قاسم غالب أحمد الرسولي – رائد التنوير الأول 1916 – 1972

كتب: توفيق السامعي
سياسي وثائر وأديب، وفيلسوف الثورة السبتمبرية وأكاديميتها الأولى.
من مواليد مدينة تعز عام ١٩١٦م، وينحدر من الأسرة الرسولية للدولة الرسولية الأعظم في تاريخ اليمن التي كانت تعز عاصمتها.
يعد قاسم غالب واحداًمن أهم عقول ثورة سبتمبر ومفكريها الأوائل باعتباره الأكاديمية التي تخرج على يديها معظم أبطال سبتمبر وثوارها الذين تتلمذوا على يديه في سجون الإمامة بقلعة القاهرة بتعز وسجن نافع بحجة.
فقد قضى الأستاذ قاسم ما يقارب ١٤ عاماً سجيناً في سجون الإمامة، قضاها كلها في زرع بذور الحرية وتبديد خيوط الظلام في حلقاته التعليمية التي تخرج منها العشرات من المفكرين والاُدباء والشعراء الذين لم يدخلوا مدرسة قط في حياتهم وجل تعليهم كان ما اكتسبوه على يد الأستاذ قاسم غالب كالأستاذ الحروي وَعَبَد القوي حاميم وغيرهم الكثير.
وعندما سجن بقلعة القاهرة أصبح الشيخ قاسم مدرساً للرهائن من زعماء قبائل اليمن فذكر الأديب المعروف زيد مطيع دماج في كتابه “الانبهار والدهشة” عندما زار ابن عمه الرهينة هناك عنه: “أقبل نحونا ذلك الرجل المهاب بثيابه البيضاء النظيفة وبعمته البيضاء فوق رأسه كلباس علماء الازهر وربت كتفينا بحنان، وقال لابن عمى -احمد قاسم دماج- متسائلاً: أهذا ابن عمك أول الثائرين ابن نقيب الأدباء وأديب النقباء؟ بارك الله فيكم، وتركنا، وسألت ابن عمى عنه فقال: “إنه السجين الوحيد بين الرهائن، وهو أستاذ فاضل قاسم غالب يخصص كل وقته لتعليمنا اللغة والتاريخ والجغرافيا والمنطق والأخلاق والحساب؛ إنه أكثر علماً من معلمي المدرسة الأحمدية…”.
كان لتعليم قاسم غالب أولئك الرهائن والسجناء الفضل والتأسيس الثوري والتوعوي التي زرعها في نفوسهم ليكونوا هم قادة الثورة بعد خروجهم من سجون الإمامة.
أسس غالب أول جمعية معارضة للإمامة بتعز في ثلاثينيات القرن الماضي وبدأ مشوار النضال ضد حكم الإمامة ومظالمها.
تولى غالب العديد من المناصب في بلاط الإمامة، لكنه لم تثنه لذة السلطة عن الانصراف عن معارضة هذه السلطة الكهنوتية، وكان يرى أن لا سبيل للتخلص من الإمامة سوى بالتعليم والتنمية، فشكل التعليم كل همه ونضاله، وبعد تمكنه من الفرار الى عدن تولى تأسيس عدد من الصروح التعليمية كمعهد البيحاني، وكلية بلقيس، وعدد من المدارس، وبعد قيام الثورة أيضاً بالشمال عاد وأسس عدداً من مدارس المدينة.
وبعدها دُعىَ الى صنعاء وعين نائباً لوزارة التعليم التي ما لبث أن تعين وزيراً لها، فخاض معركة التعليم بكل جسارة واقتدار رغم الظروف والمعوقات الكبيرة التي تركتها مخلفات دولة الإمامة وفِي مقدمتها تركة الجهل؛ الصنم الذي يعبد من دون الله، كما كان يقول الأستاذ قاسم.
بعد انقلاب ٥ نوفمبر ١٩٦٧م سجن مع رفاقه في سجن القلعة بصنعاء، وأطلق سراحهم أثناء حصار الإمامة لصنعاء لتأثيرها في حشد المقاتلين والثوار ضد الإمامة، وبعد فشل الحصار وفشل القضاء على الجمهورية أعيد سجنهم مرة أخرى.
ترك قاسم ثروة كبيرة من الكتب التي لم يجد الكثير منها طريقه للنشر بعد، وبالأخص مذكراته، التي تعتبر كنزاً تاريخياً لأهم محطة تاريخية في تاريخ اليمن المعاصر.
وكان له مؤلفات أبرزها مشاركته في تأليف كتاب “ابن الأمير وعصره.. صورة من كفاح الشعب اليمني”، والذي ألفه مع أربع كتاب أخرين هم حسين السياغي ومحمد الأكوع وعبدالله الشماحي ومحمود زايد (مصري).
كان أحد الذين أخرجوا من اليمن بعد سطوة البعثيين الذين تقلدوا السلطة اليمنية وكانت بينهم وبين الناصريين صراعات محتدمة، أخرج مع رفاقه الرئيس السلال وبعض الشخصيات الأخرى إلى القاهرة التي توفي فيها عام 1972 بعد حياة حافلة بالعطاء والنضال والتضحية.





