Site icon تداوين

قبيلة العبيد : تقرير شامل حول التاريخ، الأصول، والانتشار الجغرافي

قبيلة العبيد

تُعد قبيلة العبيد إحدى العشائر العراقية البارزة التي استوطنت في الأصل الضفة الشرقية لنهر دجلة، تاركة بصمات واضحة في تاريخ المنطقة وسجّلاتها منذ أوائل القرن الثامن عشر الميلادي (1707م). هذا التقرير الصحفي المعمق يسلط الضوء على أصول ونسب وتاريخ القبيلة، بالإضافة إلى انتشارها الجغرافي وفروعها الرئيسية، معتمدين على مصادر تاريخية وكتب الأنساب الموثوقة.

صعود النفوذ والمواجهات التاريخية:

لم تكن قبيلة العبيد مجرد تجمع سكاني عادي، بل اكتسبت أهمية ونفوذًا متزايدًا عبر تاريخها. يُذكر أن شيخ العبيد، الشيخ عبد الله الشاوي، كان يحظى بمكانة مرموقة تصل إلى حد دخوله في حاشية باشا بغداد، ليصبح وسيطًا رسميًا بين الحكومة والسكان المحليين. هذه المكانة عززت من نفوذ القبيلة بين بدو الرافدين، ومكّنتها من توسيع مناطق انتشارها بشكل ملحوظ، من نهر الخابور وتكريت شمالًا وصولًا إلى أبواب بغداد. وقد استغل العثمانيون قوة وبسالة رجال قبيلة العبيد كقوات عسكرية غير نظامية لحماية الحدود. ويترأس القبيلة حاليًا الشيخ أنور العاصي، يليه أخوه وصفي العاصي.

على الرغم من هذا النفوذ، شهدت قبيلة العبيد سلسلة من الثورات ضد الحكم العثماني في أعوام 1769م و1785م، وآخرها بين عامي 1802م و1803م. وصلت هذه الثورات إلى درجة عجز فيها الباشا نفسه عن قمع تحركاتهم، حيث عبروا الفرات إلى الصحراء السورية. وعند عودتهم عام 1805م، صدرت أوامر لأميرين كرديين تابعين، باشا شهرزور وكويسنجق، بطردهم، إلا أن هذه الخطة باءت بالفشل. وقد استغل الأميران الكرديان هذه الفرصة لتصفية حساباتهما القديمة، حيث قتل باشا شهرزور زميله ودعا العبيد إلى كركوك للاستعانة بهم ضد حملة تأديبية عثمانية وشيكة.

حاولت قبيلة العبيد استعادة مكانتها السابقة قبل أن تُجبر على إخلاء منطقة الجزيرة بشكل نهائي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ونتيجة لذلك، تفككت العديد من عشائرها، حيث هاجر اللهيب إلى حلب، واستقرت الغرير جنوب الفلوجة، وتوجه البو حمد إلى منطقة الموصل، بينما عبرت جموع القبيلة نهر دجلة واستقرت في الأراضي المحيطة بالزاب الصغير ونهر العظيم، والتي تُعرف اليوم باسم “حويجة العبيد”، حيث يمارس قسم منهم الزراعة الحقلية (مثل عشيرة البو هيازع)، بينما يعمل آخرون في تربية الجمال. وقد حافظ العبيد على سمعتهم كمحاربين أشداء، حيث ذكرت الصحف العراقية أن 150 رجلًا منهم لبوا نداء الجهاد عام 1914م.

اصل قبيلة العبيد : من زبيد الأصغر إلى فروع واسعة الانتشار

تنتسب قبيلة العبيد إلى (زبيد الأصغر)، ويُعد شاوي بن نصيف من البو شاهر، الذي عاش في أوائل القرن الثاني عشر الهجري، من أبرز رؤسائها الأوائل. وتُشير المصادر إلى أن تكوين هذا الفخذ لم يسبق القرن الحادي عشر الهجري، وأن الرئاسة في هذا الفرع مستحدثة. ويذكر الشيخ عاصي بن علي أسماء أجداده المتصلة بنسب القبيلة، وصولًا إلى شاهر بن حمد بن مشهد بن حازم.

تجمع الروايات التاريخية وكتب الأنساب على أن قبائل العبيد والجبور والدليم تنحدر من ثلاثة أخوة هم جبر وثامر وعبيد أبناء عمرو بن معدي كرب الزُبَيدي. فجبر هو جد الجبور، وثامر جد الدليم، وعبيد جد العبيد. وتقول الأسطورة الشعبية إنهم هاجروا من اليمن إلى نجد ثم إلى الصحراء السورية، قبل أن ينتقل أحفادهم إلى الفرات ومنه إلى بلاد الرافدين عبر حوران. وقد استقر الدليم في منطقة البو كمال، بينما اتجه الجبور إلى الأعلى باتجاه تيار النهر، وتوغل العبيد داخل الجزيرة. ومع ذلك، تغيرت مواطن هذه القبائل بسبب هجرات البدو في القرن الثامن عشر، حيث سكن الدليم قرب الرميلان، والجبور على الخابور وقسم منهم على دجلة، واستقر العبيد بعد النهر قرب كركوك.

يُعد صاحب كتابي “قويم الفرج بعد الشدة” و “حديقة الزوراء في أخبار الوزراء” من أوائل المؤرخين الذين ذكروا عشائر العبيد، كما ورد ذكرهم في كتاب “الدرر المفاخر” الذي أشار إلى انقسامهم إلى أربع فرق رئيسية: آل بو شاهر، وآل بو حمد، وآل بو علقي، وآل بو هيازع، ووصفهم بأنهم ألف فارس يسكنون بين بغداد والموصل ولا يتعاطون الرمي بالبنادق. وقد تكرر ذكرهم في العديد من المصادر التاريخية اللاحقة.

ويشير كتاب “عنوان المجد في تاريخ بغداد والبصرة ونجد” إلى أن “العبيد من حمير” ويصفهم بالشجاعة والإقدام، ويذكر العديد من قبائلهم وفروعهم، مشيرًا إلى أن مشايخهم من آل شاهر يقدرون بخمسمائة فارس، ويصفهم بأنهم “ليوث الحروب” ومن “أشراف العرب”.

بينما يرى الحيدري أن تسمية “بني العبيد” التي أشار إليها الأعشى قد أوقعت البعض في خطأ، مؤكدًا أن قبيلة العبيد الحالية هي من العشائر الزبيدية وليست لها صلة ببني العبيد القدماء من قضاعة. ويؤكد أن تسمية العشيرة وتفرعاتها حديثة نسبيًا، وأن النصوص التاريخية تشير بوضوح إلى مكانة العبيد كإحدى العشائر العراقية المهمة التي لا تزال تحافظ على هذه المكانة. ويُعرف عن العبيد براعتهم في الشعر العامي النايل، وهم أشهر فيه من الجبور، بالإضافة إلى القصيد والركباني، بينما العتابة أقل شيوعًا بينهم.

شجرة قبيلة العبيد

تعتمد قبيلة العبيد في أصولها على بطون وفروع كثيرة تنحدر من أبناء حازم العبيد (“الحوازم”)، وأبناء محمد العبيد (“دويمع”)، وأبناء خالد العبيد (“البومفرج”).

أبناء حازم العبيد (الحوازم): ويتفرعون إلى آل مشهد، والبو علي، والبو صالح، والحسان.

أبناء محمد العبيد (دويمع): يتوزعون إلى فرق كثيرة، منها البو هيازع (بفروعه أولاد الشايب/الكبيب/البو عواد/البو طلحة/البو غنام/البو صليبي، الكبيشات/الغوالبة/البو عيسى/البو حنيحن/المناهلة/الولايدة/المخايلة)، والبو علكة (علقي) (بفروعه الملاحمة/العزبة/البو حسين/العفاريت/البو شبيب/البو ناجي، البو ثاير/السبيعات/البو جامل/البو راشد/المناجلة، البو محسن/البو والدة/الدرعان/الشلاهمة/البو حبيب، البو رومي/البو جادر/الرفة/الرملات، الشعيفات/البو عباس/البو عليوي/البو هور، البو طرودي/البو فنش/البو حمد، المشاعلة/البو درويش/المصلح، الشليخات/البو نجم/البو كمر/البو داود/البو نداوي)، والبو رياش (بفروعه البو ظاهر، المريخات، البو سليمان، الحمور، البوجابر، البو عوفي، البراغشة، البو برك، البو علي)، والبو جهيمي (وهم قليلون وينتسب إليهم آل النائب وآل الشيخ سعيد في بغداد).

أبناء خالد العبيد (البومفرج): يتفرعون إلى البو عابر، والبو عيد، والبو صالح، والمداهنة، والبو چامل.

قبيلة العبيد في العراق

يُذكر من بيوت قبيلة العبيد البارزة في بغداد آل الشاوي، الذين يعود تواجدهم في المدينة إلى أوائل القرن الثاني عشر الهجري، وعرف منهم شاوي بن نصيف الذي كان يتمتع بمكانة كبيرة في الرئاسة العشائرية، وكان يُعرف بـ “باب العرب” لدوره كوسيط بين الحكومة والعشائر الأخرى. وقد برز من هذه العائلة علماء وأدباء أفاضل. كما يُذكر آل النائب وآل الشيخ سعيد وآل الشيخ علي من البيوتات العلمية والأدبية المعروفة في بغداد.

عشائر تلحق بقبيلة العبيد:

تلحق بقبيلة العبيد بعض العشائر التي تربطها بها صلات نسب أو حلف، منها اللهيب (وهم أبناء عمومة العبيد)، والقرا غول (الذين يعدهم البعض من العبيد ويُقال لهم الحمران)، والجوالة (وهم من طيء ويسكنون مع العبيد بحلف).

قبيلة العبيد في سوريا

تتواجد عشائر من قبيلة العبيد أيضًا في سوريا، وخاصة في محافظة دير الزور (ناحية هجين وقرى البحرة، غرانيج، الكشكية، بوحمام، بوالحسن). ويشير الكاتب هنري شارل في كتابه “عشائر الغنامة في الفرات الأوسط” إلى أن البوحردان (الذين يعدهم البعض فرعًا من العزة) قد قدموا إلى هذه المنطقة من جوار الموصل (حويجة العبيد) على أثر نزاع.

مواضيع ذات صلة : اسماء قبائل سوريا العربية

الخلاصة:

تُعد قبيلة العبيد من القبائل العراقية العريقة ذات التاريخ الحافل بالأحداث والمواجهات، والانتشار الجغرافي الواسع، والتفرعات العشائرية الكثيرة. وقد لعبت دورًا مهمًا في تاريخ العراق الاجتماعي والسياسي، وأنجبت شخصيات بارزة في مختلف المجالات. ولا يزال أبناؤها محافظين على هويتهم وتراثهم في مناطق تواجدهم المختلفة في العراق وسوريا والخليج العربي.

Exit mobile version