قبيلة الترابين : دراسة شاملة حول الأصول، الانتشار الجغرافي، والتنظيم العشائري

تعد قبيلة الترابين من أكبر وأكثر القبائل البدوية نفوذًا في منطقة النقب وشبه جزيرة سيناء. حيث يمتد انتشار أفرادها ليشمل فلسطين والأردن ومصر. وقد ارتبط اسم القبيلة تاريخيًا بمنطقة النقب، التي عرفت في العصر العباسي وما قبله باسم “تربان”، كما ذكر ياقوت الحموي. هذا التحقيق الصحفي المعمق يسلط الضوء على نسب القبيلة، وتوزعها الجغرافي، وبطونها وفروعها، بالإضافة إلى آراء المؤرخين والنسابين حول أصولها وتسميتها.
اصل قبيلة الترابين
يعود أول ذكر موثق لنسب قبيلة الترابين إلى المؤرخ الجزيري (المتوفى عام 1570م)، الذي أشار إليهم كإحدى طوائف بني عطية، وحدد مناطق تواجدهم في ثمَد الحصى، والفيحاء، ووادي العراقيب وآبار العلائي. ومع ذلك، يؤكد أبناء الترابين على استقلال نسبهم عن قبيلة بني عطية (المعازه) أو الحويطات، رغم اشتراكهم في الجد عطية.
اختلافات المؤرخين حول الأصول:
تضاربت آراء المؤرخين والنسابين حول الأصل الجذري لقبيلة الترابين:
- رأي الجزيري: يرى أن الترابين فرع من بني عطية.
- رأي البركاتي: ينسب الترابين إلى قبيلة الحويطات القحطانية.
- رأي ماكس فون أوبنهايم: في كتابه “البدو” (1939م)، يصنف الترابين ضمن حلف “حَرام” في سيناء، مشيرًا إلى أن هذا التقسيم القبلي الضعيف التماسك يعود إلى اسم قبيلتين من جذام.
التسمية وعلاقتها بمنطقة النقب
يُعتقد أن تسمية “الترابين” مشتقة من اسم منطقة “تربان”، وهو الاسم التاريخي المعروف للنقب. وقد ذكر الحموي هذه التسمية، كما وردت في شعر المتنبي خلال رحلته إلى مصر: “وَنَحنُ بِتُربانَ ها. وَهَبَّت بِحِسمى هُبوبَ الدَبورِ”. والنسبة إلى تربان هي “الترباني”.
لقب “أبناء عطية” والجذر الجذامي:
تشتهر هذه القبيلة بلقب “أبناء عطية”، ويؤكد أحمد أبو بكرة الترباني أنهم من جذام، وأن جدهم هو عطية بن نجم بن عطية.
اسماء عائلات قبيلة الترابين
تنقسم قبيلة الترابين إلى خمسة بطون رئيسية هي:
- النبعات: وتضم فروعًا مثل الجهامات، وابن جرمي، وعشيرة الدلوح، وعشيرة العطايات، وعشيرة الديابات.
- القصار: وتشمل العرجان، وأبو زكار، والهواشلة، والجرابعة، والعويضات، والحمران، والبهاردة، والجواعدة، والجعيلات.
- النجمات: وتتضمن الصوفي، والدباري، والعوايشة، وأبو صهيبان، والسنايمة، والصوصين، والعواذرة، وأبو شباب، والصانع، وأبو نجم، وفروع أخرى.
- الغوالية: وتضم الزريعي، والعويلي، وأبو بكرة، والحميدي، والعمور، والعديني، والشلاهبة، وأبو مغيصيب (وينقسم إلى الحصينات والخمامشة)، وأبو ستة (وينقسم إلى الشاوي وأبو ختلة وأبو تيلخ).
- الحسابلة: وهم في الأصل فرع من النبعات استقلوا بمشيخة خاصة بهم. وبالمثل، فإن الغوالية هم أبناء نجم استقلوا بمشيخة منفصلة.
قبيلة الترابين في مصر وفلسطين والأردن
تنتشر منازل الترابين جنوب الخليل، وتتركز غالبيتهم في صحراء النقب غربي قضاء بئر السبع، وداخل شبه جزيرة سيناء، وشمال وشرق مصر، وجنوب الأردن. ويؤكد الباحث أحمد أبوبكرة الترباني في كتابه “كناشة الترباني” أن موطنهم الأصلي هو وادي تربان في العقبة، مستندًا إلى أقوال المؤرخين.
تُعتبر الترابين أكبر قبيلة في شبه جزيرة سيناء وصحراء النقب من حيث عدد الأفراد وحجم الانتشار، وتُعد من كبار القبائل البدوية في مصر، حيث يبلغ تعداد البدو في البلاد حوالي 2.6 مليون نسمة. وينتشر أبناء القبيلة في مناطق متفرقة في فلسطين والأردن ومصر.
العلاقات القبلية: أحلاف ومعاهدات:
ترتبط قبائل سيناء بعلاقات معقدة تتضمن أحلافًا دفاعية وهجومية (“الحلف”) ومعاهدات سلمية لمنع الحروب (“القلد”). وقد كان للترابين حلف قديم مع الحويطات واللحيوات والطورة، وقلد مع التياها، وحلف جديد مع التياها، وقلد بين السواركة والعيايدة من جهة والترابين من جهة أخرى، وقلد بين السواركة وكل من التياها واللحيوات. وتعكس هذه العهود تقسيمًا قديمًا بين بدو المنطقة إلى شطري “سعد” و “حرام”، حيث ينتمي الترابين إلى شطر “حَرام” وفقًا لأوبنهايم.
آراء المؤرخين حول قوة ونفوذ الترابين:
- أوبنهايم: وصف الترابين بأنهم أقوى تجمع قبلي في منطقة الحدود المصرية الفلسطينية، مشيرًا إلى انتشارهم في فلسطين وسيناء وخليج العقبة ومصر. وذكر أن الترابين الفلسطينيين هم اتحاد لعدة قبائل، وأن ثلاثة فصائل فقط هم الترابين الأصليون (الغوالية والنجيمات والنبعات). كما أشار إلى أنهم يوصفون في مصدر من القرن السادس عشر بأنهم بنو عطية، وأن أقدم مقر لهم قد يكون جنوب غرب العقبة حيث يوجد ضريح الشيخ عطية.
- بركهارت: أشار إلى أن الحويطات والأحيوات والترابين والمعازة والتياها ينحدرون من بني عطية، وذكر أن الترابين كانوا يحرسون مواكب الحجيج من غزة والخليل والسويس.
- أنتونين جوسن: وصف الترابين بأنهم القبيلة الأكثر قوة في النقب ذات نفوذ كبير، مشيرًا إلى قوة شيخهم الصوفي قبل الحكم العثماني.
- دليل العرب (1916م): ذكر أن قبيلة بني عطية كانت أصل الحويطات والأحيوات والترابين والمعازة والتياها.
- حمد الجاسر: أكد أن الترابين من بني عطية من جذام، واصفًا بني عطية بالقبيلة الكريمة الأصل والعريقة النسب، المنتمية إلى قبيلة جذام القحطانية المشهورة.
- مصطفى مراد الدباغ: ذكر أن المشهور هو أن الترابين يعودون بأصلهم إلى قبيلة بني عطية الحجازية التي تقع منازلها في تبوك وأطرافها.
الروايات الشفهية والشعر حول الأصول:
تواترت الروايات الشفهية وأشعار شعراء الترابين على نسبتهم إلى قبيلة البقوم ووادي تربة شرق مكة المكرمة. فقد قال الشاعر عنيز أبو سالم الترباني: “حنا بقوم ولقبونا ترابين”. وقال أيضًا: “حنا وطنا من تريبة إلى الشام”. وقد أكد باحثون مثل عارف العراف المقدسي وسالم اليماني ومحمد الطيب ومحمد أبو سمّور وسامي عبد المالك هذه الروايات في مؤلفاتهم ومقالاتهم.
الخلاصة:
تُعد قبيلة الترابين من القبائل العربية البدوية الكبيرة والمؤثرة في منطقة النقب وسيناء وما حولها. وعلى الرغم من اختلاف آراء المؤرخين والنسابين حول تفاصيل نسبهم، إلا أن هناك إشارات قوية تربطهم إما ببني عطية الجذامية أو بقبيلة البقوم الحجازية، مع ارتباط وثيق باسمهم وتاريخهم بمنطقة النقب المعروفة تاريخيًا باسم تربان. ويتميز التنظيم العشائري للقبيلة بتفرعاتها وبطونها المتعددة، وامتداد نفوذها عبر مناطق جغرافية واسعة.