قبيلة بلي في السودان : هجرات عريقة ودور تاريخي في شرق أفريقيا

تعد قبيلة بلي في السودان من القبائل العربية ذات الانتشار الواسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تفرقت فروعها على مر العصور، خاصة خلال فترتي ما قبل الإسلام والفتوحات الإسلامية. ويستعرض هذا المقال تاريخ هجرة قبيلة بلي إلى السودان، حيث كانت أولى القبائل العربية التي استقرت في هذه البلاد، ودورها البارز في المنطقة.
موطن قبيلة بلي الأصلي وهجرتها المبكرة إلى السودان:
قبل الإسلام، كانت قبيلة بلي تستوطن مناطق واسعة في شبه الجزيرة العربية، تشمل شمال اليمن، الأجزاء الجنوبية من نجد، والمناطق الشمالية من أرض الشحر المتنوعة، بالإضافة إلى مناطق في شرق السودان ومصر والشام وصولًا إلى فلسطين. ويُشير اتساع انتشارها إلى كثرة عددها وقوتها، حيث تمكنت من تثبيت أقدامها في أجزاء كبيرة من الحجاز، ثم امتدت شمالًا إلى فلسطين، قبل أن تنحدر بعض جماعاتها عبر سيناء غربًا إلى مصر والمغرب العربي، وجنوبًا نحو سواحل البحر الأحمر السودانية
عند وصولها إلى السودان، كانت قبيلة بلي تجاور قبائل البجه، وسرعان ما اختلطت بهن تدريجيًا. وتتابعت هجرات أخرى من الحجاز واليمن، حيث عبرت الجموع البحر الأحمر عند باب المندب ومن المراسي القريبة من جدة، لتصل إلى الشواطئ السودانية وتغطي إقليم البجه بأكمله، من عيذاب شمالًا إلى مصوع ودهلك جنوبًا، وهي مواطن القبائل البجاوية.
تاريخ هجرة بلي وتأثيرها اللغوي:
بدأت هذه الهجرات في الفترة التي سبقت القرن الثالث قبل الميلاد. وقد وثقت قبائل البجه وصول هذه الأمة العربية إلى أراضيها باستخدام كلمتي “بلويب” و “بلوييت”. ففي لغة البجه، يشير مصطلح “بلويب” إلى البلويين الذين نزحوا إلى أراضيهم، بينما تعني كلمة “بلوييت” اللغة العربية التي كان يتحدث بها أبناء قبيلة بلي، والذين يُعتبرون أول من أدخل اللغة العربية إلى أفريقي.
تداخل القيادات والمصاهرات مع قبائل البجه:
سرعان ما بدأ زعماء قبيلة بلي في المصاهرة مع زعماء البجه، وبرز افتخارهم بنسبهم العربي وأصلهم، حيث كانوا يفضلون الزواج من غير البجه رغم مصاهرتهم لهم. وكان زعماء بلي يطمحون إلى تولي زعامة قبائل البجه، مستفيدين من دستور قبيلة البجه الذي كان يورث الزعامة لابن البنت أو الأخت. وهكذا، ورث أبناء زعماء بلي الذين كانت أمهاتهم من بنات زعماء البجه الملك والزعامة القبلية، بالإضافة إلى ما تميز به زعماء بلي من حنكة وقوة وشجاعة.
ظهور مسمى الحدارب وأهميتهم:
نتيجة لهذا التداخل والانتشار، عُرف زعماء بلي في سائر ممالك البجه بلقب “الحدارب” (مفردها حدربي)، كما ذكر القلقشندي. وقد حظي هؤلاء الحدارب بمكانة خاصة لدى البجه نظرًا لأصولهم العربية العريقة.
استمرار الإشارة إلى بلي كرمز للقيادة:
على الرغم من شيوع مسمى الحدارب، ظل اسما “بلويب” و “بلوييت” متداولين بين قبائل البجه، وكانا يشيران دائمًا إلى الزعامة والرئاسة والسيادة في لغتهم وفي أحاديثهم المتوارثة عن أبناء قبيلة بلي.
الدور التاريخي لقبيلة بلي في السودان الشرقي وإريتريا:
يمتد تاريخ قبيلة بلي في شرق السودان لفترة طويلة بدأت في القرن الثالث قبل الميلاد واستمرت حتى القرن السادس عشر في الأراضي السودانية الحالية، بينما استمر وجودهم في إريتريا حتى العصر الحالي. وقد كان لهذه القبيلة دور هام في انتشار الإسلام في هذه المناطق والحفاظ على عروبتها وسماتها، كما أسست مدارس لتحفيظ القرآن وأدخلت كتابة اللغة التيجرية بالحروف العربية، والتي كانت سائدة حتى الأربعينيات من القرن العشرين، حين ضعفت الصلات مع شرق السودان بعد الحرب العالمية الثانية.
مواضيع ذات صلة: