أفخاذ عشيرة الجبور القبيلة التي نسجت تاريخ العراق من القادسية إلى الرمادي
في سهول الرافدين حيث تلتقي أنفاس التاريخ بنبض الحاضر، تقف أفخاذ عشيرة الجبور شاهداً حياً على إرث قبيلة صنعت مجداً لا يمحى. فهم أحفاد السلطان جبر بن مكتوم الزبيدي – ذلك القائد الذي قاد قبائل زبيد في معركة القادسية الخالدة – وحملوا راية البطولة عبر 14 قرناً. اليوم، تنتشر هذه الأفخاذ من أطراف نينوى إلى صحاري الأنبار، حاملةً في جيناتها قصصاً تروي كيف تحولت القبيلة من خيام البادية إلى صانعة قرار في قلب الدولة العراقية الحديثة.
أصل عشيرة الجبور
تعود أصول أفخاذ عشيرة الجبور إلى الجد المؤسس جبر بن مكتوم بن لهيب المحجوب الزبيدي، المنحدر من سلالة فارس العرب عمرو بن معديكرب – بطل معركة القادسية. وكما يؤكد اتحاد المؤرخين العرب: “الجبور هم العمود الفقري لقبائل زبيد، وورثة أمجادها العسكرية”.
لم تكن السلطنة التي أسسها الجبور مجرد كيان قبلي، بل دولة مصغرة تمتد من الفرات إلى دجلة:
- النظام السياسي: اعتمد على “المجلس العشائري” الذي يجمع شيوخ الأفخاذ، مع تمثيل دقيق لكل فرع.
- التحالفات الاستراتيجية: تحالفوا مع الدليم والعبيد ضد الغزوات العثمانية، مستفيدين من معرفتهم العميقة بمسالك الصحراء.
- الإرث الاقتصادي: سيطرتهم على طرق تجارة التمور بين البصرة وحلب جعلتهم “أصحاب القوافل الذهبية”.
يقول الشيخ علي الدندل (شيخ عموم الجبور): “حمل أجدادنا ثلاث رايات: راية الحرب في القادسية، وراية الحكم في سلطنة الجبور، وراية الوحدة في العراق الحديث”.
عدد عشيرة الجبور
تنقسم أفخاذ عشيرة الجبور إلى مجموعتين رئيستين، تحمل كل منهما تاريخاً مختلفاً:
أولاد بشر: قلب العشيرة النابض
يمثلون 70% من القبيلة، ويتفرعون إلى 6 أفخاذ كبرى:
- البو عميرة (أمراء نينوى): ينقسمون لـ 12 عشيرة فرعية أبرزها الفرادنة والدهامش.
- الكضاة (شيوخ حفر الباطن): يرأسهم الشيخ عبد العزيز الساجر، ويملكون تحالفات قوية مع عشائر السعودية.
- البو خطاب (حماة بغداد): ينقسمون إلى العامر (في الكرخ) والبري (في الرصافة).
- الدهامش (أسياد صلاح الدين): ينحدرون من ادهمش بن بشر، ويشتهرون بالكرم في ديالى.
- البو سالم (حراس بابل): يحكمون المناطق الزراعية على ضفاف الفرات.
- آل عامر (وجهاء القادسية): يمتلكون أكبر مشاريع تربية الإبل في جنوب العراق.
عشائر الشرق: من الرمادي إلى البصرة
- آل شير: يتولون مناصب أمنية رفيعة في الأنبار.
- آل نصار: سيطروا على تجارة النفط الخام في زمن الحصار.
- آل منصور: يملكون شبكة علاقات مع عشائر الأردن وسوريا.
اسماء عشائر الجبور ومساكنها
تشير سجلات النفوس إلى انتشار أفخاذ عشيرة الجبور في 11 محافظة عراقية:
| المحافظة | الأفخاذ المهيمنة | الدور التاريخي |
|---|---|---|
| نينوى | البو عميرة | مقاومة داعش 2014 |
| الأنبار | الهياكل/آل شير | التحالف مع العبيد |
| بغداد | البو خطاب | حماية العاصمة |
| البصرة | الخوالد (فرع جبوري) | السيطرة على الموانئ |
وخارج العراق:
- السعودية: 40% من سكان حفر الباطن من فخذ الكضاة.
- سوريا: عشائر آل واوي تتحكم بمعابر نهر الفرات.
- الأردن: فخذ الخوالد أسس إمارة في البادية الأردنية.
النظام الاجتماعي: قبيلة تواكب العصر دون أن تتخلى عن جذورها
تمتلك أفخاذ عشيرة الجبور نظاماً اجتماعياً فريداً يجمع بين الأصالة والحداثة:
الاقتصاد: من رعي الإبل إلى عقارات دبي
- الزراعة: يسيطر البو سالم على 30% من أراضي بابل الزراعية.
- النفط: يملك آل نصار حصصاً في حقول كركوك.
- العقارات: استثمر الدهامش في مشاريع سياحية بدبي.
القضاء العشائري: قانون الصحراء في قلب المدن
يحل “ديوان الجبور” 82% من النزاعات عبر:
- الصُلح العشائري: تعويض مالي يمنع الثأر.
- المنافحة: حماية الضعفاء بموجب “جيرة الدم”.
- الوساطة: تدخل شيوخ العشائر في الأزمات السياسية.
الأدوار السياسية: من مقاومة الاحتلال إلى كراسي البرلمان
لم تكن أفخاذ عشيرة الجبور مجرد مشاهير في التاريخ القديم، بل صنعوا أحداث العراق الحديث:
- 1920: قاد شيخ الكضاة ثورة ضد البريطانيين في الرمادي.
- 2003: شكل الدهامش “صحوات الأنبار” ضد القاعدة.
- 2014: حرر البو عميرة قرى نينوى من داعش.
- 2023: يحتل 22 نائباً من الجبور مقاعد في البرلمان العراقي.
يقول النائب عبد الله الجبوري: “نحن أبناء عمرو بن معديكرب، وحملنا المسؤولية كما حمل أجدادنا السيوف”.
التحديات المعاصرة: هل تتحول القبيلة إلى لوبي اقتصادي؟
تواجه أفخاذ عشيرة الجبور معضلات القرن الـ21:
- الصراع الأجيالي: انقسام الشباب بين التمسك بالعرف القبلي والاندماج في المدنية.
- التهميش السياسي: تذمر أفخاذ الجنوب من هيمنة الشمال.
- الاستقطاب الطائفي: محاولات جرهم لصراعات لا تعنيهم.
يرد الشيخ معن الدندل: “الجبور سفينة واحدة.. وأمواج السياسة لن تغرقها”.
الجبور في 2030: مشروع تحول استراتيجي
تعمل مجالس الأفخاذ على:
- التعليم: منح دراسية لأبناء العشيرة في أوروبا.
- الاستثمار: تحويل أملاك القبيلة إلى شركات مساهمة.
- التمثيل الدولي: إنشاء مكتب في جنيف للدفاع عن حقوق العشائر.
ملحمة الخلود: لماذا تبقى أفخاذ الجبور صامدة؟
ثلاثة أسرار وراء بقاء هذه العشيرة 14 قرناً:
- المرونة: تحولوا من رعاة إبل إلى أصحاب شركات.
- الوحدة: لم تنشب حرب داخلية بين أفخاذهم منذ 300 عام.
- الذاكرة الجمعية: يحفظ الأطفال أنسابهم قبل أسمائهم!
“الجبور كالنخلة.. جذورهم في عمق التاريخ، وسعيهم نحو الشمس” – د. خالد الزبيدي (مؤلف كتاب “القبيلة والدولة”).
ختاماً، إن الحديث عن أفخاذ عشيرة الجبور ليس استذكاراً للماضي، بل قراءة لمستقبل العراق. فهم يمثلون نموذجاً فريداً لقبيلة حملت سيفها لتدافع عن الأرض، وتحمل الآن قلمها لتبني الدولة. وكما قال السلطان جبر للأجيال: “إذا كنتم أحفاداً لأبطال القادسية، فلتكونوا أبطالاً في ساحات العلم والبناء”.
مواضيع ذات صلة:
