ارتفاع أسعار النفط مع بدء الصراع الإيراني- الإسرائيلي المتصاعد

قالت صحيفة نيويورك تايمز ان أسعار النفط ستقفر إلى مستوى هو الأعلى منذ أشهر بسبب مخاوف من تعطل إمدادات النفط.
وتأتي قفزة أسعار النفط مانعكاس مباشر للخشية العالمية من تفاقم الصراع إلى نقطة قد تهدد إمدادات النفط الحيوية من منطقة الخليج.
القصف الإسرائيلي لطهران: المحفز الرئيسي لمخاوف السوق
التقارير التي تحدثت عن قصف إسرائيلي لأهداف داخل طهران تمثل تصعيدًا غير مسبوق في الصراع “الظل” بين البلدين. فبينما كانت المواجهة تتركز غالبًا على هجمات بالوكالة أو عمليات استخباراتية واستهدافات محدودة خارج الأراضي الإيرانية (مثل سوريا)، فإن قصف العاصمة الإيرانية نفسها ينقل الصراع إلى مستوى جديد ومثير للقلق.
زيادة مخاطر الانتقام الإيراني
السوق يتوقع ردًا إيرانيًا محتملًا على هذا الهجوم. الرد الإيراني قد يتخذ أشكالًا متعددة، بما في ذلك استهداف السفن في مضيق هرمز، أو استهداف منشآت نفطية في المنطقة (سواء في دول الخليج الحليفة للولايات المتحدة أو حتى خارجها)، أو شن هجمات صاروخية / بطائرات مسيرة على إسرائيل. كل هذه السيناريوهات تحمل في طياتها احتمالية تعطل إمدادات النفط.
مسرح العمليات المتوسع
إذا كانت إسرائيل قد وصلت إلى قلب إيران، فإن هذا يعني أن قواعد الاشتباك قد تغيرت، وأن المنطقة بأسرها أصبحت مسرحًا محتملًا للصراع المباشر. هذا يزيد من عامل عدم اليقين والمخاطر للمستثمرين في قطاع الطاقة.
طبيعة “تعطل إمدادات النفط” في سياق الصراع
ليست المخاوف مجرد احتمالية نظرية، بل تستند إلى سيناريوهات واقعية:
- مضيق هرمز: يمر عبر هذا المضيق الحيوي حوالي 20% من إمدادات النفط العالمية. أي تهديد أو إغلاق جزئي أو كلي للمضيق من قبل إيران (كتكتيك للرد على الهجوم الإسرائيلي) سيؤدي إلى ارتفاع جنوني في الأسعار وتوقف جزء كبير من التجارة النفطية.
- الهجمات على منشآت النفط: تاريخيًا، استهدفت هجمات إيرانية أو من قبل حلفائها منشآت نفطية في المنطقة (كما حدث في عام 2019 مع منشآت أرامكو السعودية). تكرار مثل هذه الهجمات سيؤثر مباشرة على قدرة الإنتاج والتصدير.
- زيادة أقساط التأمين: حتى لو لم يحدث تعطل مباشر، فإن ازدياد المخاطر في المنطقة يؤدي إلى ارتفاع أقساط التأمين على ناقلات النفط والسفن التجارية، مما يزيد من تكلفة الشحن وينعكس على سعر النفط النهائي.
- نقص الثقة في الاستقرار الإقليمي: المستثمرون يفضلون البيئات المستقرة. تصاعد الصراع الإيراني الإسرائيلي يقوض الثقة في استقرار الشرق الأوسط ككل، مما يجعلهم يفضلون “الملاذات الآمنة” ويترددون في الاستثمار في مناطق المخاطر، بما في ذلك الإمدادات النفطية. التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية الفورية
- تضخم عالمي متفاقم: ارتفاع أسعار النفط يعني ارتفاع تكاليف الطاقة للمصانع والمستهلكين حول العالم، مما يفاقم من مشكلة التضخم العالمي الذي تكافح البنوك المركزية للسيطرة عليه. هذا قد يدفع البنوك المركزية إلى الاستمرار في سياسات التشديد النقدي، مما يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي العالمي.
- ضغط على الاقتصادات المستوردة: الدول الكبرى المستوردة للنفط (مثل الصين، الهند، دول الاتحاد الأوروبي) ستعاني بشكل مباشر من ارتفاع فاتورة الطاقة، مما قد يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي أو ركود.
- استفادة إيران؟ (تأثير متناقض): قد تستفيد إيران من ارتفاع أسعار النفط من الناحية النظرية لزيادة إيراداتها، ولكن هذا يعتمد على قدرتها على الحفاظ على تدفق صادراتها النفطية في ظل أي تصعيد أو عقوبات محتملة. كما أن أي ضرر لمنشآتها النفطية أو بنية تحتية اقتصادية نتيجة للضربات الإسرائيلية سيطغى على أي مكاسب من ارتفاع الأسعار.
- تعقيد الحسابات الأمريكية: إدارة بايدن ستجد نفسها في موقف صعب. فمن جهة، هي حليفة لإسرائيل، ومن جهة أخرى، لا تريد أن ترى أسعار النفط ترتفع بشكل يؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي وعلى فرص بايدن في الانتخابات الرئاسية. هذا قد يدفع واشنطن إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية للتهدئة أو حتى البحث عن سبل لزيادة الإمدادات العالمية.
- تصعيد أوسع في المنطقة: القصف المتبادل بين إسرائيل وإيران قد يشجع أطرافًا أخرى على الانخراط، مما يؤدي إلى صراع إقليمي أوسع نطاقًا يمتد إلى دول الجوار، ويهدد الاستقرار العالمي.
آفاق المستقبل
تعتمد آفاق أسعار النفط على مدى استمرار وتصاعد الصراع الإيراني الإسرائيلي.
- التهدئة: إذا تدخلت القوى الدولية لفرض التهدئة، أو إذا اختارت الأطراف عدم التصعيد، فإن الأسعار قد تتراجع تدريجيًا.
- المزيد من التصعيد: في حال استمرت الضربات المتبادلة وتوسعت رقعة الصراع، فإن أسعار النفط قد تتجاوز بكثير المستويات الحالية، لتصل إلى مستويات قياسية تاريخية، مع تداعيات اقتصادية كارثية.
- البحث عن بدائل: على المدى الطويل، سيعزز هذا التصعيد الحجج لزيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة وتقليل الاعويل على الوقود الأحفوري من المناطق غير المستقرة.
الخلاصة
قفزة أسعار النفط هي جرس إنذار عالمي يعكس خطورة التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران. إنها ليست مجرد مسألة اقتصادية بحتة، بل هي نتيجة مباشرة للمخاوف الجيوسياسية المتزايدة التي تهدد شريان الاقتصاد العالمي: إمدادات النفط. الطريقة التي ستتطور بها هذه المواجهة، ومدى تدخل القوى الدولية للتهدئة، ستحدد ليس فقط مسار أسعار النفط، بل أيضًا استقرار منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره.