عيارة الحروب : دلالات الكرم والشجاعة في قبيلة عريقة

يناقش هذا المقال عيارة الحروب والالقاب التي تطلق على قبيلة حرب والذي يحمل دلالات عميقة ترتبط مفهوم المدح والاعتزاز ، بعكس مايتم تصوره من قبل البعض.
تعدّ قبيلة حرب من أقدم وأشهر القبائل العربية في المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية بأسْرها. تتميز هذه القبيلة العريقة بكونها ذات سمعة طيبة وأخلاق حميدة، وبِشجاعتها التي تجلت في مشاركتها بالعديد من الحروب والمعارك، مما أكسبها مكانة مرموقة بين القبائل الأخرى. ومن بين الألقاب العديدة التي تطلق على قبيلة حرب، يبرز لقب عيارة الحروب أو “السمغان”، الذي يحمل دلالات عميقة من المدح والاعتزاز، على عكس ما قد يظن البعض أنه ذم.
حرب قبيلة ذات جذور قحطانية راسخة
تنحدر قبيلة حرب من القبائل اليمانية العحلة العريقة، وتحديداً من الخولانية القحطانية. يعود نسبها إلى حرب بن سعد بن سعد بن خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شاليخ بن أرفخشاد بن سام بن نبي الله نوح عليه السلام.
كانت المساكن الأصلية لقبيلة حرب في صعدة باليمن. ومع مرور الوقت، وتحديداً في عام 131 هجريًا (الموافق للقرن الثامن الميلادي)، قررت القبيلة الهجرة شمالًا إلى الحجاز، نتيجة لبعض الخلافات التي اندلعت في تلك الفترة. وقد وثّق الشاعر والقاضي نشوان الحميري هذه الهجرة التاريخية في أبيات شعرية تذكر بطون خولان ومسيرتهم بقيادة حجر بن الربيعة. استقرت القبيلة في البداية بين الحرمين الشريفين، أي بين مكة المكرمة والمدينة المنورة. وبحلول القرن الرابع الهجري، تمكنت القبيلة من توسيع نفوذها وتشكيل وحدة قبلية قوية.
أنجب حرب بن سعد أربعة أبناء هم: الفاحش، ومالك، وعامر، والفياض. وقد تفرعت من هؤلاء الأبناء بطون وعشائر لاحقة شكلت النسيج القبلي لحرب. فمن ولد الفياض بن حرب ظهرت آل عمرو بن يزيد، الذين يُقال أيضًا أنهم من ولد الحارث بن سعد. أما الفاحش فقد أنجب سلمان وسباقًا ومسلمًا وضاحكًا، ومن نسل سلمان بن الفاحش ظهرت قبيلة زياد، وهم أهل العرج.
دلالة عيارة الحروب أو “السمغان”: قصة كرم وعزيمة
تسمى قبيلة حرب بـ “السمغان” أو عيارة الحروب تمجيدًا لأبنائها. يوضح المؤرخون والباحثون أن هذا اللقب يعود إلى قصة تاريخية تبرز قوة القبيلة وعزيمتها. تشير كتب التاريخ إلى أن أفراد قبيلة حرب نزلوا إلى وادٍ تكثر فيه أشجار المطاط (السمر)، وكان هذا الوادي تسكنه قبيلة أخرى قبلهم. طلبت القبيلة الأخرى من أفراد حرب مغادرة الوادي، لكنهم رفضوا قائلين: “الأرض أرض الله، وليست أرضكم”.
وعلى إثر هذا الرفض، اندلعت حرب بين القبيلتين، وتمكنت قبيلة حرب من الانتصار في هذه المعركة. وبعد هزيمة القبيلة الأخرى، بدأ المنتصرون في إطلاق لقب “السمغان” عليهم، نسبة إلى أشجار المطاط التي كانت سبب النزاع والنصر. ومن هنا، انتشر هذا الاسم بشكل واسع، حتى أصبح لقبًا يعرف به أبناء حرب ويفخرون به، على الرغم من أن البعض منهم قد لا يعرف أصله التاريخي.
بالإضافة إلى هذه الرواية، هناك تفسير آخر لـ “السمغ” أو “الصمغ” المرتبط بأشجار السمر والأشجار البرية في الجزيرة العربية، ويُعرف أيضًا بـ الصمغ العربي. يقال إن أفراد قبيلة حرب كانوا يفضلون الصمغ العربي، بل إن بعضهم كان يتناوله. والمفارقة المضحكة هي أن الصمغ العربي يُعتبر الآن دواءً للعديد من الأمراض. وبالتالي، عندما انتشر تناول الصمغ العربي وفوائده، ارتبط هذا الأمر بقبيلة حرب كرمز لشيء مفيد ومتميز.
ألقاب أخرى لقبيلة حرب: دلالات المجد والفروسية
إضافةً إلى لقب عيارة الحروب أو “السمغان”، حظيت قبيلة حرب بالعديد من الألقاب الأخرى التي تعكس تاريخها وإنجازاتها وشخصية أبنائها. من هذه الألقاب:
- الفسقان: أطلق هذا اللقب على سيف الشيخ محسن بن سنيتان الفرم من بني علي في حرب، وهو لقب يُعطى للشيخ الذي يتميز بأخلاق الفرسان الأصيلة والعالية.
- أهل عرفة: من عيارة الحروب لقب أهل عرفة وهو لقب لـ الجمل من بني سالم، ويرتبط بعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة.
- أهل المليحة: ويعرف به ولد سليم من بني سالم حرب، في إشارة إلى جمالهم أو إلى مكان معين.
- حرب الدولة/حرب الروم: تسمى حرب بهذا اللقب لكثرة حوادثها ومعاركها مع الأتراك (الدولة العثمانية) وبعض الدول الأخرى، مما يدل على قوتها وتصديها للقوى الخارجية.
- حمولة الخيل: من عيارة الحروب لقب حمولة الخيل ويستخدم هذا اللقب ضد بني علي من مصروح التابعة لحرب، ويشير إلى فروسيتهم واهتمامهم بالخيل.
- دفنة الركبه: وتسمى بها مزينة من بني سالم وترتبط بحرب، وربما تشير إلى حادثة أو ميزة خاصة بهم.
- إخواننا: يعطى هذا اللقب لعائلة المطلك مشايخ ولد سليم من حرب.
- إخوان نورا: من عيارة الحروب اخوان نورا وهو لقب يطلق على شيوخ حرب.
- إخوان حسناء: هذا اللقب يطلقه مشايخ بني علي من حرب.
- إخوان جوزاء: من عيارة الحروب لقب اخوان جوزاء يطلق على المدائن، وهم مشايخ الظواهرة من حرب.
- راعي الحيزة: يحمل لقب الشيخ شبيب بن فهد بن ناهيت، شيخ مزينة من بني سالم حرب، ويشير إلى مكانة الشيخ ونفوذه.
الفنون الشعبية لدى قبيلة حرب
تزخر قبيلة حرب بتراث شعبي غني يتجلى في فنونها الشعبية التي تستخدم في الاحتفالات والمناسبات المختلفة، مما يعكس عمق تاريخها وحضارتها. من أبرز هذه الفنون:
- الرديح: فن شعري وغنائي مميز.
- الحرابي: فنون خاصة بالحروب والمعارك.
- العرضة الحربية: رقصة جماعية تعبّر عن الشجاعة والقوة.
- البدواني: فنون تعكس حياة البادية.
- الزير: وهو فن غنائي خاص.
- الخبيتي: رقصة شعبية تمارس في المناسبات.
- الزيد: فنون تعبر عن الفخر والاعتزاز.
تميز أبناء القبيلة أيضًا بقصائدهم الجميلة، فقد قدموا شعرًا فصيحًا ذا مرادفات لغوية عميقة، مما زاد من مكانتهم مقارنة بالقبائل الأخرى في المنطقة العربية، وخاصة في المملكة العربية السعودية.
ديار قبيلة حرب: امتداد جغرافي واسع
تعرف قبيلة حرب بامتلاكها نفوذًا واسعًا وأراضي شاسعة تمتد بين الحجاز ونجد، وهو ما يميزها عن كثير من القبائل الأخرى. لا يمكن الحديث عن قبيلة حرب دون ذكر امتدادها الجغرافي الذي يشمل مناطق واسعة من حدود الليث جنوبًا، مرورًا بمكة المكرمة وجدة ورابغ ووادي الفرع واليتمة وبدر، وصولًا إلى المدينة المنورة التي تعتبر عاصمة لقبيلة حرب، ثم اتجاهًا إلى الحناكية، فالرس، فالبدائع، وغيرها من المناطق. جميع هذه المناطق تعتبر أماكن نفوذ قوية لقبيلة حرب.
- من الجنوب: يحدها ما بين وادي مر الظهران جنوب جدة والقنفذة.
- من الشمال: تصل إلى ما وراء جبل أحُد في المدينة المنورة.
- من الغرب: يحدها البحر الأحمر من جدة حتى ينبع البحر.
- من الشرق: تمتد ديار القبيلة على جانبي طريق القصيم من المدينة المنورة إلى ما وراء وادي الرمة، وتصل نجعتها حتى حدود العراق.
بالإضافة إلى ذلك، تتواجد قبائل وبطون من حرب منتشرة في مناطق أخرى داخل شبه الجزيرة العربية وخارجها:
- في منطقة نجد: توجد لهم هجر معروفة مثل قبه، دخنه، والشبيكية وغيرها.
- في منطقة حائل: تتواجد لهم ديار مثل البريكه، البعيثة، ووادي الأجردي، الطراف، جبل الحداد، مورد ذي أوف، الرديفة، الشعيلاء، الطليحي، والعلم، حيث يخالطهم بنو رشيد والغويلق وقبه وقليب سليمان وقليبات الشهبان ومطلق.
- في منطقة القصيم: يذكر معجم قبائل السعودية لحمد الجاسر تواجدًا لهم في الأرطاوية، ثادق، الجرثمي، دخنه، الشبيكة، والدليمية.
- في العراق والشام: تشير بعض المصادر إلى نزوح فروع من حرب إلى العراق وسكنوا الشامية قرب الأخيضر، ثم عاد قسم منهم إلى الحجاز، بينما بقي في العراق فروع مثل الزوينات، آل عسم، آل السفر، آل الحارس، والبو رقة وغيرهم.
فخوذ قبيلة حرب الرئيسية: تقسيمات تاريخية
تعددت آراء المؤرخين والنسابين في تقسيم قبيلة حرب إلى فروع رئيسية.
- فؤاد حمزة في كتابه “قلب جزيرة العرب” قسمها إلى بني مسروح وبني سالم، بالإضافة إلى بني علي، وبني عمرو، وبني السفر، وبني عوف، وبني مخلف، ولم يذكر زبيد ضمن حرب.
- وفي مذكرات الغصين، قسمت حرب إلى بني سالم، والمحامده، والأحامده، والحوازم، والرحلة، وبني مسروح، وولد محمد، والسعادين، وزبيد، وعوف، والبلادية، والسواعد.
- أما العلامة حمد الجاسر في معجم قبائل السعودية، فقد قسمها إلى فرعين رئيسيين هما بني سالم ومسروح. وقسم بني سالم إلى ميمون ومروح، وقسم مسروح إلى بني عمرو، وزبيد، وعوف، وبني علي، وبني السفر.
- ويقسمها سمير القطب في كتابه إلى بني مسروح (الذين يقسمهم بدوره إلى بني علي، وبني عبد الله، وبني سالم، وبني عمرو، ومسروح)، وبني سالم.
- ويقسمها عبد الجبار الراوي في كتابه “البادية” إلى بني علي، وبني سالم، وبني عمرو، وبني مسروح، ويشير إلى شهرة حرب الواسعة ونفوذها في الحجاز ونجد.
بني مسروح وفروعهم
يقسم الأستاذ البلادي والأستاذ حمد الجاسر بني مسروح إلى بني عمرو، وزبيد، وبني عوف، وبني السفر، وبني علي (الذين تتفرق بلادهم في الحجاز ونجد). ويضيف الأمير عبد الله بن عبد الرحمن بني مخلف إلى مسروح، ولا يعتبر زبيد من بني مسروح. بينما يرى سمير القطب أن بني علي فروع مستقلة من حرب وليست من مسروح، ويقسم مسروح إلى زبيد، وبني عوف، وولد سالم، أو في تقسيم آخر إلى زبيد، وبني عبد الله، وبني عمرو، وأولاد علي، وأولاد سالم. ويحتمل أن يكون مسروح هو مسروح بن عوف بن الفياض بن حرب أو مسروح بن عوف بن مسعود بن عوف بن عامر بن حرب الإكليل. وتتفرق بلاد مسروح في الحجاز ونجد.
بني عمرو وفروعهم
تنتشر مساكن بني عمرو في الحجاز (عسفان وقديد، الخريبه، خليص) وفي القصيم (البديعة، ثادق، ثويدق، الحميحه، الحنينه، الزعفرانه، الصعوبه، عطا، وعطي، الروضة) وفي منطقة حائل بالقرب من النحيتيه. وينقسمون إلى ولد عبد الله وولد محمود.
- ولد عبد الله: وينقسمون إلى بشر ومعبد وبني محمد والبلادية وبني جابر، ويحتمل أنهم من ولد عبد الله بن الخيار بن سلمان بن الفاحش بن حرب. ويرى سمير قطب أن بني عبد الله هم بنو الصعب من سعد العشيرة، ومنهم الصعبة والعبادله الذين كانوا قديمًا مع إخوتهم زبيد في مطير.
- بشر (البشور): تنتشر ديارهم من الظهران (وادي فاطمة) وعسفان وكليه والفروع، ومن فروعهم الحجوره، الجرادات، الصبوح، الركب، المريخات، السدارين، المدارسه، والمواسيه.
- معبد: تنتشر ديارهم في الحجاز في أبي عروق وأسفل رهاط والبزره ونمران، ومن فروعهم عاصم (عاصمي).
حرب في المصادر التاريخية: شهادة على العراقة
تؤكد العديد من المصادر التاريخية الموثوقة نسب قبيلة حرب إلى خولان القحطانية اليمنية وهجرتها إلى الحجاز. من أبرز هذه المصادر:
- حمد الجاسر: يؤكد أن النصوص المعتمدة لدى قدماء النسابين ترجع قبيلة حرب إلى قبائل اليمن، مستندًا إلى أقوال أبي زيد البلخي والإصطخري وتفصيل الهمداني في كتابه الإكليل، وتبعه في ذلك مشاهير النسابين مثل الأشعري والإشبيلي والخيضري وغيرهم.
- عاتق البلادي: ينكر كون قبيلة حرب حلفًا قبليًا، ويؤكد أنها قبيلة يمانية النسب حجازية الوطن. تنتسب إلى حرب بن سعد بن سعد بن خولان، وكانت تقيم حول صعدة في اليمن حتى أوائل القرن الثاني الهجري. ويرفض الأقوال التي تزعم أن أكثر حرب من العدنانية أو أنها غير متحدرة من سلالة واحدة.
- ابن خلدون: يذكر تواجد بني حرب من زبيد في الحجاز بين مكة والمدينة. ويشير إلى دورهم في إجلاء بني حسين من المدينة المنورة. كما يذكر أن لهم حلفًا ومواخاة مع الأمراء بمكة من بني حسن.
- ابن سعيد الأندلسي: يذكر أن بني حرب هم فرع كبير من قبيلة زبيد وقد نزلوا بين مكة والمدينة. ويشير إلى وجودهم في ودان مع العلويين.
- ابن فضل الله العمري: يقسم حرب إلى ثلاثة بطون: بنو مسروح (وهم بنو سالم). وبنو عبد الله (ومنهم زبيد الحجاز)، وبنو عمرو (وهم أكثر العرب عددًا وأشدهم بأسًا)، ويذكر أن مساكنهم الحجاز.
- الهجري: ينقل في القرن الثالث الهجري شعرًا لأبي يزيد الحربي من سعد أود، الحربي الأودي المذحجي.
- أبو زيد البلخي: يوثق هجرة قبيلة حرب من اليمن إلى الحجاز بعد العهد النبوي. ويذكر أنها كانت سببًا في هجرة ولاة المدينة بني جعفر بن أبي طالب إلى صعيد مصر بسبب استيلائهم على ضياعهم.
الخاتمة
في ختام بحثنا عن عيارة الحروب نشير الى ان قبيلة حرب تعد من القبائل العربية الكبيرة والعريقة التي استوطنت منطقة واسعة بين الحجاز ونجد. ولها امتدادات في مناطق أخرى. تنتمي القبيلة إلى أصول قحطانية خولانية، وقد هاجرت من اليمن في القرن الثاني الهجري. تتميز بتاريخها الحافل، وشجاعة فرسانها، وتراثها الشعبي الغني، وألقابها التي تحمل دلالات الكرم والمجد. وقد تعددت آراء النسابين والمؤرخين في تقسيم فروعها الرئيسية. إلا أن نسبها اليماني الخولاني يعد أمرًا ثابتًا في معظم المصادر التاريخية الموثوقة.