أفخاذ الشيابين : عندما تصبح الصحراء سجلا للفروسية والأنساب

في قلب صحراء الجزيرة العربية، حيث تُختَبر الأنساب بالنار والسيوف، تقف قبيلة الشيابين شاهدًا على عراقة عتيبة وأصالتها. ليست مجرد فخذ بين أفخاذ برقا، بل هي إمبراطورية قبلية تمتد من حَلْبَان في نجد إلى عشيرة في الحجاز، تحمل في طياتها تاريخًا من الفروسية الأسطورية والجدل النسبي الذي أثار مؤرخين وباحثين لقرون. يروي كبارهم أنهم من صُلب ثقيف، بينما تشير وثائق السيرة النبوية لابن هشام إلى انتسابهم إلى بني شيبان من سُلَيْم، سُدنة “العُزَّى” الذين تحدوا خالد بن الوليد بقصيدة خالدة:

“أيا عز شُدِّي شُدَّة لا شوي لها … على خالدٍ ألقي القناع وشمري”

هذا التناقض في الأصول لا ينفي حقيقة واحدة: أفخاذ الشيابين نسجت ملحمة وجودها بين رمال نجد وصخور الحجاز، فأصبحت “فهود نجد” كما يُلقبون، وأحد أعمدة عتيبة في الحروب والمنازلات. استمعنا لشيوخهم، وتتبعنا معاركهم، ووثقنا فخوذهم المتشعبة، لنجعل من هذا البحث مرجعًا شاملاً يليق بمجد قبيلة قال عنها فرسان شمر:

“البرق يبرق والرعد لـه ضبابـه … هلت على ابن حميد هو والشيابين”

نسب الشيابين وش يرجعون

قبل الغوص في تفاصيل أفخاذ الشيابين، لا بد من حل لغز أصولهم الذي حيّر النسابين. تنقسم الروايتان الرئيسيتان إلى:

1. الانتماء إلى ثقيف:
   وهي الرواية التي يتبناها كبار القبيلة أنفسهم، ويقولون: “المرء مؤتمن على دينه ونسبه”. فالشيابين اليوم يستوطنون مناطق الطائف وعشيرة – قلب ديار ثقيف التاريخية – مما يعزز هذه الرواية.
2. الانحدار من بني شيبان سُلَيْم:
   وتستند إلى مصادر تاريخية موثوقة مثل “السيرة النبوية” لابن هشام، التي تذكر أن سُدنة “العُزَّى” (مثل دُبيّة بن حرمي) كانوا من بني شيبان بن مُرّة من سُلَيْم. الجغرافيا تدعم هذا؛ فمنازل الشيابين الحالية (عشيرة، وادي العقيق) تطابق مواقع سدنة العُزَّى قديمًا.

بغض النظر عن الجذور، فإن الشيابين اليوم هم حلفاء عصمة من عيال منصور من برقا عتيبة، ودماؤهم اختلطت بدماء القبيلة في ساحات الوغى، حتى أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من نسيجها.

شجرة الشيابين

تنقسم قبيلة الشيابين إلى جذمين رئيسيين، يشكل كل منهما عالمًا قبليًا متكاملاً:

1. ذوو صالح: قلعة الفروسية وشوكة عتيبة

وهم العمود الفقري للقبيلة، وفيهم مشيخة الشيابين تاريخيًا. ينقسمون إلى ٨ أفخاذ رئيسية، أبرزها:

• الفهيدات:
  بيت المشيخة والأسد الضاري! منهم الشيخ هذال بن فهيد (المُلقب بـ “المجنون” لشجاعته الأسطورية)، الذي قاد عتيبة في معارك كبرى مثل “تِرْبَة”. وهم أصحاب المقولة الشهيرة: “نحن لا نعرف الهزيمة”. ومن فرسانهم الأشاوس: ضيف الله أبو لهب (الذي شرب دم خصمه)، وفيصل مزبن الدخيل (قاهر خمسة فرسان بقضّة واحدة!).
• القرافين (القرفانيون):
  يُضرب بهم المثل في الشجاعة. قادهم الشيخ مصلح بن مسيفر، وبرز منهم فرسان مثل عبيان بن موسم وحجيلان بن مقاطيف.
• العمور:
  يقودهم الشيخ حبيليص بن عديس، الفارس الذي أصبح اسمه مرادفًا للمناورة القتالية.
• العبادل (ذوي عبد الله):
  أكثر أفخاذ ذوي صالح عددًا، يقودهم اليوم الشيخ خاتم بن صنيتان القلص.
• فخوذ أخرى لا تقل بطولة:
  الزبالقة، الحفارى، الثقفان (حلفاء)، العواويد (ذوي عواد).

ملاحظة: الفهيدات والقرافين أبناء عمومة مباشرون (أبناء فهيد وقرفان بنو مسفر بن صالح).

2. ذوو خليفة: حراس الجبال وأهل المدر

يسكن معظمهم العَرْج والجَرْبة قرب الطائف، ويمارسون الزراعة إلى جانب الفروسية. أبرز أفخاذهم:

• ذوي شيبة:
  بيت المشيخة في ذوي خليفة، وشيخهم التاريخي فارس بن سحمان (أسير الأمير سعد بن عبدالرحمن آل سعود).
• الشوام والفوارين والفراهدة:
  أفخاذ مترابطة بالدفاع عن حوزة العَرْج.
• الصواهل وذوي كليب وذوي محمد وذوي سليمان:
  يشكلون الدرع الجنوبي للقبيلة في حواشي الطائف.

تاريخ الشيابين

لا يُفهم تاريخ أفخاذ الشيابين دون رصد حروبهم التي أصبحت مَعلَمًا في تاريخ الجزيرة:

• معركة عروى (يوم رموا ثيابهم في النار):
  تحالف الشيخ هذال بن فهيد مع داهية عتيبة محمد بن هندي ضد جيش ابن رشيد. أحرق الشيابين ثيابهم قائلين: “النصر أو الموت”. وانتهت بهزيمة ساحقة لخصومهم، حتى رثى فرسان شمر قتلاهم: “يوم انتويتو حربنا مع غـزالان … ماحربنا للي بغا الحرب خيره”
• كَوْن المُباحِيص:
  بقيادة هذال بن فهيد، سحقوا تحالفًا لمطير والدوشان في الدهناء.
• كَوْن الحَرَمَلية (اليوم الذي أنقذ فيه مسلط الروقة هذالًا):
  واجه الشيابين وحلفاؤهم ائتلافًا ضم قحطان ومطير وحرب وشمر. انسحب ابن هندي بحكمة تاركًا هذالًا يواجه الموت، لولا نجدة مسلط بن ربيعان ومارق الضيط من الروقة.
• هيئة الغبية والضيرين (تحت ظل الملك فيصل):
  انتصر الفهيدات على المساعرة من الدواسر مدعومين بالسديري، رغم قلة عددهم.

اعلام من قبيلة الشيابين

لن يُنسى جيل فرسان أفخاذ الشيابين الذين حوّلوا الصحراء إلى ساحة بطولة:

شيوخ الشيابين

رغم تحول معظمهم للحياة المدنية، تظل أفخاذ الشيابين محافظة على هياكلها القيادية:

• الفهيدات: الشيخ فيحان بن هذال بن هذال.
• القرافين: الشيخ حراز بن نايف بن مسيفر.
• العبادل: الشيخ خاتم بن صنيتان القلص.
• العمور: الشيخ ذيب بن ناشي بن عديس.
• ذوي خليفة: الشيخ ابن سحمان.

وللقبيلة ممثل رسمي في “فوج عتيبة” هو سلطان بن ماجد الفهيدي، تعترف به الدولة.

ديار الشيابين

تمتد ديار أفخاذ الشيابين عبر مساحات شاسعة:

• في نجد:
  حَلْبَان، أبو سليم، الردادي، الزلعاء، الصنحة، جبل عدل (موارد مياه استراتيجية).
• في الحجاز:
  عشيرة، وادي العقيق، العَرْج، الجَرْبة، ركبة.

هذه الأرض لم تُمنح، بل دُفِع ثمنها دماءً في معارك مثل “يوم العصبة” ضد ابن رشيد.

الختام: قبيلة لم تُكتب لها الهزيمة.. فقط انتصارات أو انسحابات تكتيكية!

أفخاذ الشيابين ليست مجرد أسماء في شجرة نسب. إنها روح عتيبة المتوثبة، وفلسفة “الصمود حتى النصر” التي جسدها هذال بن فهيد بقوله:

“إما أن أُقتل.. أو أُكَسر في يدي عشرة أسياف!”

من جدل النسب بين ثقيف وسُلَيْم، إلى هزيمة جيوش شمر وقحطان في “الحَرَمَلية”، إلى فرسان شربوا دماء أعدائهم.. صنع الشيابين سرديتهم الخاصة. هم اليوم حراس تحول القبيلة من حياة البادية إلى عصر الدولة، دون أن يتخلوا عن نخوتهم التي اختصرها شاعرهم:

“نحن رجالٌ إذا استُحرِموا أكرموا … وإذا استُبِحوا بيضَ السيوفِ أحرموا”

فهل يُعقَل بعد هذا كله، إلا أن تكون الشيابين هي العِرق النابض في قلب برقا؟!

مواضيع ذات صلة: