الدين والحياة

يوم عرفة منزلة عظيمة وفرصة لا تُعوّض

يُعدّ يوم عرفة منزلة عظيمة وفرصة لاتعوض وهو من أعظم الأيام وأشرفها وأرفعها منزلة عند الله تبارك وتعالى. تكفي الإشارة إلى فضل صيامه الذي يُكفّر سنتين، سنة ماضية وسنة قادمة، لنُدرك أهمية التخطيط الأمثل لاستغلاله الاستغلال الأكمل.

يُشير الشيخ أبو الحسن السليماني إلى أن الأمة الإسلامية أمةٌ مرحومة، ومن تمام رحمة الله بها، أن عوضها عن قِصَر أعمارها بمواسم الخير التي تتجلّى فيها أبواب السماء لاستجابة الدعاء وقبول الأعمال. ومن هذه المواسم أيام عشر ذي الحجة، ويوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق، وهي الأيام المعلومات التي ذكرها الله تعالى.

في ظل المحن التي تمر بها الأمة الإسلامية، والتي لا كاشف لها إلا الله، ينصح الشيخ السليماني المسلمين جميعًا – حجاجًا وغير حجاج – بالإكثار من الدعاء في هذه المواسم المباركة. يدعو للمسلمين عامة، ولبلدانهم خاصة، مع التأكيد على مراعاة أسباب قبول الدعاء، مثل: حضور القلب وتواطئه مع اللسان، التضرع والانكسار، التذلل والافتقار، الإلحاح والتملق لله جل ثناؤه. هذا كله لكشف الكربات والغمم التي حلّت بالبلاد والعباد، مع حسن الظن بالله وصدق التوكل عليه، لا سيما في يوم عرفة الذي يُعدّ دعاؤه أفضل الدعاء، وهو خير يوم طلعت فيه الشمس. يقول الله تعالى: ﴿ادعوا رَبَّكُم تَضَرُّعًا وَخُفيَةً﴾، مع قطع الآمال والتعلق بغير الله القوي العزيز. والله ولي التوفيق والسداد والقبول.

برنامج مقترح ليوم عرفة: استثمار كل لحظة

يوم عرفة منزلة عظيمة عند من يعرف ذلك، وهو يوم واحد في السنة، يجب ألا نُفرّط فيه أبدًا. إليكم جدول مقترح لاستثماره أقصى استثمار:

  • ليلة عرفة: احرص على النوم مبكرًا لتقوية جسدك على طاعة الله في هذا اليوم المبارك.
  • قبل الفجر: استيقظ مبكرًا لتناول السحور.
  • قيام الليل والدعاء: صلّ أربع ركعات على الأقل من قيام الليل، وأطل السجود داعيًا بخير الدنيا والآخرة. احرص على البكاء أو التباكي، واحمد الله أن بلغك هذا اليوم العظيم الذي تتنزل فيه الرحمات والمغفرة.
  • الاستغفار في الأسحار: خصص وقتًا قبل الفجر للاستغفار لتُكتب من المستغفرين بالأسحار.
  • الاستعداد لصلاة الفجر: توضأ قبل الأذان بخمس دقائق، واستشعر أن ذنوبك تتساقط مع كل قطرة ماء من أعضائك.
  • دعاء ما بعد الوضوء: لا تنسَ ترديد الدعاء المأثور بعد الوضوء.
  • صلاة الفجر والجلوس في المصلى: صلّ الفجر في جماعة، واجلس في مصلاك حتى مرور 15 دقيقة بعد الشروق.
  • التكبير المطلق: ابدأ التكبير مباشرة بعد السلام من صلاة الفجر.
  • الذكر وتلاوة القرآن: استغل وقت جلوسك في المصلى حتى الشروق بقراءة القرآن، والتسبيح، والتهليل، والتحميد، ولا تنسَ أذكار الصباح.
  • صلاة الشروق: صلّ ركعتي الشروق لتحصيل أجر حجة وعمرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إياك أن تفوت هذه الفرصة العظيمة.
  • القيلولة أو مواصلة الطاعة: أنت مخيّر هنا: إما أن تستمر في الذكر والدعاء والعبادة طوال اليوم مع اليقين بالإجابة، أو تأخذ قيلولة قصيرة بنية التقوي على طاعة الله.
  • صلاة الضحى وتنويع العبادات: بعد الاستيقاظ من القيلولة، توضأ وصلّ أربع ركعات على الأقل من صلاة الضحى. نوّع بين الطاعات لتجنب الملل: التكبير، الذكر، تلاوة القرآن، والإكثار من قول “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير”.
  • صلاة الظهر: صلّ الظهر، وكبّر، وسبّح، واقرأ ما تيسر من القرآن.
  • خطبة عرفة: استمع إلى خطبة عرفة بكل جوارحك، وعاهد نفسك أن يكون هذا العام أفضل من كل عام في تطبيق ما تتعلمه.
  • صلاة العصر وأذكار المساء: صلّ العصر، وكبّر، وقل أذكار المساء.
  • الدعاء قبل المغرب: اقرأ القرآن حتى قبل المغرب بساعة تقريبًا، ثم ابدأ في الدعاء بخشوع وتذكر وقوفك أمام الله. لا تنسَ إخوانك المسلمين المستضعفين في كل مكان.
  • دعاء العتق: ادعُ الله ألا تغرب شمس عرفة إلا وأنت من عتقائه من النار.
  • الإفطار ودعوة الصائم: عند أذان المغرب، ابدأ الإفطار، وتذكر أن للصائم دعوة لا تُرد. ذكّر بها أهلك ومن تحب.

جعلنا الله وإياكم من عتقائه من النار ومن المقبولين.

لماذا يوم عرفة عظيم؟ سر المكان والزمان والإنسان

تكمن عظمة يوم عرفة في دلالته على عظم الزمان والمكان، إضافة إلى كونه محطة أساسية في مسيرة الإنسان الدينية.

يُشير النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “الحج عرفة”؛ ما يؤكد عظم الزمان (التاسع من ذي الحجة) وعظم المكان (الوقوف بعرفة). في هذا اليوم، بدأ الإنسان وإليه يعود، وفيه بدأ الزمان وفيه يكتمل، وفيه بدأ الدين وفيه اكتمل.

يُروى في الحديث الصحيح أن الله تعالى أخرج من آدم ذريته ونثرهم أمامه كالذَّر في بطن نعمان (وهي عرفة) وخاطبهم بقوله: “ألست بربكم؟” قالوا: “بلى شهدنا”. هذا يشير إلى أن بداية الإنسان كانت في عرفة.

أما عن بداية الزمان واكتماله، فقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم الحجيج يوم عرفة في عرفة بقوله: “أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض”. ففي استدارة الزمان، بدأ في عرفة، وفي اكتمالها ينتهي في عرفة.

وعلى صعيد الدين، نجد بدايته في عرفة، ففي هذا اليوم خاطب آدم وذريته وأخذ عليهم العهد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا بعد إقرارهم بربوبيته. تلا ذلك إرسال الرسل وإنزال الكتب بالتشريعات، ثم ختم الرسل بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أُكمل به الدين بقوله تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا﴾، وكان ذلك يوم عرفة في عرفة. في هذا اليوم أُكمل الدين وأُتمت النعمة، ويتجدد العهد بالالتزام بالدين وشكر النعمة في عودة الإنسان إلى عرفة للحج.

إضافة إلى ذلك، تتجلى عظمة عرفة في نزول الله تعالى فيه ليغفر للحجيج ويعطيهم سؤلهم، ويعتق فيه من النار أكثر مما يعتق في رمضان. فهل من مُدّكر؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock