أحلاف قبيلة هذيل، كغيرهم من القبائل العربية العريقة، نسجوا عبر التاريخ شبكة واسعة من التحالفات مع قبائل أخرى، شكلت جزءًا هامًا من تفاعلاتهم الاجتماعية والسياسية في شبه الجزيرة العربية. وتعد هذه الأحلاف وثائق تاريخية تلقي الضوء على طبيعة العلاقات القبلية في تلك الحقبة.
أحلاف قبيلة هذيل ضمن حلف خندف: مظلة القبائل المضرية
يعد حلف خندف من أبرز التكتلات القبلية التي انضوت تحت لوائها أخلاف قبيلة هذيل جنبًا إلى جنب مع قبائل ذات ثقل تاريخي مثل قريش وكنانة وتميم، بالإضافة إلى كيانات قبلية أخرى كـ مطير والبقوم وثقيف وسليم وسبيع وغامد والسهول.
ويعرف حلف خندف، أو ما يُطلق عليه مسمى العرب الخندفية أو الإلياسية، بأنه تجمع قبلي واسع ينتمي إلى مضر الحمراء، وينتسب إلى إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان. وقد تفرعت من هذا الحلف فروع رئيسية كبني تميم وكنانة وهذيل وبني أسد، التي انبثقت منها شعوب وقبائل عديدة، بالإضافة إلى فروع أصغر كـ الرباب وضبة ومزينة وعضل وبني كعب في خزاعة. وتجدر الإشارة إلى ورود حديث نبوي شريف عن إلياس بن مضر: «لا تسبوا إلياس فإنه كان مؤمنا».
وقد اكتسبت قبائل خندف هذا الاسم نسبة إلى أمهم خندف ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، زوجة إلياس بن مضر ووالدة أبنائه الثلاثة: مدركة وطابخة وقمعة.
لقد شكل أخلاف قبيلة هذيل وقبائل قريش وكنانة وبنو تميم والقارة النواة الصلبة لحلف خندف. ومع ما تمتعت به هذه القبائل الخندفية النسب من قوة ومنعة وتاريخ عريق، انضمت إليها قبائل أخرى لا تنتمي إليها نسبيًا مثل مطير والبقوم وثقيف وسليم وسبيع وغامد والسهول، مما أدى إلى نشوء حلف خندف الذي جمع بين القبائل الخندفية الأصل وتلك المتحالفة معها. وفي المقابل، ظهر حلف آخر منافس عرف بحلف شبابة، والذي ضم قبائل عتيبة وزهران وعنزة وبني حرب وبني الحارث وبني مالك.
أحلاف قبيلة هذيل وحلف الأحابيش: تحالف استراتيجي في مكة
كان حلف الأحابيش تحالفًا تاريخيًا ذا أهمية في منطقة شبه الجزيرة العربية، وقد ضم قبائل متنوعة سعت لتحقيق مصالح مشتركة.
ويعتبر حلف الأحابيش أول الأحلاف التي شهدتها مكة في فترة الجاهلية قبل الإسلام، وقد انعقد في عهد عبد مناف بن قصي، الجد الثالث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقد ضم هذا الحلف عددًا من قبائل مكة وما حولها التي اتفقت على التحالف ضد بني بكر بن عبد مناة من قبيلة كنانة، واستمر هذا الحلف حتى بعد بزوغ فجر الإسلام.
وقد تشكل الحلف من القبائل التالية: بنو النضر (قريش) بن كنانة بن خزيمة، وبنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة، وبنو الهون بن خزيمة، وبنو المصطلق والحيا من خزاعة، وبنو نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة.
وكان سادة هذه القبائل الذين عقدوا الحلف هم: عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي الكناني، ومسك الذئب أبو معيط وهو عمرو السياح بن عامر بن عوف الحارثي الكناني، ومالك بن عامر بن عوف الحارثي الكناني، وتيم بن عامر بن عوف الحارثي الكناني، وأبو ضرار بن مالك الهوني، وشيطان بن عمرو بن كعب الأحمري الكناني.
أما أخلاف قبيلة هذيل، فقد كانت حليفة لحلف الأحابيش ولم تكن جزءًا من الحلف الداخلي المؤسس، إلا أنها كانت قوة مساندة وشهدت معظم مناسبات وأحداث هذا التحالف الهام.
حلف هذيل والبقوم: استقرار ونسب عريق في تربة
أثمر حلف أخلاف قبيلة هذيل مع قبيلة البقوم عن استقرار فرع من أخلاف قبيلة هذيل في منطقة تربة، كما تشير المصادر التاريخية.
ويعرف هذا الفرع بـ “هذيل تربة” أو “هذيل البقوم”، وهم يشكلون إحدى أكبر قبائل تربة. وينحدرون في الأصل من قبيلة هذيل العدنانية المتواجدة شمال الطائف. وقد هاجر أجدادهم قديمًا إلى تربة واستوطنوا بالقرب من جبل حضن، وتحالفوا مع قبيلة البقوم حلف جوار. ويعدون اليوم من كبرى قبائل تربة، وما زالوا يحافظون على نسبهم الأصيل إلى قبيلتهم الأم هذيل. ولهم فروع في دولة الكويت. ومن أبرز شخصياتهم الشيخ الفارس مقعد بن حدري الهذيلي. ويطلق على المنتسب إلى هذيل تربة لقب “الهذيلي”.
أحلاف أخرى لـ أخلاف قبيلة هذيل: تفاعلات قبلية متنوعة.
إلى جانب هذه الأحلاف الكبرى، نسجت أخلاف قبيلة هذيل تحالفات أخرى مع قبائل مجاورة. مما يعكس طبيعة العلاقات القبلية المتشابكة في تلك الفترة.
حلف بني حوية بن سعد بن هذيل مع قبيلة عبس
تشير المصادر التاريخية إلى وجود أحلاف بين فرع بني حوية بن سعد بن هذيل وقبيلة عبس من غطفان. مما يدل على تفاعلات أخلاف قبيلة هذيل مع قبائل أخرى في محيطها الجغرافي.
حلف آل سدوس مع خزاعة
كان هناك تحالف آخر يجمع بين فرع آل سدوس من بني خناعة بن سعد بن هذيل وقبيلة خزاعة. ويشير “حلف آل سدوس” إلى هذا التحالف الذي نشأ في فترة الجاهلية.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن الأحلاف كانت جزءًا لا يتجزأ من الحياة السياسية والاجتماعية في الجزيرة العربية قبل الإسلام. حيث كانت توفر الحماية وتساهم في تسوية النزاعات بين القبائل المختلفة. وقد سكن آل سدوس، وهم جزء من بني خناعة من أخلاف قبيلة هذيل، في مناطق شمال مكة. وكان لتحالفهم مع خزاعة أهمية في تعزيز مكانتهم ونفوذهم في تلك الحقبة.
حلف حبيب السهمي ورهطه من بني سهم من هذيل مع خزاعة
بالإضافة إلى حلف آل سدوس، تذكر المصادر التاريخية وجود حلف آخر بين حبيب السهمي ورهطه من بني سهم من أخلاف قبيلة هذيل مع قبيلة خزاعة. مما يؤكد على عمق العلاقات والتحالفات التي جمعت بين هذيل وخزاعة في فترات تاريخية مختلفة.
إن دراسة هذه الأحلاف التي انخرطت فيها أخلاف قبيلة هذيل تقدم لنا نافذة قيمة لفهم الديناميكيات القبلية في شبه الجزيرة العربية. وتسلط الضوء على الدور الهام الذي لعبته هذه القبيلة العريقة في تشكيل ملامح تلك الحقبة التاريخية.
مواضيع ذات صلة:
