قبيلة سنحان: جذور النسب وجغرافيا المكان

تتربع قبيلة سنحان في قلب مديرية تحمل الاسم ذاته، جنوب العاصمة اليمنية صنعاء، محتضنةً بين جنباتها مسقط رأس الرئيس اليمني الأسبق، علي عبدالله صالح، لتشكل بذلك بقعة جغرافية ذات ثقل تاريخي واجتماعي عميق.
أصول ضاربة في أعماق التاريخ:
تستمد قبيلة ومديرية سنحان اسمها من ســنـحـان بن يـزيد بـن الـحارث بـن كـعب بـن عُـلة بـن جـلد بـن مـالك بن مـــذحـج بـن أدد بـن زيـد بـن يـشجب، وفقًا لما أورده النسابون، لتتصل بذلك بجذور عريقة تمتد في أعماق التاريخ اليمني.
جغرافيا متفردة:
تتصل مديرية سنحان بالعاصمة صنعاء من جهة الجنوب الشرقي، تحدها شمالًا العاصمة، وجنوبًا مديرية بلاد الروس، وشرقًا مديرية بني بهلول، وغربًا مديرية بني مطر، لتشكل بذلك موقعًا استراتيجيًا في محيط العاصمة.
تنوع جغرافي وتراثي:
تتوزع مناطق مديرية سنحان بين سهول ووديان وجبال، وتضم قرى عريقة تحمل بصمات التاريخ، من أبرزها: حزيز، ودبر، ودار عمر، ودار سلم، وريمة حميد، والكولة الحمراء (المعروفة ببيت الأحمر)، وبيت حاضر، وســامـك.
كما تحتضن المديرية العديد من القرى الأخرى ذات الأهمية التاريخية والاجتماعية، مثل: سَّيان، وشعسان، وضبوة، وبيت نمير، ومقولة، والتخراف، والمحـاقرة، وعمـد، وبيـت الشاطبي، ونعض، ومسعود، والألجام، والجيرف، وضبر خيرة، وهجرة قروان، وبيـر الهـذيل، والجـردا، وذراح، والـضبعات.
شوامخ الجبال وأودية خصبة:
تتزين سماء سنحان بشوامخ جبلية ذات شهرة تاريخية، من بينها: جبل كنن، الذي يقع بين سنحان وخولان العالية (خولان الطيال)، وجبل الخطفة المطل على قرية التخراف، وجبـل رهم المعروف، وجبال حدَّين التي تنبع منها مياه حدين العذبة.
وتشتهر المديرية بأوديتها وروافدها الغنية، ومن أهمها: وادي قروى، ووادي سيَّان، ووادي مقولـة، وواد خدار ووعلان، ووادي سامك، ووادي مرحب، ووادي هروب، ووادي حبابض، ووادي يكلى، ووادي الـشرب، ووادي عرقب. ويشكل واديا الشرب وعرقب حدودًا طبيعية بين قرى ذي جرة وقرى عنس بن سبأ الأكبر (قبيلة الحدآ بن نمره حاليًا)، كما يحدها من ناحية القحف قبيلة “الحدا بن نمرة”، ومن ناحية “يكلى جبرة”، التي تمثل الحد الفاصل بينها وبين عنس وأودية عنس. وتصب أودية سَّيان وسامك في فرش آنس جنوب سنحان، بينما تتجه أودية سنحان الشمالية لتصب في صنعاء، كوادي الخارد المتجه نحو الجوف.
أرض معطاءة وكنوز تاريخية:
تتميز أراضي سنحان بخصوبتها الزراعية، حيث تزرع فيها مختلف أنواع الخضروات والفواكه، من أهمها: التين، والعنب، والرمان، والمشمش، والفرسك، بالإضافة إلى المحاصيل الحقلية المتنوعة. وتحتضن سنحان معالم تاريخية عريقة تشهد على حضارات متعاقبة:
- مـــقــولـة_ســـنـحـان: مركز القيل ومهد الحضارات: تقع على بعد نحو 15 كيلومترًا جنوب شرق صنعاء، وتستمد شهرتها من اسمها “مقولة”، المشتق من مصطلح “قيل” أو “قيالة”، الذي كان يطلق في عصور ما قبل الإسلام على حكام الأقاليم والمقاطعات. وقد بلغ من أهمية أحد أقيال هذه المنطقة أنه وصل إلى حكم مملكة سبأ، وهو “انمار يهامن”، ملك سبأ وذي ريدان في النصف الأول من القرن الثاني الميلادي. وقد كشفت الحفريات الأثرية في مقولة عن موقع هام يعود إلى فترة ما قبل الإسلام، حيث عُثر على أساسات لمبنى ضخم يُعتقد أنه معبد قديم أو قصر لأحد الحكام، مما يعكس الازدهار الحضاري والفني الذي شهدته المنطقة آنذاك. وقد تميزت الأحجار المنحوتة بدقة ومهارة فائقة، كما عُثر على أواني فخارية كبيرة تدل على الرخاء الاقتصادي الذي كانت تنعم به المنطقة بفضل حكامها الأقوياء الذين وفروا الأمن والاستقرار.
- جـــبـل_كـــــنــن: قدسية تاريخية وشاهد على ممالك عريقة: يقع جنوب مديرية سنحان، شرق نقيل يسلح، وهو جبل مقدس مشهور منذ القرن الأول الميلادي، ارتبط بقبيلة ذي جرة التي اتخذته حاضرة لها إلى جانب مدينة نعض القديمة. وقد كانت هذه العشيرة تتحمل زعامة قبيلة سمهرم وقبيلة الملك “ذمـــار بــن عــلـي”، مؤسس الإمبراطورية الريدانية الحميرية. وقد برز من هذه القبيلة القيل “سعد شمس أسرع” وابنه “مرثدم يهحمد”، الذي وصل إلى حكم مملكة سبأ في منتصف القرن الثاني الميلادي. وقد شهد جبل كنن صعود العديد من الملوك الجرتيين إلى عرش مملكة سبأ وذي ريدان، الذين خاضوا حروبًا وغزوات واسعة. ويحتوي جبل كنن حاليًا على بقايا قصر ومعبد كبير كان مخصصًا للإله “عثتر” والإلهة “ذات ظهران”، وهما الإلهان الخاصان ببني جرت. وقد انتشرت معابد أخرى للإله “عثتر” في مناطق مجاورة مثل مدينة “نعض” ومدينة “حضرم”. وقد نُسب اسم جرت إلى “جرات” أو “مجرات”، وهي سيول الأمطار الغزيرة التي كانت تنزل من جبل كنن إلى أراضي ذي جرة.
- هـــجـرة_دبـــر: مركز علمي عريق: تقع هجرة دبر في وادي الفروات بمديرية سنحان، بالقرب من قرية “ظبر خيرة”. وقد ذكر المؤرخ الجندي في كتابه “السلوك” أن “دبرة” تقع على نصف مرحلة من صنعاء، وأنها هجرة علم أسسها إسحاق بن إبراهيم بن عبَّاد بن سمعان الدَّبـر، وهو إمام عالم ومحدث حافظ عاش في القرن الثالث الهجري. ويقع قبره في دبر، مما يدل على الأهمية العلمية التي كانت تتمتع بها المنطقة في تلك الفترة.
تظل سنحان، بتاريخها العريق وجغرافيتها المتنوعة، شاهدًا حيًا على حضارات يمنية أصيلة تركت بصماتها على هذه الأرض الطيبة.