نسب الدواسر : سيرة قبيلة عريقة بين تعدد الأصول ووحدة الهوية

يستعرض هذا المقال نسب الدواسر، وتُعد قبيلة الدواسر من القبائل العربية البارزة التي استوطنت قلب الجزيرة العربية، وتحديدًا منطقة وادي الدواسر الذي اشتهرت به وانتشرت منه إلى مناطق شمال نجد.
وامتدت هجرات أبنائها لتشمل مختلف أرجاء الوطن العربي، تاركين بصماتهم في الكويت والعراق والبحرين وقطر والإمارات وغيرها من دول المنطقة. تتميز قبيلة الدواسر بتركيبتها الفريدة، فهي ليست ذات أصل واحد بل تمثل تحالفًا عشائريًا واسعًا يضم أربعة فروع رئيسية هي: آل زايد، والتغالبة، والجميلات، وآل جعيد، ويندرج تحت كل منها العديد من الفروع الأخرى. هذه المقالة تسعى إلى استكشاف نسب قبيلة الدواسر وأصولها المتعددة، مع إلقاء الضوء على تاريخها ومكانتها في المنطقة.
التركيبة العشائرية للدواسر: تحالف بين جذور متنوعة:
إن أبرز ما يميز قبيلة الدواسر هو طبيعتها التحالفية، حيث اجتمعت تحت هذا الاسم عشائر ذات أصول قبلية مختلفة. فبينما يربط البعض الدواسر بأصول محددة، يؤكد النسابون أن هذا الكيان القبلي الكبير نشأ نتيجة لتجمع هذه العشائر واستقرارها في منطقة وادي الدواسر، ليُعرفوا جميعًا فيما بعد باسم الدواسر.
مقالات ذات صلة:
أصل قبيلة الدواسر:
تتعدد الروايات حول أصول الفروع الرئيسية لقبيلة الدواسر، فلكل فرع حكايته ونسَبه الخاص:
- الجميلات: يُعتقد أنهم ينحدرون من قبيلة جميلة الهلالية، وهي فرع من قبائل بني هلال التي كانت تستوطن منطقة الأفلاج شرق وادي الدواسر. ومع هجرة بني هلال الشهيرة نحو المغرب العربي، بقيت بعض فروعهم في الجزيرة العربية، ومن ضمنها الجميلات الذين انضموا لاحقًا إلى حلف الدواسر. وتنتشر قبيلة جميلة الأم في مناطق واسعة تشمل العراق وسوريا والأراضي العربية من تركيا وحتى مصر.
- آل جعيد: المشهور أنهم ينتسبون إلى آل جعيد الموجودين في اليمن، والذين يُعدون من قبائل همدان العريقة. ومع ذلك، يوجد رأي آخر ينسبهم إلى بني جعدة من بني عامر بن صعصعة، الذين كانوا يسكنون وادي الدواسر قبل الإسلام. هذا التباين في الأقوال يشير إلى تعقيد الأنساب وأهمية التدقيق في المصادر التاريخية.
- التغالبة: يرى هذا الفرع أن اسم الدواسر يخصهم بشكل خاص، حيث يدّعون أنهم من أبناء دوسر بن تغلب. إلا أن هذا القول لا يحظى بتأييد واسع من قبل علماء النسب، الذين أجمعوا على أن تغلب بن وائل لم يعقب ولدًا باسم دوسر. ويُذكر أن قبيلة تغلب بن وائل هاجرت إلى منطقة الجزيرة الفراتية بعد حروبها مع قبيلة بكر، مما يضعف من احتمالية وجود نسل لهم في جنوب الجزيرة العربية. وقد ذهب بعض الباحثين إلى القول بأن تغالبة الدواسر قد يكونون من بني تغلب بن حلوان بن الحاف بن قضاعة، الذين كان لبعض فروعهم تواجد في تلك المنطقة.
- آل زايد: ينسب هذا الفرع نفسه إلى جدهم زايد بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء الأزدي، ويعتبرون أن تسمية الدواسر تعود إليهم. وتُعد قبيلة الأزد من القبائل العربية الكبيرة التي كان لها دور هام في تاريخ جنوب الجزيرة العربية.
وادي الدواسر: من العقيق إلى مهد القبيلة:
يُعرف وادي الدواسر تاريخيًا باسم وادي العقيق، وهو عبارة عن أرض منبسطة تحفها الرمال وتحيط بها الصحاري من جميع الجهات. كان الوادي مجرى للسيول القادمة من الغرب إلى الشرق، مثل سيول أودية تثليث ورنية وبيشة. ويقع الوادي في الجزء الجنوبي من منطقة نجد، على بعد حوالي 650 كيلومترًا جنوب العاصمة الرياض، ويحده من الشمال الخاصرة والقويعية، ومن الشرق الأفلاج والسليل، ومن الجنوب منطقة نجران وعسير، ومن الغرب منطقتي عسير ومكة المكرمة.
قبل الإسلام وفي صدر الإسلام، كان وادي العقيق موطنًا لقبيلتي بني عقيل في أعلاه وقبيلة مذحج في أسفله. وكانت الأراضي المجاورة مساكن لقبائل بني عامر بن صعصعة، بما في ذلك بني عقيل وبنو قشير وبنو هلال وبنو جعدة وبنو الحريش. وفي فترة ما بعد صدر الإسلام، تغير اسم الوادي إلى وادي الدواسر، ويُقال أن ذلك كان لنزول قبيلة الدواسر فيه.
تعدد الروايات حول أصل تسمية “الدواسر”:
تتعدد الآراء حول سبب تسمية القبيلة بوادي الدواسر، فمنهم من يرى أن التسمية تعود إلى اسم الوادي نفسه، الذي قد يكون اسمًا قديمًا للمكان، بينما يرى آخرون أن القبيلة أخذت اسمها من الوادي الذي استوطنته. وقد ظهرت عدة أقوال في محاولة لتفسير أصل هذه التسمية:
- القول الأول: دوسر بن تغلب: كما سبق ذكره، ينسب التغالبة الاسم إليهم، لكن هذا الرأي ضعيف لعدم ثبوته في كتب الأنساب.
- القول الثاني: بنو عائذ من عقيل: يُعد ابن فضل الله العمري من أوائل من ذكروا هذا النسب، حيث عدّ الدواسر فرعًا من بني عائذ من عقيل، ونسبهم إلى ربيعة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. ولا شك في وجود فروع من بني عقيل ضمن قبيلة الدواسر، لكن остается السؤال عن أصل تسمية الدواسر نفسها.
- القول الثالث: بنو مرهبة من همدان: يُذكر أن بني مرهبة كانوا يُلقبون بـ “مرهبة الدوسر”، وقد أورد الهمداني في كتابه “الإكليل” أبياتًا شعرية تشير إلى أن “دوسرا” منعت ابن الأشعث، في إشارة إلى قوم عبدالسلام المرهبي الهمداني، مما يربط الدواسر ببني مرهبة من همدان.
- القول الرابع: بنو زياد بن عمرو مزيقيا من الأزد: يرى هذا القول أن لقب الدواسر يخص هؤلاء، وينسبون جدهم زياد إلى عمرو مزيقيا الأزدي. وتُروى قصة مشهورة حول عمرو بن عامر الأزدي وسبب تلقيبه بـ “الملطوم”، ورحيله وقومه قبل انهيار سد مأرب. ويُقال أن دوسر هو لقب الأسد بن عمران بن عمرو مزيقيا، وأن الدواسر هم بنو عمران بن عمرو. وقد استشهد أصحاب هذا الرأي بأبيات شعرية للشاعر ثابت بن كعب العتكي الأزدي يصف فيها الأزد بـ “الدوسر”.
مقالات ذات صلة:
نسب قبيلة الدواسر الحقيقي :
بالنظر إلى تعدد الأقوال واختلاف الروايات، يميل العديد من النسابين إلى ترجيح القول بأن الدواسر ينحدرون من بني عمران بن عمرو مزيقيا من الأزد، وتحديدًا من بني العتيك بن الأسد بن عمران بن عمرو مزيقيا. ويستند هذا الرأي إلى ما ذكره المؤرخ الطبري وغيره من المصادر التاريخية الموثوقة. ويُذكر أن بني العتيك هؤلاء نزلوا بالقرب من وادي الدواسر، حيث كانت منازل بني قشير بن كعب، ثم استقروا في الوادي بعد ارتحال بني عقيل عنه، وانضم إليهم من بقي من بني عقيل وبني عامر، ومنذ ذلك الحين عُرف الوادي باسم وادي الدواسر.
نسب بني العتيك بن الأسد: الجد الجامع لفروع الدواسر:
ينتسب الدواسر إلى العتيك بن الأسد بن عمران بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن أمرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد. وقد أعقب العتيك بن الأسد ولدين هما: عوف بن العتيك، والحارث بن العتيك. وأعقب الحارث خمسة أولاد، من بينهم وائل بن الحارث بن العتيك (رهط المهلب بن أبي صفرة)، والأسد بن الحارث بن العتيك (جد الدواسر رهط الشاعر ثابت بن كعب). وقد أعقب الأسد بن الحارث ثلاثة أولاد هم: عكب بن الأسد بن الحارث، ونم بن الأسد بن الحارث، وعمران بن الأسد بن الحارث. ومن نسل عمران بن الأسد، ينحدر جابر بن عوف بن دينار، الذي أعقب ولدين هما عطية بن جابر (منهم الخطيب أبو عمرو العتكي) وعراد بن جابر (جد آل زايد، وهم أبناء زايد بن سالم بن زياد بن عامر بن سويد بن سليمان بن محسن بن زيد بن عامر بن عراد بن جابر).
الخلاصة:
تُعد قبيلة الدواسر مثالًا بارزًا على التحالفات القبلية في التاريخ العربي، حيث اجتمعت تحت لوائها عشائر ذات أصول متنوعة لتشكل كيانًا قبليًا قويًا ومؤثرًا. وعلى الرغم من تعدد الروايات حول أصولها، فإن الرأي الراجح ينسبها إلى بني عمران بن عمرو مزيقيا من الأزد. وقد لعبت قبيلة الدواسر دورًا هامًا في تاريخ منطقة وادي الدواسر والمناطق المجاورة، وحافظت على هويتها وتقاليدها عبر الأجيال. إن دراسة نسب قبيلة الدواسر وأصولها تمثل رحلة شيقة في أعماق التاريخ العربي، وتكشف عن الترابط المعقد بين القبائل والعشائر التي شكلت نسيج المجتمع في شبه الجزيرة العربية.
مواضيع ذات صلة: