القبائل العربية

أفخاذ قبيلة عبس التي صنعت التاريخ من دماء الفرسان وصدى الأشعار

في قلب الصحراء العربية، حيث تتناثر النجوم كحبات الرمل على بساط الليل، نشأت قبيلة كتبت سطور مجدها بسيوف فرسانها وأبيات شعرائها. أفخاذ قبيلة عبس ليست مجرد أسماء تُذكر في كتب الأنساب، بل هي إرث حي ينبض بالبطولات الأسطورية والإسهامات الحضارية التي شكلت وجدان العرب من العصر الجاهلي إلى فجر الإسلام.

قبيلة انحدرت من صلب غطفان بن سعد بن قيس عيلان، فكانت إحدى “جمرات العرب” التي أضاءت نار الحرب حين تُمس كرامتها، وأنارت دروب الشعر حين تُنشد أمجادها، وكانت واحدة من اشهر قبائل قيس عيلان.


الجذور التاريخية: من عبس بن بغيض إلى سلالة الذهب

ترجع أصول أفخاذ قبيلة عبس إلى الجد المؤسس عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان، الذي يصل نسبه إلى عدنان. وكما يقول المؤرخون: “لم تكن عبس مجرد بطن بين بطون غطفان، بل كانت العمود الفقري لقبائل الحجاز ونجد”.

سكنت القبيلة منطقة اليمامة، تلك الواحة الخضراء التي تحولت تحت قيادة زعيمهم زهير العبسي إلى حاضرة سياسية وعسكرية. فلم يكن زهير أميراً عادياً، بل كان الرجل الذي حوَّل الصحراء القاحلة إلى مملكة تهابها القبائل، بعد أن ولَّاه الملك قيس الكندي إمارة اليمامة.

وما يثير الدهشة أن نظام الحكم عندهم لم يكن قائماً على القوة وحدها، بل على حكمة “المجلس العشائري” الذي حلَّ النزاعات بعُرف توارثوه عبر القرون. فالثأر – رغم شهرته في تاريخهم – كان محكوماً بقانون “الدية” الذي يحفظ الدماء ويصون الكرامة.

يقول الشيخ عبد الله العبسي في مذكراته: “كنا نُعلّم أبناءنا أن السيف آخر الحلول، لكنه أول دروع الكرامة”.


شجرة النسب: فخاذ عبس بين التقسيم والتحالفات

انقسمت أفخاذ قبيلة عبس إلى فرعين رئيسيين، كل منهما يحمل رواية بطولة مختلفة:

آل قطيعة بن عبس: صُنَّاديد الحرب

انبثق من هذا الفرع أعظم فرسان العرب، وتشعبت فروعه إلى:

  • الحارث بن قطيعة: ومنه انحدرت عائلات مازن وزبينة وشداد، التي أَنجبت الفارس الأسطوري عنترة بن شداد.
  • غالب بن قطيعة: وظهر منه فرسان مثل مالك وعوذ وقيس، الذين قادوا جيوش القبيلة في معارك مصيرية.

آل ورقة بن عبس: حَمَلة راية الأدب

رغم قلة عددهم، إلا أنهم حملوا لواء الثقافة. فمنهم الشاعر عروة بن الورد، الذي حوَّل سوق عكاظ إلى منصة لتخليد أمجاد القبيلة. يقول في إحدى معلقاته:

“إذا المَجدُ دَعَاني ضَربتُ بِسَيفي ♦♦♦ وَأَلهَبتُ نارَ الحَربِ تَحتَ العَجاجِ”


حرب داحس والغبراء: الملحمة التي خلَّدت اسم عبس

لم تكن تلك الحرب مجرد صراع بين قبيلتي عبس وذبيان، بل كانت مدرسة في التكتيك العسكري والصمود الأسطوري. استمرت الحرب أربعين عاماً، وظهر فيها أفخاذ قبيلة عبس كأساتذة في “حرب الكر والفر”، مستغلين معرفتهم العميقة بمسالك الصحراء. لكن الأكثر إثارة هو دور الخيول “الكُمُت” السوداء التي اشتهروا بتربيتها، والتي وصفتها المراجع التاريخية بأنها “كانت تظهر كالريح السوداء تلتهم الأرض”.

وفي قلب هذه الملحمة، برز عنترة بن شداد – ابن أمة حبشية – ليحول عبوديته إلى أسطورة. فلم يكن مجرد فارس، بل كان شاعراً جسَّد آلام المحاربين وكبرياء المظلومين في قصائده:

“وَلَولا ثَلاثٌ هُنَّ مِن عَيشِةِ الفَتى ♦♦♦ وَحُبُّ السِلاحِ وَالخَيلِ وَالطَعانِ”


من الجاهلية إلى الإسلام: تحول مصيري

مع بزوغ فجر الإسلام، أظهر أفخاذ قبيلة عبس نضجاً سياسياً نادراً. فلم يتخلوا عن هويتهم القبلية، لكنهم حوَّلوا طاقتهم من الحروب القبلية إلى الفتوحات الإسلامية. وكانت قناعتهم العميقة بالإسلام جلية في مقولة زعيمهم الشهيرة:

“مَا صَبَرَ مَعَنَا فِي الحُرُوبِ إِلَّا بَنَاتُ العَمِّ، وَالخَيلُ الكُمُت، وَالإِبِلُ الحُمْر”

ومن أبرز من دخلوا الإسلام من أبناء القبيلة:

  • بلال بن رباح: مؤذن الرسول، الذي اشتراه أبو بكر الصديق ليعتقه.
  • حذيفة بن اليمان: صاحب سر الرسول، وقائد معارك فتح أرمينيا.
  • سمية بنت خياط: أول شهيدة في الإسلام.

شارك العبسيون في كل المعارك المصيرية، من بدر إلى القادسية، وكان دورهم محورياً في فتح أنطاكية حيث وصفهم المؤرخ الطبري: “كأنهم جبال من حديد تتحرك”.


الفروع الحديثة: الدم العبسي يجري من اليمن إلى السودان

تشير دراسات الأنثروبولوجيا أن أحفاد أفخاذ قبيلة عبس يتوزعون اليوم على امتداد جغرافي مدهش:

  • العبسيون في اليمن: خاصة في منطقة “الأعبوس” بتعز، حيث يحافظون على تقاليد القبيلة في حل النزاعات.
  • الرشايدة في الكويت: وهم الفرع الأكثر تماسكاً، وقد أكد المؤرخ محمد الجاسر المزيني انتسابهم المباشر لعبس.
  • فروع العونة والعجارمة: في مصر وليبيا والسودان، حيث اندمجوا في المجتمعات مع حفاظهم على الهوية.

النظام الاجتماعي: قبيلة تُعيد اختراع ذاتها

تميزت القبيلة بهيكل اجتماعي فريد:

الاقتصاد: بين خيول “الكُمُت” وواحات النخيل

اعتمدوا على ثلاث ركائز:

  • الرعي: خصوصاً تربية الخيول العربية الأصيلة، التي كانت تُباع في أسواق نجد بوزنها ذهباً.
  • الزراعة: في واحات اليمامة، حيث أتقنوا زراعة النخيل التي وفرت لهم الأمن الغذائي.
  • التجارة: عبر التحالفات مع القبائل المجاورة لإنشاء طرق آمنة لتجارة البهارات والتمور.

القضاء العرفي: العدالة قبل القوة

كان “ديوان القبيلة” يحل النزاعات عبر:

  • الدية: نظام تعويض مالي يحول دون اندلاع الحروب.
  • الحَمَى: حماية المستضعفين بموجب عهود “الجوار”.

الإرث الثقافي: عندما يصنع الشعر مجداً

لم تكن سيوف أفخاذ قبيلة عبس وحدها هي التي خلَّدت ذكراهم، بل كان شعراؤهم سلاحاً لا يقل فتكاً. ففي سوق عكاظ، تحول شعراء مثل عروة بن الورد إلى نجوم يخطفون الأضواء. وصف أحد المؤرخين مشهداً لأحد شعرائهم وهو ينشد:

“لنا البِيضُ تَحمي أَوطانَنا مِن عِدَانَا ♦♦♦ وَلَيسَت تَخافُ الصَمصامَةَ البُتُرُ”

وقد جمعت دواوينهم بين:

  • شعر الفخر: كقصائد عنترة في التغني بالشجاعة.
  • شعر الحماسة: الذي كان يُنشد في ساحات الحرب كطبول معنوية.

العبسيون اليوم: دم يتحدى الزمن

رغم تشتت أفخاذ قبيلة عبس جغرافياً، إلا أن الروح العبسية مازالت حية. ففي الكويت، يحافظ الرشايدة على عادات الفروسية وسباقات الهجن. وفي اليمن، يحمل شيوخ العبسيين مشعل “الحكمة القبلية” في فض النزاعات. أما في مصر والسودان، فقد برز أطباء ومهندسون ينتمون لهذا النسب، مثل الدكتور خالد العبسي (أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة) الذي يؤكد: “جينات العبسيين تحمل شفرة التحدي، من عنترة إلى بلال”.


دروس من عبس: كيف تبني قبيلة خلودها؟

التاريخ لا يرحم الضعفاء، لكن أفخاذ قبيلة عبس علمتنا أن الخلود يُكتسب بثلاثة:

  1. المرونة: في التحول من ثقافة الحرب إلى حضن الإسلام دون تفكك.
  2. التوازن: بين السيف والقلم، كما جسدها عنترة الشاعر الفارس.
  3. الاندماج لا الذوبان: كما فعل أحفادهم الذين حملوا الهوية العبسية عبر الحدود.

“قبيلة عبس لم تمت… بل تتنفس في كل عربي يحمل همَّ أمته، ويرفع رأسها” – د. فاروق عمر (مؤلف كتاب “قبائل العرب: شرايين التاريخ”).


ختاماً، إن الحديث عن أفخاذ قبيلة عبس ليس سرداً للماضي، بل استشرافاً لمستقبل يُبنى على إرث الأجداد. فهم لم يغيبوا عن مسرح التاريخ، بل تركوا مقعداً شاغراً ينتظر من يملأه بمجد جديد… مجدٌ لن يصنعه السيف وحده هذه المرة، بل العلم والإبداع والإصرار على أن تكون “عبس العصر” امتداداً لتلك التي قال فيها الرسول ﷺ عن صحابتها: “خير فرسان الله”.

مواضيع ذات صلة:

قبيلة بني خالد قبائل الكويت الهوله وش يرجعون
شجرة مطيررمز قبيلة مطيرفخوذ العتبان
قبيلة العجمان قبائل الدواسرالعبدلي وش يرجع 
غامد الهيلا قبيلة عتيبة قبائل نجد 
رمز قبيلة غامد قبيلة العجمينسب قبيلة حرب 
قبيلة غامد انسابها وديارهافخوذ قبيلة جهينة نسب قبيلة جهينة 
الحراجين وش يرجعون المطرفي وش يرجع قبيلة بلقرن 
قبيلة الغياثي قبيلة بني مهدي قبيلة يام الهمدانية
الجرفالي وش يرجعقبيلة هذيلاكبر قبائل الجنوب
قبيلة بني مالك قسرقبيلة شهرانالبقوم وش يرجعون
قبيلة اكلب وش ترجعشجرة قبيلة الاشراف كاملةقبيلة بلي نسبها وفروعها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock