الطلاق في الإسلام مفهومه وشروطه وأحكامه بين الشريعة والقانون

يُعد الطلاق في الإسلام فصلاً لعقد الزواج، وهو من القضايا الجوهرية التي تثير الكثير من التساؤلات والاجتهادات الفقهية والقانونية. على الرغم من أن الشريعة الإسلامية أباحت الطلاق كحل أخير للنزاعات الزوجية المستعصية، إلا أنها أحاطته بالعديد من الضوابط والشروط، وجعلته أبغض الحلال عند الله، لما يترتب عليه من آثار سلبية على الفرد والأسرة والمجتمع. في هذا المقال، سنستعرض مفهوم الطلاق، تاريخه قبل الإسلام، تشريع الزواج والطلاق في الإسلام، شروط الطلاق وأركانه عند المذاهب الإسلامية والقانون المصري، وأنواع الطلاق وحالات عدم وقوعه، بالإضافة إلى حقوق الزوجة في الطلاق للضرر.
الطلاق في الإسلام: تعريف ومفهوم
عرّف علماء الفقه الطلاق في الإسلام بأنه “حل عقد النكاح بلفظ صريح، أو كناية مع النية”. هذا التعريف يُبرز ركنين أساسيين في وقوع الطلاق: اللفظ، والنية (في بعض الحالات).
الألفاظ الصريحة للطلاق هي الكلمات التي لا تحتمل إلا معنى الطلاق، مثل: “الطلاق”، “الفراق”، و”السراح”. إذا نُطق بهذه الألفاظ من قبل الزوج، يقع الطلاق مباشرة دون الحاجة إلى نية مسبقة، نظراً لوضوح دلالتها.
أما الكناية، فهي “كل لفظ احتمل الطلاق وغيره”، أي الكلمات التي قد تُفهم على أنها طلاق أو قد تُفهم على معنى آخر. من أمثلة الكنايات: “اذهبي إلى أهلك”، “لا شأن لي بك”، “أنتِ حرة”، ونحو ذلك. في حالة الكنايات، لا يقع الطلاق إلا إذا نوى الزوج بها الطلاق وقت النطق بها. فإذا نطق بها بقصد آخر، كالتوديع أو التهديد، فلا يقع الطلاق.
طريقة وقوع الطلاق تتم بأن ينطق الرجل السليم العقل كلمة الطلاق (أو يمين الطلاق) أمام زوجته في حضورها، أو في غيابها (عن طريق إبلاغها أو إخبار القاضي)، أو ينطقها أمام القاضي وفق شريعة الإسلام وأغلب مذاهبه. هذا يُشير إلى أن الطلاق لا يتطلب بالضرورة حضور الزوجة أو علمها الفوري لوقوعه، ولكن العلم ضروري لترتيب الآثار الشرعية والقانونية للطلاق، مثل بدء العدة.
مواضيع ذات صلة:
دعاء ابطال السحر والعين والحسد مكتوب | التوبة النصوح شروطها وفوائدها |
حسبي الله سيؤتينا الله من فضله | ياحي ياقيوم برحمتك استغيث |
الطلاق قبل ظهور الإسلام: حق مطلق بلا قيود
قبل ظهور الإسلام، كانت المجتمعات العربية تُمارس الطلاق بشكل مختلف عما هو عليه اليوم. كان الرجل في الجاهلية يمتلك حقاً مطلقاً في تطليق زوجته ما شاء أن يُطلقها من المرات. فإذا أوشكت عدتها أن تنقضي، كان يُراجعها ثم يُطلقها مرة أخرى، وهكذا دواليك. هذا النمط من الطلاق كان يُعرف باسم “الإيلاء” أو “الظهار” في بعض صوره، وكان يُستخدم كنوع من تعليق المرأة والتحكم بها، مما يُسبب لها ضرراً بالغاً وظلماً فادحاً، حيث لا تكن مطلقة ولا متزوجة بشكل كامل، مما يمنعها من الزواج بغيره ويُبقيها في حالة من التعليق العاطفي والاجتماعي.
هذه الممارسات الجاهلية كانت تُشير إلى غياب الضوابط الأخلاقية والشرعية التي تُكفل حقوق المرأة وتُحافظ على كرامتها. ومع قدوم الإسلام، جاءت أحكام الطلاق لتُنظم هذه المسألة، وتضع حداً لهذا التسلط، وتُرسخ مبدأ العدل والرحمة في العلاقات الزوجية، مُحددة عدداً للطلقات، ومُفصلة لشروط وقوع الطلاق وآثاره.
الإسلام: دين متكامل وتشريع محكم للأسرة
الإسلام دين متكامل ختم الله به رسالاته السماوية، ووضع أحكامه الفقهية وفقاً لما فيه مصلحة للعباد. كل حكم في الإسلام، سواء كان وجوباً أو تحريماً أو استحباباً أو كراهة أو إباحة، إنما جاء ليُحقق مصالح الناس ويُدرأ عنهم المفاسد. هذا المنهج الشامل ينعكس بوضوح في تشريع الزواج والطلاق، حيث جاءت أحكامهما لتُسهم في بناء مجتمع قوي ومترابط.
تشريع الزواج: بناء الأسرة على المودة والرحمة
حث الإسلام على الزواج وشرّعه كوسيلة أساسية لاستمرار حياة الإنسان ونسله، ولتحقيق فوائد أخرى نفسية وجسدية ودينية واجتماعية. الزواج في الإسلام ليس مجرد عقد مدني، بل هو عبادة وشعيرة دينية تُقام على أساس عقد نكاح لفظي بين الرجل والمرأة، يتفق عليه الطرفان. وقد جعله الإسلام “نصف الدين”، وحث عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني”.
هذا التشريع للزواج هو رحمة من الله عز وجل ونعمة على عباده، لما فيه من آثار طيبة على الإنسان والمجتمع، شريطة أن يقوم الزوجان بواجباتهما، ويُراعيا حقوقهما، ويعيشا حياة كريمة يسودها الألفة والتفاهم والمودة والرحمة، كما أمرهما الله عز وجل في قوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]. الزواج هو أساس بناء الأسرة، التي تُشكل نواة المجتمع، وصلاحها يؤدي إلى صلاح المجتمع ككل.
تشريع الطلاق: حلٌ أخيرٌ للضرورة القصوى
بقدر ما حث الإسلام على الزواج ورغّب فيه، بقدر ما شرّع الطلاق كحل أخير وملاذ للزوجين في حالات استعصاء الحياة الزوجية. شرع الإسلام عقد النكاح بشروطه وبالاتفاق الحاصل بين الرجل والمرأة، ولكن شريطة ألا يكون هناك أي خلل أو ظلم أو أذية، أو حرمة ناتجة عن سوء العشرة وأسباب أخرى قد تدفع بأحدهما أو بكليهما لطلب الانفصال وفسخ العقد بينهما.
وكما حلل الإسلام الارتباط والزواج، فقد حلل أيضاً الطلاق، ولكن مع كراهية شديدة، ولوجود ضرورة مُلحة بعد أن تُسد أبواب الصلح بينهما وتُستنفذ جميع الوسائل من النصح والتأخير وإعطاء فرص التفكير وغير ذلك. يأتي الطلاق في المرحلة الأخيرة كحل لإنهاء علاقة زوجية أصبح استمرارها يسبب ضرراً أكبر. ويُعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: “إن أبغض الحلال عند الله الطلاق”.
هذا الحديث يُشير صراحةً إلى مشروعية الطلاق وحليّته، ولكنه في الوقت نفسه يُرغّب في عدم الإقدام عليه قدر المستطاع، لتسميته بأبغض الحلال عند الله عز وجل، لما فيه غالباً من مفسدة إلا في حالات نادرة ومعينة حيث يكون هو الحل الأفضل. فالقاعدة الشرعية في هذا المقام هي “فإمساك بمعروف” أو “تسريح بإحسان”، لتُؤكد على ضرورة إنهاء العلاقة الزوجية بكرامة وعدل، حتى إذا كان لا بد من الانفصال.
الطلاق عند المذاهب الإسلامية: اجتهاداتٌ فقهيةٌ متنوعة
لا شك أن مسألة الطلاق تُعد حساسة للغاية، وهي تُؤثر على الزوجين وأولادهما، بل على المجتمع بأسره لما يُنتج من آثار سلبية عنه. لذا، نرى اجتهادات فقهية متنوعة في شروط الطلاق عند المذاهب الإسلامية المختلفة. فمنهم من يسّر الطلاق وسهّله، ومنهم من اشترط شروطاً وقيده، ومنهم من وضع عوائق كثيرة لإعطاء الفرص وردع الزوجين قبل وقوعهما في أبغض الحلال. هذه الاختلافات تُعكس سعة الفقه الإسلامي ومرونته في التعامل مع قضايا الحياة المعقدة، وتهدف في مجملها إلى تحقيق العدل والمصلحة.
الطلاق اللفظي وشروطه
إن حل وفسخ عقد النكاح وفك الارتباط الزوجي يُسمى بالطلاق بين الرجل والمرأة، ويحصل باللفظ الشفوي إجماعاً وليس حصراً. ومع ذلك، وقع الاختلاف الفقهي المشروع بين المذاهب الإسلامية، بل بين علماء المذهب الواحد، حول الأركان والشروط التي ينبغي استيفاؤها حتى يقع الطلاق الشرعي ويُصبح ناجزاً. هذا الاختلاف نابع من تفسيرات مختلفة للنصوص الشرعية، ويهدف إلى تحقيق أفضل المخرجات للأسرة والمجتمع.
الطلاق بالكتابة
تُعد مسألة وقوع الطلاق بالكتابة من المسائل التي اختلف فيها الفقهاء:
- الحنفية، المالكية، الحنابلة، وبعض الشافعية: قالوا بوقوع الطلاق بالكتابة، مع وجود بعض التفاصيل والشروط المتعلقة بنية الزوج ووضوح الكتابة.
- بعض الشافعية والجعفرية: قالوا بعدم وقوع الطلاق بالكتابة مطلقاً لمن يقدر على النطق. رأيهم يستند إلى أن الطلاق عقد لفظي، والكتابة لا تُغني عن النطق إلا عند العجز.
الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد
تُعد هذه المسألة من أبرز نقاط الخلاف الفقهي في أحكام الطلاق، وهي تؤثر بشكل كبير على مصير العلاقة الزوجية:
- المالكية، الشافعية، الحنابلة، والحنفية: قالوا بأن الطلاق الثلاث بلفظ واحد في مجلس واحد (مثل “أنتِ طالق بالثلاث”) يقع ثلاثاً، وتُصبح الزوجة مُحرمة على زوجها حتى تنكح زوجاً غيره (بائنة بينونة كبرى). واتفقوا جميعاً على أن من قال لزوجته أنت طالق ثلاثاً تقع الثلاث، وخالفهم بعض علمائهم وبعض علماء الحنابلة والظاهرية الذين يرون أنها تقع طلقة واحدة.
- المذهب الجعفري: يرى بالإجماع أن الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد لا يقع إلا طلقة واحدة. هذا الرأي يعطي مجالاً أوسع للمراجعة ويُقلل من حالات التحريم المؤبد.
أركان الطلاق وشروطه في الفقه الإسلامي
للطلاق أركان ثلاثة أساسية، لا يصح الطلاق إلا بتوفرها جميعاً:
- الزوج المُطَلِّق: وهو من يملك حق الطلاق، ويجب أن تتوافر فيه شروط معينة (العقل، البلوغ، الاختيار، القصد).
- الزوجة المُطَلَّقة: وهي من يقع عليها الطلاق، ويجب أن تكون في عصمة الزوج وأن تُعيّن.
- الصيغة التي يقع بها الطلاق: وهي اللفظ الصريح أو الكناية مع النية، أو الكتابة أو الإشارة في بعض الحالات.
سنعرض شروط الطلاق في المذاهب الإسلامية الأربعة والمذهب الجعفري، الذي يُعد الأكثر تشدداً في إجراء الطلاق بين المذاهب الفقهية، وذلك بهدف إعطاء المجال للتراجع عن الطلاق، ودفع المفسدة، ورعاية الأسرة، والحفاظ عليها من الانهيار لأسباب قد تكون تافهة، أو لمشكلة يُمكن حلها، أو إصلاح الحال، أو نتيجة لتسرع وحالة غضب واتخاذ قرار خاطئ.
شروط الطلاق عند المذاهب الأربعة (الحنفية، المالكية، الشافعية، الحنابلة)
- وقوع الطلاق باللفظ الصريح والكناية: يقع الطلاق باللفظ الصريح (مثل “أنتِ طالق”)، وبالكناية إذا نوى الزوج الطلاق بها (مثل “اذهبي إلى أهلك” مع نية الطلاق).
- عدم وجوب الإشهاد في الطلاق: لا يُشترط وجود شهود على الطلاق لوقوعه، ويُمكن للزوج أن يُطلق زوجته بمفرده. ومع ذلك، خالفهم بعض علماء أهل السنة مثل عطاء وابن جريج، الذين يرون ضرورة الإشهاد للتوثيق ولتفادي النزاعات.
- وقوع الطلاق في فترة الحيض مع الحرمة: يرى جمهور المذاهب الأربعة أن الطلاق يقع إذا نُطق به والزوجة حائض أو نفساء، ولكنه يُعتبر طلاق بدعة ومُحرم شرعاً.
- وقوع الطلاق في طهر المواقعة مع الحرمة: يقع الطلاق أيضاً إذا نُطق به في طهر جامعها فيه الزوج، ولكنه يُعتبر طلاق بدعة ومُحرم شرعاً.
- القصد والنية في الطلاق:
- المشهور عن المالكية، والحنفية: أن الطلاق لا يقع إلا باللفظ والنية (في الكنايات).
- الشافعية والحنابلة: يرون أن لفظ الطلاق الصريح لا يحتاج إلى نية لوقوعه.
- طلاق الغضبان الشديد: اختلفوا في طلاق الغضبان غضباً شديداً:
- بعض المالكية، وبعض الحنابلة، والشافعية: قالوا بوقوعه إذا كان الغضب لا يُفقد الإدراك الكلي.
- الحنفية، وبعض المالكية، وبعض الحنابلة: قالوا بعدم وقوعه إذا كان الغضب يُفقد القصد والاختيار.
شروط الطلاق عند المذهب الجعفري
يُعد المذهب الجعفري أكثر تشدداً في شروط الطلاق، مما يُقلل من وقوعه، ويُعطي فرصاً أكبر للمراجعة والصلح:
- وقوع الطلاق بلفظ “طالق” خاصة: يرى المذهب الجعفري أن الطلاق لا يقع إلا بلفظ “طالق” على وزن فاعل. فاسم المفعول مثل “أنتِ مطلقة”، أو الفعل مثل “طلقتك”، أو أي كناية مثل “أنتِ خلية”، لا يقع بها طلاق، وتُعتبر لغواً.
- فساد التعليق: التعليق على الطلاق بجميع أنواعه وأقسامه فاسد ولا يقع به طلاق. مثل قول “إذا فعلتِ كذا فأنتِ طالق”، لا يقع به طلاق في المذهب الجعفري.
- اشتراط الإشهاد في الطلاق: يُشترط وجود شاهدي عدل يحضران مجلس الطلاق ويسمعان صيغة الطلاق معاً. لا يكفي الطلاق أمام كل منهما منفرداً، ولا تكفي شهادة المُطَلِّق أو وكيله. يُشترط في الشاهد أن يكون عدلاً (مُستقيماً على جادة الشريعة، لا يفعل محرماً ولا يترك واجباً). هذا الشرط يُعد عائقاً مهماً يُعطي فرصة للتفكير والتراجع عن الطلاق.
- اشتراط الطهارة من الحيض والنفاس: يجب أن تكون الزوجة طاهرة من الحيض والنفاس أثناء الطلاق. فإذا كانت في حالة حيض أو نفاس، فلا أثر لكلمة الطلاق وتبقى العلاقة الأسرية قائمة (باستثناء بعض الحالات، كطلاق الصغيرة التي لم تحض، والآيسة التي انقطع حيضها، والحامل). هذا عائق ثان يُعطي الوقت الكافي للزوج في التفكير والمصالحة حتى تطهر المرأة.
- اشتراط عدم وقوع الطلاق في طهر المواقعة: يُشترط في صحة الطلاق ألا تكون الزوجة المدخول بها في طهر المواقعة، وإلا فلا يصح الطلاق. وعلى الزوج أن ينتظر حتى تحيض وتطهر، ثم يُطلقها قبل المواقعة. هذا يُؤدي إلى مرور وقت طويل، ويُتيح للزوج مجالاً للتفكير والمصالحة. أما إذا كانت مسترابة (لا تحيض وهي في سن من تحيض)، فلا يصح طلاقها حتى يعتزلها بعد المواقعة ثلاثة أشهر ثم يُطلق.
- القصد والاختيار: يجب القصد في الطلاق، فلا يصح الطلاق مع الغضب الشديد الذي يسلب القصد. كما يجب أن يكون الطلاق عن اختيار لا عن إكراه، فلا يقع الطلاق بالإكراه.
كل هذه الشروط والاختلافات لها تبريرها ومستندها الشرعي وأدلتها الفقهية الاجتهادية المعتمدة، التي تُعطي مندوحة وسعة للمسلم في حياته، مصداقاً لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]. لا شك أن الطلاق بالعنوان الأولي أمر خطير ينبغي التوقف عنده والتأني فيه، لما فيه من تفكيك للأسرة التي تُشكل نواة المجتمع.
حالات عدم وقوع الطلاق: متى لا يُحتسب؟
يعتقد الكثيرون أن مجرد التلفظ بكلمة الطلاق يُؤدي إلى وقوعه حتماً، ولكن هذا ليس صحيحاً في كل الحالات. تُشير دار الإفتاء المصرية، وغيرها من الجهات الفقهية، إلى وجود حالات مُعينة لا يقع فيها الطلاق، وذلك لعدم توفر أحد شروط الطلاق الأساسية، أو لوجود مانع شرعي. هذا يهدف إلى حفظ الأسرة وتجنب الطلاق السريع وغير المقصود.
شك الزوج في الطلاق
تُوضح دار الإفتاء أن شك الزوج في طلاقه لزوجته لا يخرج عن ثلاث حالات:
- الشك في وقوع أصل الطلاق: في هذه الحالة، لا يقع الطلاق. فالأصل هو بقاء الزواج، واليقين لا يزول بالشك. ما دامت نية الطلاق لم تُجزم بها أو لم تُنطق صراحة بلفظ لا يحتمل غيره، يبقى الزواج قائماً.
- الشك في عدد الطلقات مع اليقين بوقوع الطلاق: إذا كان الزوج متيقناً من وقوع الطلاق، ولكنه يشك في عدد الطلقات (هل هي واحدة أم اثنتين أم ثلاث)، فإن دار الإفتاء المصرية تُرجّح رأي الحنفية والشافعية والحنابلة، وهو أن الزوجة تحل له ويبني على أقل عدد شك فيه. أي إذا شك بين طلقة وطلقتين، تُعتبر طلقة واحدة.
- الشك في صيغة الطلاق (بائن أم رجعي): إذا شك الزوج في صيغة الطلاق التي تلفظ بها، بحيث يشك هل طلقها طلاقاً بائناً (لا رجعة فيها إلا بعقد جديد) أو رجعياً (يمكن الرجوع فيها خلال العدة)، في هذه الحالة يُحكم بالرجعية. لأن الرجعية أقل ضرراً، والأقل ضرراً يُحقق اليقين.
حالات الطلاق الذي لا يقع (عموماً)
توجد العديد من أنواع الطلاق الذي لا يقع على الرغم من التلفظ بالكلمة بصورة صريحة، وذلك لغياب القصد أو الإدراك:
- الطلاق الصادر من الأزواج السكارى أو تحت تأثير المخدرات: إذا وصل بهم الأمر إلى غياب الوعي والإدراك الكامل، فإن طلاقهم لا يقع.
- الطلاق الصادر من الأزواج الذين يُجبرون أو يُكرهون على الطلاق: إذا أُجبر الزوج على الطلاق تهديداً أو ضغطاً لا يستطيع دفعه، فإن طلاقه لا يقع (وهو رأي جمهور الفقهاء).
- الطلاق الصادر من زوج غاضب للغاية: إذا بلغ الغضب بالزوج حداً يسلبه القدرة على التحكم في ألفاظه أو إدراك ما يقول، فإن طلاقه لا يقع.
- الطلاق الصادر من زوج مريض عقلياً: الشخص الذي يُعاني من مرض عقلي يفقده الأهلية والإدراك لا يقع طلاقه.
- الطلاق عند تعرض الزوج لكارثة خطيرة: مثل فقدان الوعي نتيجة حادث أو صدمة شديدة، في هذه الحالات لا يقع الطلاق.
أحكام الطلاق: بين الوجوب والتحريم
تتنوع أحكام الطلاق في الإسلام، وهو ما يُشير إلى طبيعته المركبة ودوره في تنظيم العلاقات الزوجية في مختلف الظروف:
- الوجوب:
- طلاق المُولي بعد التربص: إذا حلف الزوج على عدم معاشرة زوجته (الإيلاء)، ثم انقضت مدة التربص (أربعة أشهر) ولم يُرجع عن يمينه ولم يُراجع زوجته، يُصبح الطلاق واجباً عليه، أو يُطلق عليه القاضي. لقول الله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:226-227].
- طلاق الحكمين في الشقاق: إذا تفاقم الشقاق بين الزوجين، ورأى الحكمان أن الطلاق هو الحل الوحيد لإنهاء النزاع، يُصبح الطلاق واجباً.
- الندب:
- يُندب الطلاق في حالات التقصير من جانب الزوجة في حقوق الله الواجبة عليها، مثل ترك الصلاة، ولا يُمكن إجبارها عليها.
- إذا كانت الزوجة غير عفيفة، يُندب الطلاق لرفع الضرر عن الزوج وحفظ فراشه.
- في حالة الشقاق الشديد الذي لا يُرجى إصلاحه، أو في الحال التي تطلب فيها المرأة الخلع لتزيل عن نفسها الضرر، يُندب الطلاق.
- الإباحة:
- يُباح الطلاق عندما تكون هناك كراهية شديدة من قبل الزوج لزوجته، ولا يستطيع البقاء معها ومعاشرتها بالمعروف.
- في حالة صدور الكثير من الأفعال السيئة عن الزوجة، أو سوء معاشرتها لزوجها، يُباح له الطلاق.
- الكراهة:
- يُعد الطلاق من الأفعال المكروهة في الإسلام إذا حدث دون وجود أسباب مُبينة تستدعي وقوعه، سواء من قبل الزوج أو الزوجة. هو أبغض الحلال عند الله، ويُكره الإقدام عليه دون ضرورة.
- التحريم:
- يُصبح الطلاق حراماً شرعاً في بعض الحالات، وهي ما تُعرف بالطلاق البدعي:
- أن يُطلق الزوج زوجته في أوقات الدورة الشهرية (الحيض) أو النفاس.
- أن يقع الطلاق في فترة طهر الزوجة من جماع (بعد أن جامعها فيه الزوج). هذه الحالات تُعد مُحرمة، ولكن جمهور الفقهاء يرون أن الطلاق يقع مع الإثم.
أقسام الطلاق وأنواعه في الشريعة الإسلامية والقانون
يُقسم الطلاق في الشريعة الإسلامية إلى أنواع مختلفة تُحدد آثارها القانونية والشرعية على العلاقة الزوجية.
أولاً: الطلاق السني
هو الطلاق الذي يقع على المرأة التي دخل بها الزوج، ويُشترط لكونه سُنياً عدم تطليق الزوجة في أوقات الدورة الشهرية أو النفاس، وأن يُطلقها الزوج في الأوقات الخاصة بالطهر من الجماع. هذا الطلاق يُتيح للزوج مراجعة زوجته في العدة، ويُعتبر محموداً شرعاً.
ثانياً: الطلاق البدعي
يقع هذا الطلاق في أوقات مُحرمة شرعاً، مثل وقت النفاس أو الحيض، أو في الوقت الخاص بالطهر من الجماع. يُمكن للزوج أن يُرد زوجته في فترة العدة في هذا النوع من الطلاق، بشرط ألا تكون هذه هي الطلقة الثالثة. على الرغم من حرمته، يرى جمهور الفقهاء أنه يقع.
ثالثاً: الطلاق الرجعي
تتعدد أنواع الطلاق الرجعي، ولكنها في الحقيقة جميعها تمنح للزوج حق الرجوع لزوجته خلال الفترة المحددة للعدة، سواء برضاها أو عدم رضاها. يحق له الرجوع لها بدون الحاجة إلى تقديم مهر وعقد جديد، طالما لم تنتهِ العدة. أما في حالة انتهاء العدة دون مراجعة، فيُصبح الطلاق بائناً بينونة صغرى.
رابعاً: الطلاق البائن
يختلف هذا النوع من الطلاق حسب طبيعته:
- الطلاق البائن بينونة صغرى:
- يقع هذا الطلاق عندما يُطلق الزوج زوجته مرة واحدة، أو مرتين، وتنتهي فترة العدة دون مراجعة.
- يحق للزوج أن يُرجع زوجته إلى عصمته بعد انقضاء العدة، ولكن بشرط عقد ومهر جديدين، وبموافقة الزوجة.
- الطلاق البائن بينونة كبرى:
- يتم هذا الطلاق في حالة تطليق الزوج زوجته ثلاث مرات متفرقة (أي بعد مراجعة بين كل طلقة وأخرى)، أو في حالة تطليق الزوج لزوجته ثلاث مرات بلفظ واحد (مثل “أنتِ طالق بالثلاث” عند الجمهور).
- في هذه الحالة، لا يُمكن للزوج الزواج منها مرة أخرى إلا بعد أن تتزوج من زوج آخر زواجاً صحيحاً ويدخل بها، ثم يُطلقها أو يتوفى عنها، وتنقضي عدتها من الزوج الثاني.
الطلاق للضرر وحقوق الزوجة في القانون المصري
يُعد الطلاق للضرر أحد أنواع الطلاق التي ينص عليها القانون المصري لحماية حقوق المرأة عندما يُلحق بها الزوج ضرراً لا يُمكن معه استمرار الحياة الزوجية. إذا صدر حكم بالطلاق للضرر، تُمنح الزوجة حقوقاً مالية وحضانية كاملة:
- مؤخر الصداق كاملاً: يحق للمرأة الحصول على كامل مؤخر الصداق المُتفق عليه في عقد الزواج.
- نفقة كاملة: تحصل الزوجة على نفقة المُتعة (تعويض عن الأذى النفسي الذي لحق بها جراء الطلاق) ونفقة العدة (فترة انتظار انتهاء العدة).
- مسكن الزوجية أو تكاليف السكن: إذا كان لديها أطفال في سن الحضانة، يحق لها البقاء في مسكن الزوجية، أو المطالبة بتكاليف سكن بديل إذا كان السكن لا يناسبها أو إذا أراد الزوج التخلص منه.
- أجر الحضانة والرضاعة: يحق لها الحصول على أجر مقابل حضانة الأطفال في سن الرعاية، وأجر مقابل الرضاعة الطبيعية للأطفال.
- نفقات رعاية الأطفال: يُمكنها أيضاً الحصول على تكاليف رعاية الأطفال.
- جميع النفقات المتعلقة بالطفل: تشمل هذه النفقات العلاج الطبي، التعليم، والملابس، وغيرها من الاحتياجات الأساسية للطفل.
خاتمة: الطلاق.. قرارٌ مُصِيريٌ يستلزم التأني والوعي
يُظهر تفصيل شروط الطلاق وأحكامه وأنواعه، سواء في الشريعة الإسلامية أو القانون المصري، أن الطلاق ليس قراراً هيّناً أو مُتسرعاً. إنه أمر يبغضه الله تعالى، لما يترتب عليه غالباً من إهمال لتربية الأولاد إن كانوا، وقطع للأرحام، وغير ذلك من الآثار السلبية المُشاهدة.
ومع هذا، ليس الطلاق مكروهاً في كل الأحوال. بل قد يجب، وقد يكون هو الحل الأفضل في بعض الظروف. فالمغزى الأساسي هو التأني في قرار الطلاق بعد استنفاذ كل محاولات الإصلاح الممكنة لبقاء العلاقة الزوجية. ولكن شريطة أن تكون هذه العلاقة سليمة؛ بحيث لا يلزم من بقائها ضرر أعظم من الطلاق نفسه.
مثال على ذلك: ما إذا استحالت العشرة الزوجية لتفاقم الشقاق بين الزوجين، واستنفذت جميع وسائل الإصلاح ولم تُفلح، أو خاف أحد الزوجين ألا يُقيم حدود الله في حق صاحبه، أو خشي أحد الطرفين من ضرر يلحقه من استمراره في الزوجية. ففي هذه الحالات كلها، لا حرج على المرأة أن تطلب الطلاق، كما لا حرج على الزوج أن يُطلق. والدليل على ذلك قول الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:229]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت بن قيس لما ذكرت له من حال زوجها ما معناه أنها لا تُطيق العيش معه: “أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة” (رواه البخاري وغيره). وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار” (رواه الإمام أحمد وغيره).
على ما سبق، يتضح أن قرار الطلاق يجب أن يكون مبنياً على وعي تام وتأمل عميق لجميع شروط الطلاق وآثاره، وأنه يُعد حلاً استثنائياً يُلجأ إليه عند الضرورة القصوى وبعد استنفاد كل الحلول الممكنة، لضمان العدل والرحمة لجميع أفراد الأسرة.
مواضيع ذات صلة: