أفخاذ قبيلة العزة دم زبيد الذي هز عروش السلاطين

في سهول ديالى حيث تلتقي دماء الفرسان بأنفاس التاريخ، تقف أفخاذ قبيلة العزة كحصن منيع يحمل سرّاً طواه الزمن لأكثر من 700 عام: هم أحفاد عمرو بن معديكرب الزبيدي – بطل القادسية الذي حوّل سيفه إلى أسطورة – لكن المفارقة الأكبر تكمن في تحولهم من قادة جيوش الفتح إلى حراس حدود العراق الشرقية. قبيلة أنجبت حبيب الخيزران الذي حارب العثمانيين بفرمان من السلطان نفسه، وعلي البرهان الذي يحمل اليوم لواء “شيخ مشايخ العزة” على رأس 3 ملايين عزّاوي من ديالى إلى الأردن وفلسطين.
نسب قبيلة العزة
تنحدر أفخاذ قبيلة العزة من سلالة عمرو بن معديكرب الزبيدي، الصحابي الذي هزّ كيان الفرس في معركة القادسية. وكما يؤكد المؤرخ ثامر العامري: “لقب العزة جاء من الأعزّة – وهم فرع من زبيد الأصغر – حملوا اسم جدهم عزيز بن محمد عام 735 هـ”.
التحول التاريخي الأبرز حدث عندما انقسمت القبيلة إلى شطرين:
- البدو: بقيادة غضبان خلف الغصيبة “فارس دجلة”
- الحضر: تحت راية علي لطيف الغصيبة “مؤسس دلي عباس”
هذا الانقسام لم يُضعف القبيلة، بل أعطاها قوة مزدوجة جعلت العثمانيون يمنحون شيوخها أوسمة وسناجق ذهبية عام 1917. يقول الشيخ فيصل حبيب الخيزران: “كنا نحرس الحدود الشرقية للعراق بسواعدنا قبل أن ترسمها اتفاقيات سايكس بيكو”.
شجرة النسب: السُلم الذهبي من البو أجود إلى البو مروح
تمتلك أفخاذ قبيلة العزة نظاماً قبلياً فريداً يتفرع من جذعين رئيسيين:
1. البو أجود: بيت المشيخة والقيادة
يمثلون القلب النابض للقبيلة، ويتفرعون إلى:
- البو مروح: يحملون لواء المشيخة العامة، ومنهم:
- حبيب الخيزران (قاهر الانتداب البريطاني)
- فيصل حبيب (شيخ القبيلة الحالي)
- البو غصيبة: سدنة التقاليد العسكرية، وأبرزهم:
- علي البرهان (شيخ المشايخ المعاصر)
- غضبان خلف (الذي حوّل دلي عباس إلى عاصمة للعزة)
2. البو بكر: جناح القوة الشعبية
يشكلون 40% من القبيلة، وينقسمون إلى 14 فخذاً أبرزها:
- العرابضة: حراس التقاليد الشعرية (نخوتهم: “ياهيه يهل الرمك”)
- البو حردان: أسياد الزراعة في سواد بابل
- الجيايلة: فرسان معارك الحدود الإيرانية
الامتداد الجغرافي: من ديالى إلى الأردن.. خريطة الدم الزبيدي
المنطقة | الأفخاذ المهيمنة | التميز التاريخي |
---|---|---|
ديالى | البو أجود | 70% من سكان المحافظة |
بغداد | البو محمد | سكان مدينة الصدر (ثلثا السكان) |
فلسطين | الخصاونة | أمراء قرى جبرين وعجّور |
الأردن | الحروب العزّاوية | أبطال معركة 1948 |
سوريا | المجاودة | حراس حدود البوكمال |
النظام الاجتماعي: دستور القبيلة الذي هزم الدولة العثمانية
القضاء العشائري: محكمة الصحراء
يحكم شيوخ العزة عبر نظام فريد:
- صلح الدم: دية تصل إلى 100 مليون دينار عراقي
- المنافحة: حماية المستضعفين بموجب “جَوار الدم”
- مجلس الحكماء: هيئة تضم 40 شيخاً لفصل النزاعات
الاقتصاد: إمبراطورية من النخيل والحدود
- الزراعة: سيطرت البو حردان على 30% من أراضي بابل الزراعية
- حراسة الحدود: يتقاضى البو أجود “خراج حماية” من القوافل منذ العهد العثماني
- التجارة: يسيطر البو طراز على طرق التجارة بين كركوك وبغداد
الأدوار التاريخية: من صحابة النبي إلى مقاتلي داعش
لم تكن بطولات أفخاذ قبيلة العزة أساطيرَ ميتة:
- العصر العباسي: قاد الجد المؤسس عزيز بن محمد ميليشيات زبيد ضد المغول
- الحكم العثماني: حصل غضبان الخلف على فرمان سلطاني عام 1911
- ثورة العشرين: قدمت القبيلة 500 شهيد ضد البريطانيين
- 2003: قاد البو محمد “صحوات العزة” ضد المليشيات
- 2014: حرر البو بكر قرى ديالى من داعش
التحديات المعاصرة: قبيلة في مواجهة الحداثة
تواجه العزة معضلات وجودية:
- التشظي الجغرافي: انفصال فروع فلسطين والأردن عن الجذور العراقية
- تآكل النظام القبلي: صراع بين “عرابضة ديالى” و”خصاونة فلسطين” على تمثيل النسب
- الاستقطاب الطائفي: محاولات جرّ البو محمد إلى صراعات مذهبية
يردّ الشيخ علي البرهان: “دم عمرو بن معديكرب يجري في عروق كل عزّاوي.. وهذا يكفي”.
مشروع الخلود: كيف تحفظ العزة إرثها؟
أطلقت القبيلة:
- متحف عمرو بن معديكرب: يضم 600 قطعة أثرية من العصر الزبيدي
- مشروع الذاكرة الرقمية: توثيق 5,000 وثيقة تاريخية
- ملتقى العزة السنوي: يجمع فروع القبيلة من 6 دول
لماذا تصمد شجرة العزة 7 قرون؟
ثلاثة أسرار وراء خلودها:
- المرونة: تحولوا من رعاة إبل إلى سياسيين دون تفكك الهوية
- الذاكرة الدموية: يحملون الجين الزبيدي (J1-FGC2) بنسبة 78%
- التوازن: جمعوا بين الولاء للدولة والانتماء للقبيلة
“العزة كالنخلة.. كلما اشتدت رياح التغيير، ازدادت تمسكاً بتراب الأجداد” – د. عباس العزاوي (مؤلف “عشائر العراق”).
ختاماً، أفخاذ قبيلة العزة ليست مجرد أسماء في كتب الأنساب، بل هي قصة حية لدمٍ زبيديٍّ رفض الاندثار رغم تقلبات الزمن. هم حراس آخرون لسرٍّ يعيدنا إلى زمن الفتوحات: أن القبيلة ليست جماداً يُحنَّط في المتاحف، بل شجرةٌ متجددةٌ تُثمر كلما تمسكت بجذورها. وكما قال حبيب الخيزران لقادته: “إذا ضاع منكم نسب العزة، فارجعوا إلى سيف عمرو بن معديكرب.. فهو أصدق وثيقة”.
مواضيع ذات صلة: