كتائب الشهيد عز الدين القسام : جناح عسكري في قلب المقاومة الفلسطينية

تُعد كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، فاعلًا رئيسيًا في المشهد الفلسطيني، وتُمثل قوة عسكرية مُنظمة تمتلك قدرات قتالية عالية وخبرات متطورة في مجال تطوير الأسلحة وتصنيعها. منذ إعلان تأسيس حركة حماس عام 1987، اضطلعت كتائب القسام بدور محوري في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، من خلال سلسلة من العمليات العسكرية التي تتجاوز حدود العمليات الفردية لتشمل حروبًا مُعترفًا بها، مما جعلها واحدة من أبرز فصائل المقاومة في فلسطين.

يُنسب اسم “كتائب الشهيد عز الدين القسام” إلى الشيخ عز الدين القسام، العالم والمجاهد السوري الذي استُشهد على أيدي القوات الإنجليزية في أحراش يعبد قرب جنين عام 1935م، والذي يُعتبر رمزًا للمقاومة والجهاد في الوعي الفلسطيني. هذه التسمية تُجسد الارتباط العميق بالتاريخ النضالي الفلسطيني والعربي، وتُعبر عن التوجه الأيديولوجي للكتائب.

مواضيع ذات صلة: الاستراتيجيات الـ 4 التي استخدمها محمد الضيف في معركته مع إسرائيل

التأسيس والنشأة: من البذور الأولى إلى القوة المنظمة

لم تظهر كتائب القسام فجأة، بل نمت بذورها في وقت مبكر قبل الإعلان الرسمي عن انطلاق حركة حماس. في عام 1984، بدأت تتشكل الأطر الأولى للعمل العسكري للحركة. يُعد صلاح شحادة، أحد أبرز قادة حماس لاحقًا، المؤسس لأول جهاز عسكري للحركة عُرف آنذاك باسم “المجاهدون الفلسطينيون” في عام 1987. استمر العمل تحت عناوين مختلفة حتى عام 1991، حيث أُعلن رسميًا عن اسم “كتائب الشهيد عز الدين القسام” في منتصف ذلك العام، ليُصبح الجناح العسكري لحركة حماس.

من أبرز الشخصيات التي ساهمت في تأسيس وتشكيل هذه الكتائب في مراحلها الأولى، بالإضافة إلى صلاح شحادة:

هذه القيادات الأولية وضعت الأساس لما أصبحت عليه الكتائب اليوم، وهي قوة منظمة تعتمد على الكفاءة والتخصص.

التوجه الأيديولوجي والأهداف الاستراتيجية

تتبنى كتائب القسام التوجه الإسلامي السني، وتعتبر الجهاد والمقاومة الوسيلة الأنجع لاسترداد الحقوق وتحرير الأرض. تُحدد الكتائب أهدافها وثوابتها بوضوح، والتي تُعلن عنها في بياناتها المختلفة:

تُعتبر الكتائب نفسها جزءًا لا يتجزأ من حركة ذات مشروع تحرر وطني شامل، تسعى لتعبئة وقيادة الشعب الفلسطيني، وحشد موارده وقواه، وتحريض الأمتين العربية والإسلامية واستنهاضهما للمساهمة في مسيرة الجهاد لتحرير فلسطين.

مسار القيادة والتطور: من صلاح شحادة إلى محمد الضيف

تولى صلاح شحادة قيادة الجهاز العسكري الأول لكتائب القسام، واستمر في قيادته حتى اغتيالته إسرائيل في 23 يوليو 2002 بقصف جوي لحي الدرج في قطاع غزة. بعد استشهاده، برزت أسماء قيادية أخرى لعبت أدوارًا محورية في مسار الكتائب:

لا يوجد رقم محدد لعدد عناصر كتائب عز الدين القسام، حيث تُحافظ الكتائب على سرية تفاصيل هيكليتها وقيادتها وعدد أفرادها كجزء من استراتيجيتها الأمنية. ومع ذلك، صرح المتحدث باسم الكتائب أبو عبيدة في ديسمبر 2012 بأن عدد جنود القسام يناهز العشرين ألفًا، وأن الكتائب تعتمد على عدد أكبر من ذلك. كما أكد أبو عبيدة أن كتائب القسام موجودة في كل فلسطين، في قطاع غزة وفي الضفة الغربية.

التصنيع العسكري والتطور العملياتي: من الحجر إلى الصواريخ المتقدمة

شهد المسار العسكري لكتائب القسام تطورًا لافتًا، بدءًا من أساليب المقاومة التقليدية وصولًا إلى امتلاك قدرات تصنيع عسكري متقدمة:

الهيكلية والوحدات العسكرية: تنظيم عسكري متكامل

تُتبع كتائب القسام نظامًا هيكليًا يُقارب الجيوش المنظمة، حيث تتكون من أقاليم وألوية، وكل إقليم أو لواء له قائد مسؤول عنه. تشمل هذه الهيكلية عددًا من الألوية الرئيسية في قطاع غزة:

بالإضافة إلى الألوية والكتائب، تُشكل الكتائب وحدات متخصصة داخل كل كتيبة لتنفيذ مهام محددة ودقيقة، مما يُظهر مستوى عالٍ من التخصص والتنظيم:

معارك وعمليات نوعية: سجل حافل بالابتكار والتحدي

نفذت كتائب عز الدين القسام عددًا كبيرًا من العمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي بمختلف أشكال المقاومة. يُبرز سجلها العديد من العمليات النوعية التي تُظهر تطور قدراتها التكتيكية والتصنيعية:

عمليات الاقتحام والكمائن:

الموقف الدولي والإقليمي: حكم بالإرهاب ورفض فلسطيني

في أواخر يناير 2015، أصدرت محكمة مصرية حكمًا اعتبرت فيه كتائب عز الدين القسام “تنظيمًا إرهابيًا”. قوبل هذا الحكم باستنكار شديد من قبل الأجنحة العسكرية لفصائل المقاومة الفلسطينية، التي وصفت القرار في بيان مشترك بأنه “ظالم لا يصب في مصلحة الفلسطينيين والمصريين على حد سواء، ولا ينسجم مع الدور المأمول من مصر في رعاية الملفات ذات العلاقة بالمقاومة الفلسطينية حاضرًا ومستقبلًا”.

أما حركة حماس، فقد اعتبرت الحكم “مسيّسًا ويخدم إسرائيل في المرتبة الأولى”. وقال أحد قيادييها إنه “بعد قرار المحكمة لم تعد مصر وسيطًا في الشؤون الفلسطينية الإسرائيلية”، مما يعكس عمق الخلاف والرفض الفلسطيني لهذا التصنيف.

تحديات المستقبل ودور الإعلام الحربي

تُواجه كتائب القسام تحديات مستمرة تتمثل في الحفاظ على قدرتها القتالية في ظل الحصار الإسرائيلي، والتصدي للعمليات العسكرية الإسرائيلية المتكررة. ومع ذلك، تُظهر الكتائب قدرة على التكيف والتطور، ليس فقط في المجال العسكري، بل أيضًا في الإعلام الحربي.

إن هذه الابتكارات في الإعلام الحربي تُظهر جزءًا من استراتيجية الكتائب في التأثير على الرأيين العامين المحلي والدولي، وتوثيق عملياتها لتبقى جزءًا من السردية الفلسطينية للمقاومة.

الخلاصة:

تجسد كتائب الشهيد عز الدين القسام نموذجًا فريدًا في المقاومة الفلسطينية، حيث تطورت من بذور أولية إلى جناح عسكري منظم ومُتخصص، يمتلك قدرات تصنيعية وعملياتية متقدمة. إن مسيرتها، منذ التأسيس وحتى اللحظة الراهنة، تُعكس إصرارًا على التمسك بأهداف التحرير والعودة، ومواجهة الاحتلال بكل السبل المتاحة. ورغم التحديات الكبيرة والتصنيفات الدولية، تواصل الكتائب دورها المحوري في المشهد الفلسطيني، مُعتبرة أن المقاومة هي السبيل الوحيد لاستعادة الحقوق المسلوبة وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال.

Exit mobile version