أصل المثل الشهير “الموضوع فيه إنّ”: حكاية ذكاء لغوي أنقذ حياة أمير

في تراثنا العربي أمثالٌ تخفي وراءها قصصاً عجيبة، ومن أغربها المثل الدارج “الموضوع فيه إنّ” الذي يُطلق على الأمور المشبوهة أو المواقف التي تخفي نوايا خفية. فما القصة وراء هذه العبارة الغريبة
خلفية تاريخية:
تعود الحكاية إلى العصر السلجوقي في القرن الخامس الهجري، وتحديداً إلى أمير حلب علي بن منقذ التابع للملك محمود بن مرداس. كان الأمير مشهوراً بذكائه وفطنته، لكنه وقع في خلاف مع ملكه الذي عزم على التخلص منه.
الرسالة المشفرة:
عندما هرب الأمير إلى دمشق، أراد الملك استدراجه للعودة فطلب من كاتبه – وكان من أذكى الناس – كتابة رسالة تطمئن الأمير. لكن الكاتب، الذي أدرك نوايا الملك السيئة، اخترع طريقة تحذير غريبة:
- كتب في نهاية الرسالة العادية: “إنَّ شاء الله تعالى” بتشديد النون في “إنَّ”
- مع أن القاعدة النحوية تقتضي كتابتها “إن شاء الله” بدون تشديد
الذكاء اللغوي:
عندما تلقى الأمير الرسالة، تنبه لهذا الخطأ المقصود، وفهم أنه تحذير خفي. حيث استحضر في ذهنه آية قرآنية:
“إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ” (القصص:20)
التي تبدأ بـ”إنَّ” المشددة، فأدرك أن الملك يتآمر لقتله.
الرد الذكي:
أرسل الأمير رداً يشكر فيه الملك، وختمه بعبارة: “إنّا الخادم المقر بالإنعام” بتشديد النون في “إنّا”، رغم أن الصحيح كتابتها بدون تشديد. بهذا كان يخبر الكاتب أنه فهم التحذير، مستخدماً آية:
“إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا” (المائدة:24)
تأثير القصة:
من هذه الواقعة الذكية، حيث أنقذت كلمة “إنّ” المشددة حياة أمير، صار الناس يقولون “الموضوع فيه إنّ” للإشارة إلى:
- الأمور المشبوهة
- المواقف التي تخفي نوايا خفية
- التحذير من الخداع والمكر
دروس مستفادة:
- أهمية الذكاء اللغوي في التواصل
- دور الحيلة في إنقاذ الأرواح
- براعة العرب في استخدام اللغة كشفرة
- كيف تتحول الوقائع التاريخية إلى أمثال شعبية
الخاتمة:
ما يزال هذا المثل شاهداً على عبقرية أسلافنا في استخدام اللغة كوسيلة للتحذير والتواصل السري. فتحت هذه “الإنّ” الصغيرة قصة كبيرة عن ذكاء أنقذ حياة، وتحولت عبر القرون إلى مثل شعبي نردده حتى اليوم.