إغلاق حساب ناطق الحوثيين يكشف عن تحول في استراتيجيات الضغط الدولي

لم يعد الضغط المتزايد على جماعة الحوثيين في اليمن يقتصر على العقوبات الاقتصادية والعمليات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها في البحر الأحمر.
فقد اتخذت المواجهة منحى جديدًا يستهدف أدوات الجماعة في حربها الإعلامية، حيث فاجأت منصة “إكس” (تويتر سابقًا) الحوثيين بإغلاق الحساب الرسمي للمتحدث العسكري باسمهم، يحيى سريع. هذه الخطوة، التي تبدو للوهلة الأولى إجراءً تقنيًا، تحمل في طياتها دلالات أعمق تشير إلى تحول في الاستراتيجية الدولية لمواجهة الجماعة المتمردة.
تحليل وتداعيات إغلاق الحساب:
يمثل إغلاق حساب يحيى سريع ضربة موجعة للآلة الدعائية الحوثية. فقد كان سريع يستخدم المنصة بشكل مكثف لنشر تصريحات وبيانات عسكرية غالبًا ما تكون غير دقيقة أو مبالغ فيها، بهدف تضخيم قدرات الجماعة وبث الرعب في صفوف خصومها. ويعتبر المراقبون أن هذه الخطوة تتجاوز كونها مجرد إجراء تنظيمي من قبل منصة التواصل الاجتماعي، بل تعكس توجهًا دوليًا متزايدًا نحو استهداف قدرة الحوثيين على نشر روايتهم الخاصة وتجنيد المؤيدين والتأثير على الرأي العام الإقليمي والدولي.
يأتي هذا الإجراء في سياق تصاعد الضغوط السياسية والعسكرية على الحوثيين، خاصة بعد أن كثفت الجماعة تهديداتها للملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ووصلت إلى حد استهداف حاملة الطائرات الأمريكية “أيزنهاور” بشكل علني، وإن كان غير مؤكد. ومنذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2023، تاريخ بدء التصعيد الحوثي في البحر الأحمر تضامنًا مع حركة حماس في غزة، أصبحت المنطقة مسرحًا لتوترات متزايدة.
خلفيات وتطورات الأزمة:
بدأت مليشيات الحوثي، المدعومة من إيران، في استهداف السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن، بالإضافة إلى الأراضي الإسرائيلية، عقب اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس.
وقد أدت هذه الهجمات إلى تعطيل حركة الملاحة في هذا الممر الحيوي الذي يمر عبره ما يقارب 12% من حجم التجارة العالمية، مما أجبر العديد من شركات الشحن الكبرى على تغيير مسارات سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح الأطول والأكثر تكلفة.
ردًا على هذه التهديدات، بدأت القوات الأمريكية، منذ منتصف الشهر الماضي، بشن ضربات جوية وبحرية متواصلة ضد مواقع تابعة للحوثيين في اليمن، سعيًا للحد من قدرتهم على استهداف السفن وضمان حرية الملاحة الدولية. وتأتي هذه العمليات العسكرية في إطار تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة تحت اسم “حارس الازدهار”.
الموقف الأمريكي وتصنيف الحوثيين:
لم تقتصر ردود الفعل الدولية على العمليات العسكرية. فقد أعادت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في يناير/كانون الثاني الماضي، تصنيف جماعة الحوثيين في اليمن كـ “منظمة إرهابية أجنبية”، بعد أن كان قد تم رفع هذا التصنيف في عهد الرئيس بايدن السابق، دونالد ترامب. وكان ترامب قد توعد الحوثيين بالقضاء عليهم وحذر إيران من الاستمرار في دعمهم، مؤكدًا أن “الآتي أعظم” إذا لم تتوقف الهجمات على السفن.
الحرب الناعمة واستراتيجيات المواجهة المتعددة الأوجه:
إن إغلاق حساب المتحدث العسكري الحوثي يمثل تصعيدًا في ما يعرف بـ “الحرب الناعمة”، وهي جزء لا يتجزأ من استراتيجية أوسع تهدف إلى محاصرة الحوثيين على مختلف الأصعدة. فبالإضافة إلى الضغوط العسكرية والاقتصادية، يتم الآن استهداف قدرتهم على نشر المعلومات المضللة والتأثير على الرأي العام.
هذا التوجه يعكس إدراكًا متزايدًا لدى المجتمع الدولي بأن مواجهة جماعة مثل الحوثيين تتطلب استراتيجية شاملة لا تقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل تشمل أيضًا تجفيف منابع تمويلهم، ومحاربة أفكارهم المتطرفة، وتقويض قدرتهم على استخدام الإعلام كأداة للحرب والتضليل.
مستقبل المواجهة:
يبقى أن نرى ما إذا كان إغلاق حساب يحيى سريع سيؤثر بشكل كبير على قدرة الحوثيين على التواصل مع جمهورهم ونشر رسائلهم. من المرجح أن تلجأ الجماعة إلى بدائل أخرى، ولكن فقدان منصة رئيسية مثل “إكس” يمثل بالتأكيد تحديًا جديدًا لهم.
في الختام، يمكن القول إن الضغط على الحوثيين يتخذ أبعادًا جديدة، حيث لم تعد المواجهة مقتصرة على ساحات القتال والاقتصاد، بل امتدت لتشمل الفضاء الرقمي والإعلامي. هذه الخطوة تشير إلى تصميم دولي متزايد على مواجهة تهديدات الجماعة بشكل شامل ومتعدد الأوجه، بهدف تحقيق الاستقرار في المنطقة وإنهاء حالة التصعيد المستمرة في البحر الأحمر.