الاخبار الرئيسيةمقالات واراء

عندما يسود الحمقى في الوطن

محمد احمد الطالبي

في لحظةٍ عابرة من تاريخ الشعوب، قد تجد الحمقى وقد تربعوا على العروش، وامتدت أياديهم المرتجفة لتعبث بمصير الأوطان. يحدث ذلك حين تضعف القيم، وتُستبدل الحكمة بالجعجعة، ويصير الضجيج بديلاً عن الفعل، والخرافة سيدة على منصة القرار.

عندما يسود الحمقى، تختنق الحقيقة تحت ركام الأكاذيب، وتُطارد العقول الحرة كما تُطارد النارُ الفراشات. يصير التملق شرفًا، والغباء دليلاً على الولاء، أما الكفاءة فتصبح تهمة تستوجب النفي أو التهميش. تنقلب المعايير حتى يُكافأ الجاهل ويُقصى العارف، ويغدو الوطن مزرعة بائسة يحكمها العمى والجشع والخوف.

لا يكتفون بإفساد الحاضر، بل يسوقون الوطن إلى الهاوية، يجلبون له الويلات، ويشعلون الصراعات الداخلية والخارجية. يتشبثون بكراسيهم بأسنانهم، غير عابئين بحال المواطن الذي يرزح تحت وطأة الضيق في العيش، ويُطارد بانعدام الأمن، وتُسلب منه الطمأنينة. يُمعنون في الإنكار، كأن الخراب الذي يملأ الأرجاء وهمٌ لا يراه إلا الشعب وحده.

في أوطان يحكمها الحمقى، يصبح الحلم بالنهضة خيانة، والنقد جريمة، والحب للوطن تهديدًا يستوجب الإقصاء. يحاصرون الفكر، ويزرعون الشك، ويشيعون الرداءة ثقافةً عامة، حتى ينسى الناس أن هناك شيئًا اسمه الحق والعدل والكرامة.

لكن التاريخ يعلمنا أن سيادة الحمقى، مهما طال زمنها، زائلة لا محالة. فالشعوب، حتى وإن أنهكتها الحماقة، لا تموت، بل تخبئ في أضلاعها جذوة المقاومة. ومع أول نسمة وعي تهب، تشتعل تلك الجذوة لتكنس ركام السنين، وتبني وطناً لا يعلو فيه إلا صوت الحكمة والعقل.

إن الخطر الحقيقي ليس في الحمقى أنفسهم، بل في أولئك الذين يصمتون خوفاً، أو يصفقون نفاقاً. لأن الصمت أمام الحماقة جريمة لا تقل عن الحماقة ذاتها. فالأوطان لا ينهضها العظماء فقط، بل كل من يرفض أن يسلمها إلى الجهل والضياع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock