شخصيات

تقية الطويلية أيقونة الفن اليمني : الرحيل الصامت

ببالغ الحزن والأسى ودّعت الساحة الفنية اليمنية يوم الإثنين الفنانة الرائدة تقية الطويلية، عن عمر ناهز 77 عامًا، بعد عقود طويلة من العطاء الفني الثري. فقد كانت الطويلية شاهدة على تحولات اليمن وتغيراته عبر أجيال متعاقبة، لتترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الغناء الشعبي النسائي.

مسيرة فنية استثنائية: من “الصحن” إلى النجومية

تعتبر تقية الطويلية بحق من رائدات الغناء الشعبي النسائي في اليمن. أدخلت البهجة والسعادة إلى قلوب اليمنيين بصوتها العذب وأغانيها الشعبية الأصيلة. اشتهرت بأدائها المميز وتقديمها لزفة العروس في العديد من أعراس صنعاء، مستخدمةً الصحن كآلة إيقاعية فريدة أضفت على أعمالها جاذبية خاصة. لم تكن بدايتها سهلة، فقد ولدت في أحد أحياء صنعاء القديمة لعائلة بسيطة، وشقت طريقها إلى الفن في سن الثانية عشرة. غنت لأول مرة خلسة في الديوان النسائي بمنزل نجل الإمام يحيى حميد الدين، مستخدمة طبق الطعام كآلة موسيقية مرافقة.

تحديات مجتمعية وإصرار على الفن

واجهت الفنانة تقية العديد من التحديات في مجتمع كان ينظر إلى الغناء النسائي كـ”عيب” لا ينبغي التسامح معه. حتى والدتها لم تكن تؤمن بموهبتها في البداية. ورغم المخاطر التي كادت تودي بحياتها، استمر شغفها بالفن يدفعها نحو تحقيق حلمها. تحكي الطويلية في إحدى حواراتها التلفزيونية كيف أن شقيقها كان سيتسبب لها بمشكلة لو علم بغنائها في منزل الإمام.
نقطة تحول في مسيرتها كانت عندما سمع صوتها الفنان الراحل محمد حمود الحارثي، الذي تنبأ لها بمستقبل باهر. عرض عليها الحارثي تسجيل أسطوانات، وهو ما وافقت عليه الطويلية بشرط أن لا يخرج صوتها للشارع خوفًا من أخيها. بعد مفاوضات مع مالك تسجيلات الشرق الأوسط، أحمد عبدالله الدالي، سجلت الطويلية أول أسطوانة لها بعنوان “لا تسألوني كيف حالي اليوم، والله يا عيني ما ذاقت النوم”.

إرث فني خالد وتقدير واسع

رحلت تقية الطويلية بعد أن عاشت لترى أعمالها تزدهر وتُكلل بحب الناس، تاركةً خلفها إرثًا فنيًا غنيًا وشقت الطريق أمام عشرات الفنانات اليمنيات اللواتي سيتذكرنها بكل فخر. رثاها اليمنيون بمزيج من الحزن والفخر، حيث وصفها المصور والفنان عبدالرحمن الغابري بأنها “أحد أهم رواد الغناء النسائي اليمني، ناضلت لتكون من أهم مطربات اليمن بل من أوائل المطربات، فقد تعرضت للموت مرارًا بسبب إصرارها على ممارسة الغناء في ظروف مجتمعية غاية في التعقيد والانغلاق”.
كما نعت وزارة الثقافة والسياحة الفنانة تقية الطويلية، مشيدةً بدورها الريادي في الغناء اليمني النسوي وتقديمها للعديد من الأغاني والأناشيد الوطنية. وأوضح بيان الوزارة أن الفقيدة كانت نموذجًا رائعًا في مسيرة الفن اليمني، ولها دور بارز في إحياء الأغاني التراثية وأداء الأعمال الغنائية باللون الصنعاني، بالإضافة إلى إثرائها الساحة الفنية بالأغاني الوطنية وحفلات الزفاف النسائية.
تبقى تقية الطويلية أيقونة للفن والتحدي في اليمن، وستظل ذكراها خالدة في قلوب محبيها وكل من تأثر بفنها الأصيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock