أصل قبيلة شمران: جذور تمتد من مذحج إلى قمم سراة الحجاز

تُعد قبيلة شمران إحدى أعرق القبائل العربية التي ارتبط تاريخها بجنوب الجزيرة العربية، حيث تنحدر من أصول مذحجية تعود إلى شمران بن يزيد بن حرب بن علة بن جلد بن مذحج. من اليمن إلى سراة الحجاز وتهامة، تشكلت هوية هذه القبيلة عبر تحالفات تاريخية وانتشار جغرافي واسع، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي للمنطقة.
الجذور التاريخية: أصل قبيلة شمران من مذحج إلى خولان
تعود أصول شمران إلى شمران بن يزيد، أحد أبناء حرب بن علة من قبيلة مذحج القحطانية. ومع ذلك، تذكر بعض المصادر مثل كتاب “الإكليل” أن شمران انضم إلى حلف مع خولان بن عمرو بن قضاعة، مما أدى إلى اختلاط أنسابها مع قبائل خثعم المجاورة. هذا التحالف، الذي يُعتقد أنه ناتج عن التجاور الجغرافي، جعل بعض المؤرخين يربطون شمران بكل من مذحج وقضاعة.
شجرة النسب: من يزيد بن حرب إلى قبائل الجنوب
تتفرع شجرة نسب شمران من:
شمران بن يزيد → حرب → علة → جلد → مذحج → أدد.
ووفقاً لابن حزم في “كنز الأنساب”، فإن شمران كانت جزءاً من تحالف ستة إخوة (منبه، الحارث، الغلي، سنحان، هفان، وشمران) ضد أخيهم صداء، مما أدى إلى تسمية ذريتهم لاحقاً بـ “جنب”، وهي إحدى قبائل قحطان الحالية.
الانتشار الجغرافي: من سراة عبيدة إلى تهامة
تشغل قبيلة شمران اليوم مناطق واسعة تمتد من سراة عبيدة في الجنوب إلى تبالة وبيشة في الشمال، وتحدها قبائل بلقرن من الجنوب، وعليان وأكلب من الشمال. تنقسم ديارهم إلى:
- شمران الشام: يرتحلون إلى وادي بيشة صيفاً لجني التمور.
- شمران اليمن: يحافظون على تحالف دفاعي مع فروع القبيلة.
- شمران تهامة: يتركزون في سبت الروحا ووادي جفن، ومن أفخاذهم المشهورة المطاع والعبد الله.
- شمران باشوت: مقرهم الرئيسي في وادي باشوت، ويُعتبر قرن بن ساهر أحد أبرز رموزهم.
- شمران الحارثية: يستقرون في وادي أدمة (البشائر حالياً)، ومنهم عشائر النجاجير والعبادلة.
- شمران الفزع: بدو رحل في وادي تبالة، عرفوا بتربية الإبل.
أصل قبيلة شمران في السياق الثقافي: لهجة فريدة وتحالفات تاريخية
تمتلك شمران لهجة مميزة تُظهر تأثيرات حميرية قديمة، مثل استخدام أداة التعريف “ام” بدلاً من “ال”، كما في كلمة “امبي” (البيت). بالإضافة إلى ذلك، لعبت القبيلة دوراً محورياً في التحالفات العسكرية، مثل حلف خثعم، الذي ضم قبائل شهران وأكلب وناهس، وساهم في صعود نفوذها خلال القرنين الثالث والرابع الهجريين.
الأعلام والمعالم: صنم العبلاء وسوق السبت
من أبرز المعالم التاريخية المرتبطة بشمران:
- صنم العبلاء: معبود قديم في تبالة، يُذكر كشاهد على تاريخهم قبل الإسلام.
- سوق السبت: يُقام في تبالة وسبت الروحا، ويعكس النشاط التجاري للقبيلة.
التحديات والصراعات: من التحالفات إلى التوسع
واجهت شمران تنافساً مع القبائل المجاورة، مثل شهران وأكلب، لكنها استطاعت فرض وجودها عبر:
- القوة العسكرية: اشتهروا بـ”الطعان” (المقاتلين البارعين).
- التحالفات الذكية: مثل انضمامهم لحلف خثعام، الذي أعطاهم نفوذاً في الحجاز ونجد.
خاتمة: قبيلة كتبت تاريخاً بين الجبال والوديان
لم تكن شمران مجرد قبيلة بدوية، بل كانت إمبراطورية مصغرة جمعت بين القوة العسكرية والذكاء السياسي. من مشاركتهم في حروب مذحج إلى تحالفاتهم مع خثعم، تظل هذه القبيلة نموذجاً للاندماج بين الأصالة التاريخية والتكيف مع تحولات الزمن. اليوم، يحمل أبناؤها إرثاً ثقافياً ولغوياً فريداً، يشهد على عمق جذورهم في جنوب الجزيرة العربية.