أسماء عائلات قبيلة الترابين : تاريخ عريق وامتداد جغرافي

إن فهم أسماء عائلات قبيلة الترابين وفروعها وبطونها، يمثل مفتاحًا رئيسيًا للغوص في عمق تاريخ المنطقة، واستكشاف العلاقات القبلية المعقدة، والنظم الاجتماعية التي سادت في تلك الحقبة. يعكس هذا المقال محاولة لتقديم صورة شاملة ومفصلة عن هذه القبيلة الأصيلة، معتمدين على ما ورد في المصادر التاريخية، والروايات الشفهية، وأبحاث النسابة والمؤرخين.

تعد قبيلة الترابين من أعرق وأكبر القبائل العربية البدوية، التي تركت بصمتها الواضحة في تاريخ وجغرافيا منطقة الشام وشبه جزيرة سيناء. تمتد جذور هذه القبيلة العريقة عبر قرون من الزمن، لتشمل مناطق واسعة في فلسطين والأردن ومصر.

الأصول التاريخية والتوزع الجغرافي لقبيلة الترابين

يُشير الحموي، في معرض حديثه عن منطقة النقب، إلى تسميتها بـ “تربان”، مما يؤكد العلاقة التاريخية الوثيقة بين هذه القبيلة وموطنها الأصلي. فلقد عُرفت هذه المنطقة بهذا الاسم منذ العصر العباسي وما قبله، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من هوية الترابين. ينتشر أفراد القبيلة اليوم في ثلاثة بلدان رئيسية: فلسطين، حيث يتواجدون في صحراء النقب، وفي الأردن، ومصر، وتحديدًا في شبه جزيرة سيناء وشمال وشرق مصر. هذا التوزع الجغرافي الواسع يعكس قوة القبيلة وتأثيرها على مر العصور.

تُقدم المصادر التاريخية لمحة عن أصول الترابين، حيث يُعد المؤرخ الجزيري (المتوفى سنة 1570م) أول من ذكر نسبهم بشكل موثق. فقد أشار الجزيري إلى الترابين كجزء من “بني عطية”، وحدد مناطق تواجدهم في ثمد الحصى، والفيحاء، ووادي العراقيب، وآبار العلائي. هذه الإشارة المبكرة تضع الترابين ضمن إطار قبلي معروف، وإن كانت الروايات المتواترة بين أبناء القبيلة تؤكد استقلال نسبهم عن قبائل أخرى كالمعازة أو الحويطات، مع الاعتراف بجد مشترك هو عطية.

اختلافات المؤرخين في تحديد الأصول: جدل حول النسب

لطالما كان نسب القبائل العربية موضوعًا لجدل المؤرخين والنسابين، وقبيلة الترابين ليست استثناءً. فبينما يُشير الجزيري إلى أن الترابين من بني عطية، يقدم مؤرخون آخرون رؤى مختلفة:

هذه الاختلافات تعكس تعقيدات النسب القبلي، وتداخلاته التاريخية، وتأثرها بالتحالفات والتحولات الجغرافية عبر الزمن. إلا أن ما هو ثابت أن أسماء عائلات قبيلة الترابين ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتاريخ هذه المنطقة.

دلالة التسمية ولقب “أبناء عطية”

يُعتقد على نطاق واسع أن تسمية “الترابين” جاءت نسبة إلى منطقة “تربان” التاريخية في النقب. هذا الارتباط الجغرافي يُعززه ما قاله الحموي، وما ورد في شعر المتنبي خلال رحلته إلى مصر، حيث ذكر “تربان” كجزء من مساره: “وَنَحنُ بِتُربانَ ها. وَهَبَّت بِحِسمى هُبوبَ الدَبورِ”. هذا التأصيل الجغرافي يُضفي بعدًا تاريخيًا عميقًا على اسم القبيلة.

أما لقب “أبناء عطية”، فهو اللقب الأكثر شيوعًا الذي يُعرف به أبناء الترابين بين القبائل الأخرى. يؤكد أحمد أبو بكرة الترباني أن هذا اللقب يشير إلى أنهم من جذام، وأن جدهم هو عطية بن نجم بن عطية. هذا يوضح الصلة المباشرة بين الترابين وجذام، ويعزز الرأي القائل بأنهم جزء من نسيج قبلي أوسع.

أسماء عائلات قبيلة الترابين وأفخاذها الرئيسية

تتفرع قبيلة الترابين إلى عدد كبير من العشائر والفصائل، التي تتوزع على خمسة بطون رئيسية. هذه البطون تُشكل الهيكل التنظيمي للقبيلة، وتُمثل امتدادًا طبيعيًا للجد عطية بن بكر بن وائل. يُقدر عدد أفراد القبيلة بنحو 32 ألف نسمة بحسب إحصائيات حكومة الانتداب البريطاني عام 1946م، مما يدل على حجمها الكبير ونفوذها.

البطون الخمسة الرئيسية:

  1. النجمات: يُعدون من أكبر بطون الترابين، ويضمون العديد من الفصائل والعشائر. يُعرفون بأنهم أبناء نجم بن عطية. من أبرز أسماء عائلات قبيلة الترابين المنضوية تحت النجمات:
  1. الغوالية: وهم أيضًا أبناء نجم بن عطية، وقد استقلوا بمشيخة خاصة بهم. تُعرف الغوالية بأنها مجموعة واسعة تضم العديد من الفروع الهامة:
  1. القصار: وهم من أبناء مساعد بن عطية بن نجم. من الفصائل المنتمية إلى هذه العشيرة:
  1. النبعات: من أبناء نبع بن عطية بن نجم، وتضم فروعًا مثل:
  1. الحسابلة: وهم بالأصل فرع من النبعات، لكنهم استقلوا بمشيخة خاصة بهم.

تُشكل هذه البطون والفروع الشبكة الأساسية التي تُعرف بها أسماء عائلات قبيلة الترابين، وتُظهر مدى اتساع وتنوع القبيلة.

امتداد النفوذ وتأثير الترابين في المنطقة

تُعد الترابين أكبر قبيلة في شبه جزيرة سيناء وصحراء النقب من حيث عدد الأفراد وحجم الانتشار. يبلغ تعداد البدو في مصر حوالي 2.6 مليون نسمة، وتُشكل الترابين جزءًا كبيرًا ومؤثرًا من هذا التعداد. منازلهم تمتد جنوب الخليل، وتتركز غالبيتهم في صحراء النقب غربي قضاء بئر السبع، وداخل سيناء، وشمال وشرق مصر، وجنوب الأردن. هذا الانتشار الواسع جعل منهم قوة لا يُستهان بها في المنطقة.

تُعتبر مناطق انتشار عشائر الترابين من أخصب المناطق وأكبرها. ففي عام 1920، بلغ اتساع أراضيهم حوالي 455 ألف حبل، أي ما يقارب 796,225 دونمًا. هذا الاتساع الجغرافي يُبرز الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للقبيلة.

تعداد أفراد القبيلة تضاعف بشكل ملحوظ عبر السنوات. ففي تعداد عام 1931، بلغ عددهم 16,284 نسمة، منهم 8814 ذكور و 7470 إناث. وفي عام 1946، وصل التعداد إلى 32,381 نسمة، مما يؤكد النمو الديموغرافي الكبير للقبيلة.

النظام القبلي والعلاقات البينية: أحلاف ومعاهدات

كان النظام القبلي هو السائد في المنطقة، حيث كانت الجماعات تتفاخر بأنسابها وخصائصها. ومع مجيء الإسلام، تغيرت هذه النظرة، حيث أكد الدين على المساواة ونبذ العنصرية والعنف بين الأشخاص، معتمدًا على التقوى والعمل الصالح كمعايير للتفاضل.

تُعرف القبائل البدوية، ومنها الترابين، بشبكة معقدة من العلاقات التي تتضمن الأحلاف والمعاهدات. يُعرف “الحلف” بأنه معاهدة دفاعية وهجومية، بينما “القلد” هو معاهدة سلمية تهدف إلى منع الحروب وحفظ السلام. وقد كان للترابين حلف قديم مع الحويطات واللحيوات والطورة، وقلد مع التياها، وحلف جديد مع التياها. كما كان هناك قلد بين السواركة والعيايدة من جهة، والترابين من جهة أخرى، وقلد بين السواركة وكل من التياها واللحيوات. هذه العهود تُرجع إلى تقسيم قديم بين البدو إلى شطري “سعد” و”حَرام”، حيث يُصنف الترابين ضمن شطر “حَرام” وفقًا لأوبنهايم.

شهادات المؤرخين حول قوة ونفوذ الترابين

حظيت قبيلة الترابين باهتمام العديد من المؤرخين والباحثين الذين أشادوا بقوتها ونفوذها في المنطقة:

هذه الشهادات التاريخية تُعزز مكانة قبيلة الترابين كقوة فاعلة ومؤثرة في تاريخ المنطقة، وتُسلط الضوء على عمق تاريخهم وعراقة أسماء عائلات قبيلة الترابين.

الروايات الشفهية والشعر في توثيق الأصول

تُعد الروايات الشفهية والشعر الشعبي مصادر هامة لتوثيق تاريخ القبائل، خاصة في غياب المصادر المكتوبة الغزيرة. وقد تواترت الروايات الشفهية وأشعار شعراء الترابين على نسبتهم إلى قبيلة البقوم ووادي تربة شرق مكة المكرمة.

يُعد الشاعر عنيز أبو سالم الترباني من أبرز شعراء الترابين الذين ربطوا القبيلة بالبقوم ووادي تربة. فقد قال في شعره:

هذه الأبيات الشعرية ليست مجرد تعبيرات فنية، بل هي توثيق حي للعلاقة التاريخية والجغرافية التي يفتخر بها أبناء الترابين. وتُعتبر هذه الروايات جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية للقبيلة، وتُعزز فهمنا لـ أسماء عائلات قبيلة الترابين وأصولها.

الخلاصة

تُعد قبيلة الترابين من أبرز القبائل العربية البدوية التي رسمت ملامح تاريخ وجغرافيا النقب وسيناء ومناطق أخرى في فلسطين والأردن ومصر. إن استكشاف أسماء عائلات قبيلة الترابين وفروعها وبطونها يُقدم لنا نظرة عميقة على تنظيم القبيلة، ونفوذها، وعلاقاتها المعقدة مع القبائل الأخرى.

على الرغم من اختلاف آراء المؤرخين والنسابين حول تفاصيل نسبهم الدقيق، إلا أن هناك إشارات قوية تربطهم إما ببني عطية الجذامية أو بقبيلة البقوم الحجازية، مع ارتباط وثيق باسمهم وتاريخهم بمنطقة النقب المعروفة تاريخيًا باسم “تربان”. ويتميز التنظيم العشائري للقبيلة بتفرعاتها وبطونها المتعددة التي تُشكل نسيجًا اجتماعيًا متماسكًا.

إن تاريخ قبيلة الترابين يعكس صمود البدو، قدرتهم على التكيف مع البيئات الصعبة، ودورهم المحوري في الحفاظ على التقاليد والعادات العربية الأصيلة. فهم ليسوا مجرد مجموعة من العائلات، بل هم جزء لا يتجزأ من النسيج الثقافي والاجتماعي للمنطقة، وما زالوا يلعبون دورًا مهمًا في المجتمعات التي يعيشون فيها.

Exit mobile version