يوم عرفة في الإسلام : فضائل وأحكام وآداب
يُعدّ يوم عرفة في الاسلام من أعظم الأيام، وهو ركن أساسي من أركان الحج الذي لا يصحّ إلا به. يوافق هذا اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، وفيه يقف الحجاج على صعيد عرفات الطاهر، مصلّين وداعين ومتضرّعين إلى الله تعالى، طالبين المغفرة والرحمة والعتق من النيران. تتجلّى عظمة هذا اليوم في كونه فرصة عظيمة للتوبة النصوح، وتجديد العهد مع الله، والتقرب إليه بالعبادات والدعاء.
أحكام الوقوف بعرفة
اتفق العلماء على أن الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم للحج، فمن فاته الوقوف فاته الحج. ويترتب على ذلك، في قول أكثر العلماء، وجوب الهدي.
وقت الوقوف: يبدأ وقت الوقوف بعرفة من زوال شمس يوم عرفة (بعد الظهر) ويمتد إلى طلوع فجر يوم عيد الأضحى. لا يجب الوقوف في جميع هذا الوقت بإجماع العلماء، إلا أن الأئمة اختلفوا فيما يحصل به الركن:
- المذهب المالكي: يرى أن الركن هو الوقوف بجزء من الليل، ويجب أن يبدأ الوقوف من الزوال.
- المذهب الشافعي والحنفي: يريان أن الركن هو الوقوف بالنهار، أما الوقوف بالليل فهو واجب يُجبر بالدم (ذبح شاة أو ما يعادلها).
آداب الدعاء يوم عرفة
يُعدّ الدعاء في يوم عرفة من أفضل الأعمال وأحبّها إلى الله تعالى. ولتحقيق أقصى استفادة من هذا اليوم المبارك، ينبغي للمسلم، سواء كان واقفًا بعرفة أو صائمًا في بلده، أن يلتزم بآداب الدعاء التالية:
- السكينة والوقار: على الواقف أن يلزم الهدوء والخشوع، وأن يبتعد عن اللغط والجدل، مركزًا على عظم الموقف.
- كثرة الاستغفار والتوبة: الإكثار من الاستغفار والندم على ما فات من تقصير في جنب الله. يجب أن تكون التوبة خالصة، بالإقلاع عن جميع الذنوب، والعزم على عدم العودة إليها، مع طلب العون من الله على الثبات.
- الانكسار والخضوع: إظهار شدة الافتقار إلى الله، والتذلل إليه، مع اليقين بأن الله تعالى كريم وغني يجيب دعاء عباده.
- فضل الدعاء: ورد في الحديث الشريف: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة». هذا الحديث يؤكد على المكانة العظيمة للدعاء في هذا اليوم المبارك.
- خفض الصوت: يُستحب خفض الصوت بالدعاء، فقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا بصيرا».
- البدء بالصلاة على النبي: من المستحسن أن يبدأ الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: “إذا دعا أحدكم فليصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم فإنها مقبولة والله تعالى أكرم من أن يقبل بعض دعائك ويرد بعضه”.
أدعية مأثورة ليوم عرفة
تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام أدعية عظيمة يُستحب الإكثار منها في يوم عرفة.
1. دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: رُوي عن علي كرم الله وجهه أنه قال: “أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في الموقف: «اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيرا مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي ولك يا رب تراثي، اللهم إنـي أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح».”
مواضيع ذات صلة: يوم النحر في الإسلام : يوم العيد الأكبر وذروة المناسك
2. أدعية الصحابة رضوان الله عليهم:
- دعاء ابن عمر رضي الله عنهما: «لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، اللهم اهدِنا بالهُدى وزيِّنا بالتقوى واغفرْ لنا في الآخرةِ والأولى، ثم يخفضُ صوتَه ثم يقول: اللهم إني أسألك من فضلِك وعطائِك رزقًا طيبًا مباركًا، اللهم إنك أمرتَ بالدعاءِ وقضيتَ على نفسِك بالاستجابةِ، وأنت لا تُخلفُ وعدَك ولا تكذبُ عهدَك، اللهم ما أحببتَ من خيرٍ فحبِّبهُ إلينا ويسِّرهُ لنا، وما كرهتَ من شيءٍ فكرِّههُ إلينا وجنِّبناهُ، ولا تنزعْ منا الإسلامَ بعد إذْ أعطيتنَاهُ».”
- دعاء آخر ورد في يوم عرفة: «سبحان الذي في السماء عرشُهُ، سبحان الذي في الأرض موطئُهُ، سبحان الذي في القبور قضاؤُهُ، سبحان الذي في الهواء روحُه، سبحان الذي رفع السماء، سبحان الذي وضع الأرضين، سبحان الذي لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه».”
3. أدعية قرآنية ونبوية جامعة: بالإضافة إلى الأدعية المأثورة عن النبي والصحابة، يُستحب الدعاء بالأدعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومنها:
- أدعية من القرآن الكريم:
- «رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ» (هود: 47).
- «رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ» (نوح: 28).
- «رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (البقرة: 127-128).
- «رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ» (إبراهيم: 40-41).
- «رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ» (الشعراء: 83-85).
- «رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» (آل عمران: 147).
- «رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (الأعراف: 23).
- «رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» (البقرة: 201).
- أدعية من السنة النبوية:
- «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما عَمِلْتُ، وَشَرِّ ما لَمْ أَعْمَلْ» (رواه مسلم).
- «اللهمَّ أَصلِحْ لي دِيني الذي هو عصمةُ أمري، وأَصلِحْ لي دنياي التي فيها معاشي، وأَصلِحْ لي آخرَتي التي فيها مَعادي، واجعلِ الحياةَ زيادةً لي في كل خيرٍ، واجعلِ الموتَ راحةً لي من كلِّ شرٍّ» (رواه مسلم).
- «اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي، لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ» (رواه البخاري ومسلم، وهو سيد الاستغفار).
- «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى» (رواه مسلم).
- «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ القَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا» (رواه مسلم).
- «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ» (رواه البخاري ومسلم).
- «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ، والجُبْنِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ، وغَلَبَةِ الرِّجالِ» (رواه البخاري ومسلم).
- «اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن البخلِ وأعوذُ بك مِن الجبنِ وأعوذُ بك مِن أنْ أُرَدَّ إلى أرذَلِ العُمُرِ وأعوذُ بك مِن فتنةِ الدُّنيا وأعوذُ بك مِن عذابِ القبرِ» (رواه البخاري).
- «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» (رواه البخاري ومسلم).
- «رَبِّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وجَهْلِي، وإسْرَافِي في أمْرِي كُلِّهِ، وما أنْتَ أعْلَمُ به مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطَايَايَ، وعَمْدِي وجَهْلِي وهَزْلِي، وكُلُّ ذلكَ عِندِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وأَنْتَ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ» (رواه البخاري ومسلم).
- «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأرْضِ وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شيءٍ، فَالِقَ الحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بكَ مِن شَرِّ كُلِّ شيءٍ أَنْتَ آخِذٌ بنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الأوَّلُ فليسَ قَبْلَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فليسَ بَعْدَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فليسَ فَوْقَكَ شيءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فليسَ دُونَكَ شيءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ» (رواه مسلم).
يوم عرفة هو يوم المغفرة والعتق من النيران، فلنحرص على اغتنام كل لحظة فيه بالعبادة والدعاء والتقرب إلى الله تعالى.
