برز اسم الكسارة في محافظة مأرب ليتحول من مجرد موقع جغرافي إلى رمز بارز في تاريخ الحرب اليمنية. فمنذ منتصف عام 2020، لم يعد هذا الاسم يقتصر على نقطة عسكرية على الطريق الرئيسي الرابط بين مأرب وصنعاء، بل أصبح يشير إلى واحدة من أهم الجبهات العسكرية التي شهدت أشرس المعارك بين القوات الحكومية اليمنية، مدعومة برجال القبائل والمقاومة الشعبية من جهة، وميليشيا الحوثي المدعومة من إيران من جهة أخرى.
أصل التسمية والنطاق الجغرافي:
يعود إطلاق اسم “الكسارة” على هذه المنطقة إلى وجود منشأة “كسارة” كانت تستخدم لتكسير الأحجار اللازمة في أعمال شق الطريق الإسفلتي الرئيسي بين مأرب وصنعاء في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. وقد أنشئت نقطة عسكرية بجوار موقع الكسارة آنذاك، وظلت هذه النقطة قائمة حتى يومنا هذا، لتشهد لاحقًا تحول المنطقة إلى ساحة قتال محورية.
أما بالنسبة للنطاق الجغرافي الذي أصبحت تعرف به “جبهة الكسارة”، فهو يمتد من منطقة مفرق هيلان الاستراتيجية وصولًا إلى وادي نخلا ووادي السحيل، ليشمل كذلك المناطق الرملية الواقعة شمال جبل هيلان. هذا الموقع الاستراتيجي جعل من الكسارة بوابة مهمة ومفتاحًا للسيطرة على محاور رئيسية في المنطقة.
الكسارة : جبهة استنزاف لقوات الحوثي:
اكتسبت هذه سمعةً كواحدة من أكثر الجبهات استنزافًا لقوات الحوثي. ويعود ذلك إلى عدة عوامل متضافرة، أبرزها:
- صمود القوات الحكومية والمقاومة: أظهرت القوات الحكومية ورجال القبائل والمقاومة الشعبية صمودًا وبسالةً فائقة في مواجهة تقدم ميليشيا الحوثي في هذه الجبهة، مما حال دون تحقيق الأخيرة لأهدافها الاستراتيجية.
- التضاريس الجغرافية الوعرة: لعبت الطبيعة الجغرافية للمنطقة، بتضاريسها المتنوعة، دورًا هامًا في إعطاء أفضلية للقوات المدافعة، حيث استُخدمت هذه التضاريس في التحصين وتنفيذ الكمائن وإعاقة حركة الآليات الثقيلة للميليشيا.
وقد أسفرت المواجهات العنيفة والمستمرة في جبهة الكسارة عن تكبيد ميليشيا الحوثي خسائر فادحة في الأرواح والعتاد. فقد قتل وأُصيب المئات من عناصر الميليشيا المدعومة من إيران، بالإضافة إلى تدمير أو اغتنام العشرات من العربات والمدرعات والأطقم العسكرية على يد أفراد الجيش والمقاومة.
دور طيران التحالف في تعزيز قوة الجبهة:
شكلت التضاريس المفتوحة نسبياً لجبهة الكسارة ميزة إضافية، حيث أتاحت لطيران التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية فرصًا كبيرة لاستهداف تحركات وآليات وعناصر ميليشيا الحوثي. وقد أسفرت هذه الضربات الجوية الدقيقة عن إلحاق خسائر كبيرة بالميليشيا في المعدات والأرواح، مما ساهم بشكل فعال في صمود الجبهة وإعاقة تقدم الحوثيين.
رمز للصمود والإصرار:
بمرور الوقت، تحول اسم الكسارة في الذاكرة الجمعية اليمنية إلى رمز للصمود والإصرار في وجه محاولات التوسع والسيطرة. لقد أثبتت هذه الجبهة، بفضل تضحيات أبنائها وبسالة المدافعين عنها، أنها عصية على الاختراق، وأنها قادرة على إلحاق الهزائم المتكررة بالطرف المهاجم. وستظل الكسارة شاهدًا حيًا على حقبة مفصلية في تاريخ اليمن الحديث، وعلى التضحيات الجسام التي قدمت دفاعًا عن الأرض والهوية.
مواضيع ذات صلة: