أفخاذ قبيلة مطير تمازج التاريخ والجغرافيا في نسيج القبيلة العربية

تتشابك أفخاذ جذور قبيلة مطير العدنانية بعمق في تربة شبه الجزيرة العربية، لتشكل لوحة تاريخية حية تروي قصص البطولة والانتماء والانتشار. تُعد هذه القبيلة من أعرق وأوسع القبائل انتشاراً، حيث تمتد فروعها من الحجاز غرباً حتى تخوم الكويت والعراق شرقاً، حاملةً معها إرثاً ثقافياً وقبلياً فريداً. وفي صميم هذا النسيج الاجتماعي الممتد، تنبثق أفخاذ قبيلة مطير كخيوط ذهبية تحفظ هوية القبيلة وتنوعها، حيث شكلت هذه الأفخاذ والأسر المتحضرة نقاط ارتكاز أساسية في بناء المجتمعات الحضرية عبر قرون من الزمن.
التقسيمات الكبرى: البنية التحتية لنسب مطير الممتد
لا يمكن فهم تشعبات أفخاذ قبيلة مطير دون الغوص في التقسيمات الرئيسية الثلاث التي تشكل العمود الفقري لهذه القبيلة العظيمة. لقد شكلت هذه الأقسام حاضنات طبيعية للهوية القبلية، محافظةً على تماسك النسب رغم شساعة الجغرافيا.
قسم برية: يمثل هذا القسم أحد أضلاع المثلث القبلي الأساسي، وينحدر منه أفخاذ عريقة مثل واصل الذي يتفرع بدوره إلى البرزان والمحالسة والعوارض والمريخات والدياحين والعبيات والوساما والبدنا والهوامل والعفسة. كما يندرج تحت برية فخذ أولاد علي الذي يشمل الحمامين والصعران. وقد شكلت هذه التقسيمات الدقيقة خريطة دقيقة لتحالفات القبيلة وعلاقاتها الداخلية عبر العصور.
قسم علوى: يشكل هذا القسم الركيزة الثانية للقبيلة، ويضم بين جنباته أفخاذاً مؤثرة مثل الجبلان (التي تتفرع إلى القعيمات والمقالدة والأعنة واليحيا والعراقبة) وذوي عون (ويشمل الصهبة والملاعبة والأمرة والمطيرات) والموهة (وتضم الجهطان والصعانين والشياعين والرخمان والبراعصة والجبرة والدوشان). لقد مثلت علوى امتداداً حيوياً للقبيلة في مناطق نجد والصمان.
قسم بني عبد الله: يكتمل بهذا القسم البناء القبلي الثلاثي لمطير، حيث يضم فخوذاً عريقة مثل الشلالحة والموايق والذهيبات والسمون والقمشان والضبطان والقعوان والرحامين والمعوز والعونة (وتشمل ذوي سويعد وذوي أصمع) والعزايزة (وتضم العريفات والشبيكات) والميامنة (وتشمل الصردان وغرابة) والصعبة (وتضم العضيلات والشطر والمشاريف والوطابين والصوابرة والمهالكة والهجال والجشوش والمخافرة) والهويملات (وتشمل الحمامين واليبس والحنانيش والشباشرة والجعافرة والربعان). لقد حافظ هذا القسم على تواجده التاريخي بين مكة والمدينة.
الأسر المتحضرة: جسور الوصل بين البداوة والحضر
شكلت أفخاذ قبيلة مطير جسوراً ثقافية وحضارية بين حياة البادية ونمط العمران، حيث استقرت عشرات الأسر في المدن والقرى، حاملةً معها قيم القبيلة وروح الانتماء. وهذه الأسر ليست مجرد أسماء في سجلات النسب، بل هي عائلات أسهمت في بناء المجتمعات وتطورها.
في مدينة الرياض، استقرت أسر عديدة من أفخاذ قبيلة مطير مثل الأشقر المنتمين للجبلان من علوى، وآل بتّال الذين ينحدرون من ذوي عون من بني عبد الله، وآل عبد القادر من الجبلان. كما برزت أسرة المطيري التي لعبت أدواراً سياسية وتاريخية بارزة في عهد الدولة السعودية الأولى، حيث ذكر المؤرخ ابن بشر أسماء رجالاتها المؤثرين مثل بتّال المطيري، وعبد الله بن بتّال، ومطلق المطيري الذي قُتل في عُمان أثناء حملات التوحيد.
أما في منطقة القصيم، فقد تشكل نسيج اجتماعي غني من أفخاذ قبيلة مطير المتحضرة، ففي بريدة نجد أسرة البدّاح (من البرزان من برية) والبريعصي (من البراعصة من علوى) والدغيم. وفي عنيزة استقر العقلا (من الدياحين) والفارس (من الدياحين أيضاً) والزايد (من الهوامل). بينما في الرس نجد النفجان والسمري (من الدياحين). وفي المذنب استقر الشائع (من ميمون بني عبد الله) والفجحان (من الرخمان من علوى).
ولم تكن منطقة الإحساء بمنأى عن هذا الحضور، حيث استقر بها آل شعوان من الجبلان من علوى، وآل ملحم من العبيات. كما شكلت الزلفي نقطة جذب مهمة للعديد من الأسر مثل الهزاع (من الملاعبة من ذوي عون) والعزره (من الدياحين) والعريف وآل بويتل وآل زيادة (من البرزان) والحمد.
الامتداد الجغرافي: من الحجاز إلى الخليج
لقد رسمت أفخاذ قبيلة مطير خريطة انتشارها عبر شبه الجزيرة العربية بفعل عوامل تاريخية وجغرافية متشابكة. فمن موطنها الأصلي بين مكة والمدينة، امتدت فروع القبيلة شرقاً إلى نجد وهضبة الصمان، وواصلت مسيرتها حتى أطراف الكويت والعراق.
في الحجاز، حافظ فرع بني عبد الله على وجوده التاريخي في المنطقة الممتدة بين مكة والمدينة، حيث تشكل هذه المناطق الذاكرة الجينية الأولى للقبيلة. أما في نجد، فقد شكلت هجرة العديد من أفخاذ برية وعلوى في القرون المتأخرة نقلة نوعية في التركيبة السكانية، حيث أسست القبيلة ما يزيد عن 200 هجرة، من أشهرها الأرطاوية التي تأسست عام 1330هـ كأول هجرة في عهد الملك عبد العزيز، ومبايض والعمار ومليح.
وفي الكويت، ترك نزوح العديد من أفخاذ قبيلة مطير بصمة واضحة في النسيج الاجتماعي، حيث استقر بها آل هلال من العكالا (الدياحين)، والمسباح والشمالي من المريخات، والميلم من الرخال (بني عبد الله). كما وصل امتداد بعض الأسر إلى فلسطين مثل السُّكِيك من ميمون بني عبد الله، رغم عودة كثير منهم لاحقاً إلى موطنهم الأصلي.
الجذور التاريخية: من غطفان إلى مطير
تعود أصول أفخاذ قبيلة مطير إلى قبيلة غطفان العدنانية العريقة، حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن مطير هي “بقايا غطفان” كما ذكر المؤرخ عيد بن مساعد العصامي في كتابه “التحرير والتنوير في أنساب وتاريخ قبائل مطير”. وقد تباينت آراء المؤرخين حول التفاصيل الدقيقة للنسب بين قولين رئيسيين:
القول الأول يرى أن مطير من بطون قبيلة عدوان، مستنداً إلى ما ذكره ابن عنبة: “ومن عدوان عامر بن الظرب حاكم العرب وذو الإصبع الشاعر وتسكن عدوان في طريق الحجاز ويقال لهم مطير”. بينما يذهب القول الثاني الأكثر رسوخاً إلى أن مطير قبيلة قيسية مضرية عدنانية تنحدر مباشرة من غطفان بن سعد بن قيس عيلان، وهو ما أكده المؤرخ محمد علي العبيد بقوله: “مطير وهم غطفان وهم أهل تلك المياه من زمن الجاهلية إلى يومنا هذا”.
وقد وصف حمد الجاسر هذا الامتداد بقوله: “أصل القبيلة غطفان من أشهر القبائل العدنانية في الجزيرة… غير أن تلك الفروع تفرقت واختلطت في قبائل أخرى انتسبت إليها فجُهلت ولم يبق في الجزيرة من فروع غطفان في عهدنا الحاضر سوى بني عبد الله بن غطفان”. وهذا يفسر سبب تمسك القبيلة بهويتها الغطفانية رغم التغيرات التاريخية.
التسمية والهوية: لماذا “مطير”؟
تحمل تسمية القبيلة دلالات لغوية واجتماعية عميقة، حيث اختلف المؤرخون حول أصل التسمية بين رأيين. الرأي الأول يربطها ببطن المطارنة من قبيلة مطير، بينما يرى آخرون أن الاسم مشتق من الصفة العربية “مطير” التي تعني “كثير المطر” و”السخي الكريم”، وهي صفة مشبّهة تدل على الثبوت.
وقد وردت الإشارة إلى هذه الدلالة في المعاجم العربية كما في قولهم: “يوْم مِنْ أَيَّامِ الزَّمْهَرِيرِ عَاصِفٌ قَارِسٌ مطير”، مما يعكس ارتباط التسمية بصفات القوة والعطاء. ومن الألقاب التي اشتهرت بها القبيلة “حمران النواظر” و”جمعة النواظر” التي تشير إلى فراسة أبنائها وحسن مراقبتهم للأمور.
أفخاذ في الديار المصرية: امتداد العروق عبر البحر
لم تقف حدود انتشار أفخاذ قبيلة مطير عند شبه الجزيرة العربية، بل امتدت جذور بعضها إلى ديار مصر، حيث استقرت فروع في محافظات متعددة مثل الإسماعيلية وأسيوط (قرية عرب مطير) والسويس والشرقية والمطرية. يشكل هذا الامتداد شاهداً حياً على حركة القبائل العربية عبر الأزمنة، وقدرتها على الاندماج في المجتمعات الجديدة مع الحفاظ على هويتها الأصلية.
الخاتمة: نسيج متجدد في قلب التاريخ
تشكل أفخاذ قبيلة مطير نموذجاً فريداً للاستمرارية التاريخية والاجتماعية في شبه الجزيرة العربية. فهي ليست مجرد تقسيمات نسبية جافة، بل هي كيانات حية ساهمت في تشكيل الهوية الثقافية لمناطق انتشارها. من خلال استقرائنا لهذه الأفخاذ، نكتشف أن:
- التقسيم الثلاثي (بريّة، علوى، بني عبد الله) يشكل نظاماً اجتماعياً متكاملاً حافظ على تماسك القبيلة رغم انتشارها الجغرافي الواسع
- عملية التحضر التي قادتها الأسر المطيرية مثل آل بتّال والمطيري والسمري شكلت جسراً بين القيم البدوية والأنماط الحضرية
- الانتشار الجغرافي من الحجاز إلى الخليج ثم مصر يعكس ديناميكية القبيلة وقدرتها على التكيف مع المتغيرات
- الجذور الغطفانية تمنح القبيلة عمقاً تاريخياً يمتد إلى العصر الجاهلي وصدر الإسلام
- التسمية تحمل دلالات ثقافية عميقة مرتبطة بصفات الكرم والشجاعة
لقد نجحت أفخاذ قبيلة مطير في كتابة فصل متميز من فصول التاريخ الاجتماعي للجزيرة العربية، حيث مزجت بين الأصالة والقدرة على التكيف، وبين التمسك بالتقاليد والانفتاح على متطلبات العصر. إنها قصة نسيج بشري ممتد عبر الزمان والمكان، يحمل في ثناياه روح الصحراء وعراقة التاريخ، ويظل شاهداً حياً على عطاء القبيلة العربية الذي لا ينضب.
مواضيع ذات صلة: