عبر شاشات التلفزيون الأردني في برامج دينية وفكرية، وكان ضيفاً متميزاً في عدة حلقات من البرنامج الشهير “الشريعة والحياة” على قناة الجزيرة، محاوراً قضايا دينية معاصرة بعمق وموضوعية.
- الإعلام صوتٌ وصدى: رحل الإعلامي خالد محمد الحافي (من الأردن) في ظروف مأساوية وغامضة، حيث عُثر عليه مقتولاً في منزله في عمان. كان إعلامياً معروفاً ومحترفاً، عمل في التلفزيون الأردني كمذيع للأخبار، وتميز بتقديم النشرات باللغة العبرية، مما يشير إلى تمكنه اللغوي وقدرته على مخاطبة جمهور متنوع. ترك رحيله المفاجئ ألماً وغماً في الأوساط الإعلامية والعائلية.
- الاقتصاد والخدمة العامة عطاءٌ متواصل: مثل الأستاذ عمر الحافي (في الأردن)، الذي شغل منصب رئيس ديوان أهالي اللد في الرصيفة (وهو تجمع لأبناء اللد المهجرين)، وكان دوره محورياً في رعاية شؤون الجالية وتنظيم فعالياتها الاجتماعية والوطنية. كما برز كتاجر ناجح، ويمتلك شركة متخصصة في تصنيع وتجهيز معدات المطاعم والسوبرماركات، مساهماً في الاقتصاد المحلي.
- الرياضة إنجازٌ عالمي: قدم الحكم الدولي السابق ولاعب كرة القدم الدولي السابق، الأستاذ إسماعيل الحافي (من الأردن)، إسهامات لافتة على المستويين المحلي والدولي. لعب سابقاً لفريق الأهلي الأردني ومنتخب الأردن. بعد اعتزال اللعب، برز كواحد من ألمع حكام كرة القدم في آسيا. تولى مناصب قيادية رفيعة في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، أهمها مسؤول تطوير الحكام في دول آسيا. قام بتدريب وإلقاء محاضرات للحكام في العديد من دول القارة الآسيوية، كما شغل منصب رئيس لجنة الحكام في الاتحاد الأردني لكرة القدم سابقاً، وساهم بشكل كبير في رفع مستوى التحكيم الأردني والعربي.
- القانون والعدالة دربٌ شاق: يمثل المحامي محمود الحافي (في الأردن) نموذجاً للمحامي الناشط في الدفاع عن الحقوق والحريات. معروف بنشاطه البارز في المجال السياسي والحقوقي. وصلت ثقة زملائه به إلى انتخابه ليشغل منصب نقيب المحامين في الرصيفة بمدينة عمان، مسؤولاً عن شؤون المحامين والدفاع عن مصالحهم ومهنتهم في تلك المنطقة.
- التربية والتعليم بناءٌ للأجيال: في مدينة اللد المحتلة، تقف المربية شيرين الحافي شاهداً على الصمود التربوي. تسكن في حي المحطة وتشغل حالياً منصب مديرة المدرسة العربية الثانوية في مدينة اللد. تواجه المربية شيرين تحديات جسيمة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون داخل أراضي الـ48، وخصوصاً في مدن المختلطة مثل اللد. تكرس جهودها المشكورة لتقديم تعليم نوعي والحفاظ على الهوية العربية والتراث الفلسطيني لأبناء المدينة في بيئة تعليمية صعبة، حيث تعمل المدرسة على خدمة الطلاب العرب المتبقين في اللد، مما يجعل دورها التربوي مضاعف الأهمية ومشهوداً له.
هؤلاء الأسماء، وغيرهم الكثير ممن لم تسعفهم المساحة هنا، هم رموز مشرقة في تاريخ عائلة الحافي، يجسدون قيم الجهاد والعلم والعمل والانتماء التي تربوا عليها، ويؤكدون أن العائلة، رغم تشتتها، واصلت العطاء والإنجاز في كل مكان حلّت فيه.
جسور تواصل عبر الشتات وإرث يتجدد
اليوم، تعيش الغالبية العظمى من أبناء عائلة الحافي خارج مدينتهم الأم اللد. الأردن يُعد موطناً لأكبر تجمع لهم، حيث استقرت أعداد كبيرة في العاصمة عمان ومدن مثل الزرقاء (وخاصة في الرصيفة) والسلط وإربد. كما يوجد حضور ملحوظ لهم في الضفة الغربية (وخاصة في مناطق مثل نابلس وبرقا التي استقر فيها فرع قديم من الحفاة)، وفي قطاع غزة. لا يزال قلة من أبناء العائلة يقاومون محاولات التهويد والطمس ويصرون على البقاء في اللد نفسها، محافظين على جذوة الانتماء حية.
أدرك أبناء الجيلين الثاني والثالث بعد النكبة أهمية توثيق النسب وتعزيز الروابط العائلية الممتدة عبر القارات. نشأت مبادرات عدة، أبرزها تأسيس “رابطة أبناء عائلة الحافي”. تعمل هذه الرابطة، وغيرها من المجموعات والتجمعات العائلية، على:
- توثيق شجرة العائلة: جمع المعلومات عن الأفرع المختلفة وتحديد أواصر القربى.
- تنظيم اللقاءات الدورية: سواء في الأردن أو فلسطين أو دول الاغتراب، لتعزيز التواصل الاجتماعي بين الأفراد.
- دعم أبناء العائلة: تقديم المساعدات الاجتماعية والتعليمية عند الحاجة.
- الحفاظ على التراث والهوية: نقل تاريخ العائلة وجذورها العتيبة وجهاد أبنائها إلى الأجيال الجديدة.
- نشر الوعي بأصول العائلة: الإجابة على السؤال الدائم “الحافي وش يرجع” بشكل موثق.
طموح المستقبل: يتطلع العديد من أبناء العائلة إلى تطوير هذه الروابط لتصبح أكثر مؤسسية وفعالية. هناك حلم بإنشاء “ديوان عام كبير لعائلة الحافي”، ليس فقط في الأردن، بل يكون نقطة تجمع رئيسية، قادرة على جمع شمل جميع الأفرع الممتدة من اللد وأبناء عمومتهم من يافا، مع أبناء العائلة الصامدين في داخل فلسطين المحتلة عام 48، وأبناء الشتات في مختلف أنحاء العالم. مثل هذا الديوان سيكون نصباً حياً للانتماء وصرحاً يحفظ الذاكرة ويوحد الجهود.
خاتمة: الحافي.. أكثر من مجرد اسم
الحافي وش يرجع؟ إنها رحلة تبدأ من حافي القدمين زاهداً في بغداد، أو من بادية عتيبة في نجد والحجاز، تمر بمدينة اللد الفلسطينية بزيتونها وبرتقالها وحاراتها العتيقة، وتواجه عاصفة النكبة بصلابة، لتنتهي – مؤقتاً – متناثرةً بين مخيمات اللجوء ومدن الشتات، حاملةً معها إرثاً من العراقة والصمود والإنجاز. عائلة الحافي هي نموذج مصغر لتاريخ فلسطين الحديث: جذور ضاربة في عمق الجزيرة العربية، ازدهار وتجذر في الأرض الفلسطينية، محنة التهجير والشتات، ثم إرادة البقاء والتحدي والنجاح في أصعب الظروف.
الاسم “الحافي” لم يعد مجرد لقب عائلي، بل تحول إلى رمز للانتماء والهوية يتحدى النسيان. إنه اسم يحمل في حروفه قصة شعب، وصدى تاريخ، وإرادة جيل بعد جيل للحفاظ على الذاكرة وبناء المستقبل، حافياً إن لزم الأمر، لكنه ثابت الخطى على درب العودة والكرامة. فهم أبناء عتيبة، وأبناء اللد ويافا، وأبناء فلسطين، يشيدون مجدهم أينما حلوا، مؤكدين أن الجذور العميقة لا تقتلعها رياح الشتات.
مواضيع ذات صلة: